القاهرة: الأجرة جنيه لدخول مرحاض «عبدالمنعم رياض» والأبواب بدون ترابيس وحنفياته «بايظة» والمرايات «مكسورة»
حمامات غير صالحة للاستخدام
وسط ميدان عبدالمنعم رياض بقلب القاهرة، حيث الكثافة السكانية الهائلة، ترتفع الشمس فى وسط السماء معلنة موعد رفع أذان الظهر، ذلك الوقت الذى يعد أكثر أوقات اليوم حرارة، فتجد من يحاول تخفيف حرارة الشمس باللجوء إلى أحد المراحيض العامة فى الميدان، وذلك لترطيب وجهه ببعض قطرات المياه.
عند الاقتراب من باب الحمام العمومى، تجد سياجاً حديدياً بارتفاع نحو نصف متر يحيط بالمرحاض، له باب صغير مفتوح دائماً، وما هى إلا خطوات قليلة وتصبح على أعتاب باب حديدى آخر بنى اللون، أعلاه مصباح مضىء فى عز الظهر، أمامه شخص نحيف ذو شعر أسود مجعد تتخلله بعض الشعيرات البيضاء، يجلس على كرسى خشبى أمامه راديو صغير أحمر اللون يصدر منه صوت لأغنيه للفنانة «وردة»، تبدو عليه لهجة صعيدية، وبمجرد الاقتراب منه تجد سعادة صادرة منه وكأنه حصل على صيد ثمين، يقول لك قبل أن تبدأ أنت حديثك «الأجرة يا أستاذ».
الروائح الكريهة تستقبل من يدخل «الحمام» والفضلات منتشرة على الأرض.. و«حسن»: «هدفع تذكرة علشان أدخل مكان مقرف؟!».. و«محمود»: «عالجنا كل السلبيات اللى فى البلد ومبقاش إلا التبول»
جنيه كامل هو أجرة استخدام حمام عبدالمنعم رياض، بمجرد دفعها ينفذ الداخل إلى ممر ضيق يصل به إلى ثلاثة حمامات صغيرة، الأول والثانى حمامات بلدية، بها خرطوم مياه صغير يعمل باستمرار، الروائح الكريهة تنتشر فى المكان، تدفع الداخلين إلى الخروج بسرعة، باب الحمام الداخل غير محكم الإغلاق، لعدم وجود ترباس، ولا يختلف الحال كثيراً فى «الحمام الأفرنجى» حيث يوجد خزان مياه فوق «القاعده الأفرنجى» ليس له غطاء وبالجوار صنبور مياه أخضر اللون، وإن كنت من هواة القراءة ستجد غايتك على باب الحمام من الداخل، حيث يوجد عليه كل عبارات الحب وأرقام هواتف محمولة وكذلك عبارات بذيئة، ثم تخرج إلى ساحة المرحاض فتجد «حوضين ميه»، وانتظار عدد كبير من المواطنين كل منهم ينتظر دوره لكى يقوم بغسل وجهه، وإذا نظرت أمامك ستجد مرآة «مكسورة»، وفجأة وبدون مقدمات يرتفع صوت رويداً رويداً «هات يا عم جنيه، ماشى حاضر هديك جنيه بعد ما أخرج، لا يا باشا مش هتدخل إلا لما تدفع الجنيه، يا عم ماشى هدفع بس هات تذكرة، مفيش تذكرة يا أستاذ، هتدفع ولا تمشى وتريحنا»، ثم يهدأ الصوت ويدخل الرجل إلى المرحاض فى انتظار دوره الذى ربما يستغرق نصف ساعة نظراً للزحام الشديد فى ذلك الوقت، يمر الوقت ببطء وبعد ساعة ونصف تسمع حواراً من نوع آخر «رايح فين يا أسطى؟ داخل يا عم أملى الإزازة دى علشان الأوتوبيس عملها فيّا وخر زيت، طيب ادخل يا عم فى السريع كده»، وبعد قليل ينادى العامل على أحد المارة وكأنه يبيع سلعة «تعال يا باشا شرفنا» فيدخل الرجل من السياج وعندما يصل إلى العامل يقول له «فين عربيات رمسيس لو سمحت» فيبتسم الحارس ويقول له «ما تدخل يا عم تغسل وشك»، ويمر الوقت دون أشياء لافتة للنظر سوى تساؤل المواطنين، «فين يا عم التذكرة؟» ويقول الحارس رداً على سؤال «إيه اللى خلاك تشتغل فى المكان ده؟»، «أنا كنت لاقى شغل علشان أقول مش شغال هنا، أنا من الصعيد من ملوى بالتحديد وعايش هنا جنب أحمد حلمى، ومتجوز وعيالى فى البلد هما ومراتى».
