الأمين المساعد للجامعة العربية: ينبغى التمسك بالدولة الوطنية وإصلاحها من الداخل.. ونساند «القاهرة» فى ملف المياه
السفير حسام زكي
قال السفير حسام زكى، الأمين العام المساعد للجامعة العربية، إن الإدارة الأمريكية صدمت الجميع بشأن «قرار القدس»، كاشفاً كواليس القمة العربية المقبلة فى الرياض، وأكد أن السعودية ترى أن موضوع تطوير الجامعة يحتل أولوية كبيرة فى القمة المقبلة، وأشار فى حواره لـ«الوطن» إلى أن مشروع القوة المشتركة قيد الانتظار إلى أن يحصل على التوافق المطلوب بين الدول العربية، وأوضح أن مقعد سوريا فى القمة سيظل شاغراً، فلا النظام السورى سيحضر ولا المعارضة سيكون لها تمثيل فى الرياض، وأنه إذا تم الالتزام بمسار جنيف وتوصلنا إلى خطة لانتقال السلطة فى سوريا، عندها يمكننا أن نتحدث عن شَغل مقعدها، كما كشف أن جنوب السودان لم تطلب عضوية فى الجامعة العربية، ولا يوجد فى الميثاق صفة مراقب، وأوضح أن أحمد أبوالغيط، الأمين العام للجامعة العربية، حريص على المبادرة بتطبيق إصلاح وتطوير الجامعة، فإلى نص الحوار.
كيف تطلعنا على مجمل الترتيبات التنظيمية والموضوعية الخاصة بالقمة العربية المقبلة فى الرياض؟
- نبدأ من المسائل اللوجيستية أولاً، فالحوار والتواصل قائم بين الأمانة العامة والجانب السعودى على الاستضافة، وبالفعل هناك وفد من الأمانة العامة سبق أن توجه إلى الرياض وتباحث مع المسئولين السعوديين فى الأمور الخاصة باستضافة القمة وترتيباتها، وهذا المسار نحن مرتاحون إليه بالكامل، وهناك جولة أخرى من التواصل قريبة جداً، والهدف منها الانتهاء من كل التفصيلات الخاصة بعملية الإعداد اللوجيستية للقمة، والجانب الموضوعى دائماً تكون هناك بعض الأمور والملفات ذات الأهمية بخلاف جدول الأعمال العادى المعتاد، فجدول الأعمال يتم إقراره من جانب مجلس وزراء الخارجية العرب وبالفعل تم إقراره، ويشمل المسائل السياسية الأهم فيما يتعلق بالوضع العربى ككل، بداية من قضية فلسطين ومروراً بكل الأزمات الموجودة فى سوريا وليبيا والأوضاع فى اليمن والتدخلات الإيرانية والتركية، واحتلال إيران للجزر الإماراتية، والوضع فى الصومال وجزر القمر، ودعم السلام فى السودان، وهكذا، مجموعة من البنود التى تكون دائماً على جدول الأعمال. وبطبيعة الحال الوضع العربى الذى نمر به حالياً هو وضع حرج، ربما وصفناه فى أكثر من مناسبة سابقاً بأنه ليس فى أفضل حالاته، وهناك عدد من الإشكالات التى نأمل فى أن تسهم القمة بأجوائها ومساهمة قادتها فى أن تحلحل هذه الإشكالات وتجعل العمل العربى أكثر استرخاء وتحصر الخلافات فى أضيق نطاق ممكن.
السفير حسام زكى: الإدارة الأمريكية صدمت الجميع بشأن القدس و«الجواب باين من عنوانه»
هل تم حسم ملف المقعد السورى الشاغر، أم لا تزال الأزمة تراوح مكانها؟
- هذه الأمور محسومة فيما يتعلق بالقمة المقبلة، بمعنى أنه لن تتغير الأمور بين ليلة وضحاها، لا النظام السورى سيكون حاضراً ولا المعارضة السياسية سيكون لها تمثيل لسوريا فى القمة، وبالتالى الأمر محسوم فى قمة الرياض، لكن السؤال مفتوح ونستمع إليه من الرأى العام العربى بشكل متكرر، هل هذا الوضع سيستمر أم لا؟ وهل سيتم تغييره أم لا؟ لكن الأمل فى الدورات المقبلة، بمعنى أن الوضع السورى إذا تحسن هو الذى سيفرض وضعاً جديداً، وكان الموقف العربى دائماً أنه إذا تم الالتزام بمسار جنيف ووجدت خطة سياسية لمرحلة جديدة لانتقال السلطة فى سوريا فهذا يفتح المجال للحديث عن مقعد سوريا الشاغر، ومؤخراً أثارت بعض الدول العربية هذا الموضوع، والأمين العام فى اتصالاته ومشاوراته مع الدول الأخرى تحدث عن هذا الموضوع وتحدثوا جميعاً، والخلاصة أن الوقت ليس مناسباً بعد لتغيير الوضع الحالى.
