فوضى فى العتبة: «الحمام» مشترك للرجال والنساء.. و«التشطيف بالجردل»
دورات مياه غير نظيفة
غرفة صغيرة، بابها الخشبى متهالك، تنبعث منها روائح كريهة، يوجد 3 شبابيك حديدية فى جدرانها، من يدخلها مضطراً لا يستطيع البقاء داخلها لثوان بسبب الرائحة النفاذة.. الدخول إليها مغامرة محفوفة بالمخاطر، فأرضيتها غارقة فى المياه الملوثة المختلطة بالأتربة والطين العالق فى أحذية المترددين عليها، وبجوار الباب الخشبى من ناحية اليسار، حوض تغير لونه الأبيض وتحول إلى اللون الأصفر الباهت من كثرة الصدأ الذى لحق به، وبجواره أكثر من «مبولة»، يفصل بين كل واحدة منها حاجز من الصاج الصدئ، خطوات قليلة تقود إلى باب من الصاج، معلق فيه من الداخل «ترباس» حديدى، لإغلاق الباب «مرحاض بلدى» تراكم عليه السواد فأخفى لونه الأبيض، جدران المرحاض غير مستوية، لا يبدو أن أى طلاء زارها من قبل، ويبرز مفتاح الكهرباء من مكانه، وتخرج أسلاكه فى كل الاتجاهات، وبجوار المرحاض يستقر«جردل» من البلاستيك به زجاجة بلاستيكية مقطوعة تستخدم على ما يبدو لصب الماء، الدلو ممتلئ بالمياه المتساقطة من ماسورة، بلا صنبور، والمرحاض الوحيد داخل المكان مخصص للرجال والنساء معاً، يستخدمه ركاب الأوتوبيس الذى يقع موقفه على مقربة من الحمام العمومى، فى حين يغيب عن المكان أى عامل يجلس بالخارج، هذا هو حال دورة المياه الموجودة داخل موقف أوتوبيسات النقل العام، بجوار جراج العتبة.
«احنا لقينا غيره وقلنا لأ.. ده الموجود قدامنا» هذه الجملة خرجت بشكل عفوى بنبرة غاضبة من أم محمد، 59 عاماً، من سكان منطقة فيصل، عند حديثها عن وضع دورة المياه المشتركة، فى ميدان العتبة، لأنها تعانى من مرض السكر، الذى يضطرها لاستخدام الحمام العمومى، مضيفة: «أنا مريضة سكر، ومش باستحمل، يا ريت يراعوا ربنا فينا شوية، وإن احنا تعبانين»، وأبدت «أم محمد» غضبها الشديد من تخصيص حمام العتبة للرجال والنساء، قائلة: «ده جراج كبير، ودايماً بيكون زحمة، عشان الناس اللى بتبقى قاعدة مستنية الأوتوبيس، يعنى مفروض يكون فيه أكتر من دورة مياه، عشان الناس تقدر تدخل، ده لما باجى أدخل باخد ابنى الكبير معايا عشان يقف لى على الباب عقبال ما اخرج». من باب الحمام العمومى أطلت سنية حمدى، وهى سيدة ستينية، مستندة على كتف ابنها، وصرخت: «مش فاهمة إزاى فى مكان زى العتبة ما يبقاش فيه غير حمام واحد ومشترك كمان»، سنية تسكن فى شبرا الخيمة، وتقول إنها تتردد على ميدان العتبة كل أسبوع لزيارة ابنتها، مضيفة: «بنتى ساكنة هنا فى العتبة بعيد شوية عن الجراج، بامشى شوية لما بنزل من المترو، وكل ما آجى عندها أدخل الحمام اللى فى الجراج، لأنى مريضة بالسكر الذى يدفعنى لدخول الحمام عدة مرات فى اليوم، وما حدش هنا بيسأل انت داخل فين ولا خارج منين، ولا مع مين، ستات ورجالة داخلين خارجين ولا كأن فيه حاجة غريبة».
«أم محمد»: «إحنا لقينا غيرها وقلنا لأ».. و«عماد»: «لازم الناس تحس بالمسئولية شوية».. و«سنية»: «ما حدش هنا بيسأل انت داخل فين ولا مع مين»
المشهد السريالى الموجود فى محيط الحمام قطعه صوت سيدة فى أواخر الخمسينات، طلبت عدم نشر اسمها، وهى تطرق طرقات متتالية على الباب الحديدى، قائلة: «يا جماعة.. اللى جوه يخلص بسرعة، فيه ستات كبيرة واقفة بره وعاوزة تدخل»، وأوضحت السيدة أنها تأتى إلى العتبة لتشترى بعض اللوازم المنزلية، بعد أن اقترب موعد زفاف ابنتها الوسطى، وحينما سألت أحد المارة عن دورة مياه، وجهها إلى هذ الحمام، لكنها فوجئت بأن دورة المياه مشتركة، فصرخت بصوت مرتفع: «يعنى إيه مشتركة، إزاى الناس ساكتة على كده، والمحطة سايبة الدنيا على بعضها كده إزاى.. لازم يكون فيه حل»، وأضافت أن ابنتها كانت تريد الدخول لكى تغسل وجهها، ولكنها منعتها من الدخول، خوفاً عليها قائلة: «ما آمنش على بنتى إنها تدخل حمام زى ده.. الدنيا هنا كلها على بعضها».
فى المقابل يرى إبراهيم سيد، 44 عاماً، أنه لا توجد مشكلة فى أن تكون دورة المياه مشتركة، مبرراً ذلك بقوله: «كل اللى هيدخلوا هنا ستات كبيرة، يعنى زى أمهاتنا، ماحدش هيفكر يضايقهم»، وأضاف أنه يلجأ إلى هذه المراحيض فى حالة الضرورة القصوى، خاصة أنها فى مكان حيوى، يقع فى أقوى منطقة للتسوق، وهى العتبة: «الحمام هنا فى قلب موقف كبير، ومكان بيع وشراء ضخم، ما بيخلاش من الناس اللى رايحة وجاية فيه، فأكيد مش هيحصل حاجة للناس اللى هتدخل».
من جانبه قال عماد سيف، 34 عاماً، أحد سكان منطقة العتبة، وهو منتظر قدوم الأوتوبيس، ليتجه إلى عمله، إنه لا يوجد نظام فى دخول دورة المياه، مضيفاً: «مفروض يكون فيه عامل أو عاملة تبع المحطة، عشان يقفوا ويرتبوا الدخول والخروج، عشان لو فيه ست جوه، ما يدخلوش رجالة غير لما تخرج، والعكس برضه، عشان يكون فيه أمان شوية»، وأنهى حديثه بالقول: «لازم الناس تحس بالمسئولية شوية، وتخاف على بعضها»، وقال رجل آخر فى أواخر الأربعينات، طلب عدم نشر اسمه: «عاملين غرامة للى يتبول فى الشارع، قبل ما يعملوا الغرامة يوفروا للناس دورات مياه، عشان الناس ما تضطرش تعمل كده فى الشارع»، وأضاف أن هناك أشخاصاً كباراً فى السن، يعانون من أمراض سواء السكر، أو الأملاح، تدفعهم للتبول أكثر من مرة فى فترات متقاربة، «فيا ريت يكون فيه عناية واهتمام أكتر من كده، ويوفروا لينا دورات مياه تكون آدمية، الناس تقدر تدخلها».
القائمون على الحمامات لا يقومون بالصيانة الدورية لها