ووسط زحام شديد فى موقف عبود وسط السيارات فى الصباح الباكر تسمع من بعيد صوتاً ينادى «تعال يا أستاذ، قرب يا باشا»، تظن أنه سائق ينادى على الركاب، ولكن سرعان ما يتبدد هذا الاعتقاد عندما تجد نفسك أمام ساحة صغيرة تنتهى بباب له لون أزرق «باهت» بمجرد فتح الباب تجد ما لا يسرك، رائحة كريهة ربما من شدتها قد تصاب بالغثيان، صنابير مياه مفتوحة دائماً تهدر الماء، فى الناحية المقابلة للصنابير تجد فى مواجهتك ثلاثة أماكن للتبول لا يوجد بينها ما يحجب الرؤية، فالرخام فقط هو الذى يفصلها عن بعضها البعض، وإذا نظرت بعينيك لأعلى حيث سقف المرحاض ستجد مصباحاً يعمل وآخر معطلاً، وكذلك سقف متآكلا طلاؤه.
أمين شرطة: «الإنسانية تمنعنى أعمل محضر لراجل عجوز مقدرش يمسك نفسه ولا بد من تطبيق القانون فى الميادين العامة فقط».. و«إبراهيم»: «العقوبة كويسة لكن لازم يوفروا أماكن صحية للتبول علشان فيه ناس مريضة وكبار سن بتعانى»
وسرعان ما تدرك عيناك الكارثة الكبرى، حيث تجد بقايا فضلات مواطن، ربما قرر أن يضعها خارج المكان المخصص لأنه لم يجد متسعاً لذلك بسبب انسداد المجارى، وعند النظر بتمعن على الأبواب تجد أنها غير محكمة الغلق لعدم وجود ترباس لها، فربما وأنت جالس تلبى نداء الطبيعة تجد من اقتحم عليك خلوتك وشتت ذهنك، بالطبع ستنظر إلى حذائك لكى تتأكد أنه لم يصبه أذى من المياه المتساقطة من الصنابير، فتجد السيراميك له لونان، لون أبيض يميل إلى الاتساخ، وآخر بنى ربما لم ينظر له أحد منذ أن تم بناء المرحاض حتى يومنا هذا، وبعد أن تنتهى من قضاء حاجتك تخرج لتجد من يقول لك رافعاً يده بسبب جلوسه على كرسى العرش «هات أى حاجة»، ربما تسأل لماذا تطلب أموالاً فيقول لك بصوت مزعج «لأنى بنضف الحمامات».
حسن إبراهيم من محافظة سوهاج تصادف مروره بجانب المرحاض قال لـ«الوطن»: «ماشى قرار توقيع عقوبة على التبول فى الشارع، كويس بس فى الأول يوفروا لنا الأماكن النضيفة، لأن كل المراحيض مقرفة»، وبعبارة حادة قال مواطن آخر ويدعى محمود أحمد، «إزاى يعنى الكلام ده طب والناس المريضة واللى عندها سكر هتعمل إيه، سيبك من دول، طيب كبار السن اللى مستحيل يتحكم فى نفسه لحد مرحاض عمومى هيعملوا إيه، خلاص يتبولوا على نفسهم بقى وخلاص ما هو إحنا عالجنا كل السلبيات اللى فى البلد ومبقاش إلا التبول».
وقال أمين شرطة، رفض ذكر اسمه، «هكلمك بكل صراحة القانون فيه أخطاء، يعنى أنا دلوقتى فى القوة التنفيذية ولقيت واحد مسن واقف على جنب بيقضى حاجته أنا بقى كفرد تنفيذى هعمله إيه، صعب عليّا قوى آخده وأعمله محضر، لأن الإنسانية هتمنعنى من إنى أقبض عليه، لكن أنا شايف إن القرار ده يطبق بس فى الأماكن العامة، بمعنى إنى ملقيش حد واقف وسط المارة فى الميادين العامة وبيفك زنقته وأسيبه، طبعاً ده لازم أعمله محضر وأطبق القانون، لكن لو واخد ساتر وفى مكان مفهوش ناس كتير ده عادى، ما هو برضه لازم نعذر اللى بيعمل كده لسبب بسيط جداً وهو إن مفيش شخص هيفرح إن الناس بتتفرج عليه، لكن هو بيكون مجبر يعمل كده».
أحد الحمامات العامة فى وسط البلد