حكاية صورة: النقش «غية»
التأريخ لدى المصريين غريزة، والرسم على الجدران داء، جين متمرد يستوطن الحمض النووى بشفرة بالغة التعقيد، يخمل حينا، لكن حين يقرر أن يخرج للنور، تبصره فوق جدران المدرسة، فوق المقعد، على خلفية باب حمام مدرسى، أو جذع شجرة جميز عجوز.. الكل ينسخ ذاكرته بلغة خاصة، يحملها من سر الأسرار إلى براح الكون.
والنقش أو الرسم وراثة، لن يجد التاريخ أبرع من المصريين فى هذا المضمار، تناقلوها كابرا عن كابر، أبا عن جد، صانعا عن كاهن عن فرعون، جسدوا الحزن على المعابد، أرخوا للهزائم والانتصارات، لحفلات التتويج والجنائز، لتنصيب الفراعنة آلهة فوق عروش مصر، وكتبوا فوقها التاريخ بحلوه ومره، حتى الفضائح، كانت هناك، فوق الجدران.
فى ريف وجه بحرى أو الصعيد تجد نقوشا لرحلات الحج، لزفاف الابن البكرى، لمجىء «الواد»، تجسيد لانتصارات وطنية، راية نصر، ومسلة فرعونية، وقنينة ورد لا ينبت أصلا فى تلك الأرض، أو أسد يرمز لكبير «الدار» وعمود «الخيمة»، وسفينة تشبه فى ضخامتها «فلك» نوح، تحمل العائدين من الحجاز أو رحلة عمل فى الخليج.. على جدران تلك البيوت تجد تاريخ مصر المعاصر والحقيقى والبسيط، تاريخا لم يدخل يوما كتب التاريخ، لأنه لم يبرح قيد أنملة جغرافيا الواقع.