مقعد سوريا سيخلو من المعارضة والنظام فى قمة الرياض.. ومشروع «القوة المشتركة» ينتظر التوافق.. و«جنوب السودان» لم تطلب عضوية فى الجامعة العربية ولا يوجد فى الميثاق صفة مراقب
هل هناك بالفعل طلبات للانضمام للجامعة من دول مثل تشاد وجنوب السودان؟ وهل ستحسم فى القمة المقبلة؟
- أود توضيح أمر فنى للرأى العام، وهو أن المراقب هو صفة، أما العضوية فهى عضوية كاملة، إما أن تكون الدولة عضواً أو تتمتع بصفة مراقب، فقد تردد فى الإعلام أن جنوب السودان يطلب عضوية، لا، جنوب السودان لم يطلب عضوية فى الجامعة العربية، جنوب السودان قال إننا دولة جارة للوطن العربى ولدينا رصيد من العلاقات مع الدول العربية ونأمل فى الوصول إلى صيغة معكم للتعاون والتقارب فيما بيننا، سواء هذه الصيغة أسميناها مراقباً أو لا، والإجابة التى ذهبت لهم بعد التشاور بين الوزراء والأمين العام، هى أن الجامعة مهتمة بكم ومهتمة بالتواصل معكم، لكن أولاً نحن ليس لدينا صفة مراقب فى الميثاق، وهذه نقطة مهمة، ومن المطروح فى المشاورات الحالية حول تعديل الميثاق أن تضاف صفة مراقب، ولكن هذا أيضاً ليس أمراً مسلماً به، فلا تزال بعض الدول لديها إشكالات من حيث المبدأ، والنقطة الأخرى أننا قلنا لهم إنه لا يزال لديكم بعض الإشكالات مع جمهورية السودان، فمن المهم حل هذه الإشكاليات، حتى يكون الطريق إلى تعاون أفضل مع الجامعة العربية مفتوحاً أو ممهداً بالشكل اللازم.
هل هذا الموقف تم بناء على طلب سودانى؟
- حدث تشاور، وكل دولة أوضحت وجهة نظرها بما فيها السودان، وهذا شىء طبيعى، والأمين العام أبلغ جنوب السودان بخلاصة الموقف.
ما الموضوع الذى يمكن أن نقول إنه عنوان القمة العربية المقبلة؟
- هناك أكثر من ملف، والأمر يتوقف على بعض الدول النشطة التى تهتم بمستقبل الجامعة العربية، فالجميع يهتم بمستقبل الجامعة، ومنها الدولة المضيفة للقمة، المملكة العربية السعودية، وملف تطوير الجامعة يحتل أولوية كبرى، وهذا حق، ولكن الموضوع صعب وطويل وشاق ويحتاج إلى بحث كبير، واستغرق عدة سنوات حتى الآن، ولم تصل الدول إلى خلاصات واضحة بشأنه أو نهائية، والأمين العام أحمد أبوالغيط عندما تولى المسئولية وجد أن بعض ملفات تطوير الجامعة تتعلق بالأمين العام والأمانة العامة فبدأ على الفور فى تنفيذها، وسأعطيك أمثلة.. مثلاً بدأ فى مسألة كانت تؤرق الدول وهى تعدد الصناديق وتعدد الحسابات، فكانوا يريدون تجميعها فى حساب واحد فنفذنا هذا الكلام، وكان هناك وضع يتعلق بالمتعاقدين وأوضاعهم وما إلى ذلك، فتعامل الأمين العام مع هذا الموضوع، وأصدر بعد بحث وجهد مضنٍ لائحة جديدة للمتعاقدين، وكان هناك مطلب يخص ارتفاع ميزانية الجامعة العربية فى قمة الدوحة وأنه لم يكن مبرراً وأنه لا بد من العودة للرقم السابق، فأعاد الأمين العام الرقم السابق للموازنة، وهذا أمر مهم لأنه يتوقف عليه حساب مساهمة كل دولة، وبالتالى عمل تخفيضاً، ومن الممكن أن يقترب من 5 ملايين دولار تخفيضاً، وبالتالى مساهمة كل دولة تنخفض، ويحدث حالياً تخفيض إنفاق هائل للأمانة العامة.
التدخلات «الإيرانية والتركية» فى الشأن العربى ينبغى التعامل معها بحسم وهذا يحتاج إلى توافق بين الدول العربية
ماذا عن موضوع بعثات الجامعة العربية فى الخارج والجدل حول نفقاتها؟
- موضوع البعثات يتعلق بالدرجة الأولى بالدول، والدول هى صاحبة القرار فيه، وهناك لجنة من كل الدول تنظر فى هذا الموضوع، وسبق أن اجتمعت عدة مرات، ومطروح أن تجتمع فى أى لحظة، ومطروح عليها دراسة متكاملة من الأمانة العامة بشأن أوضاع المكاتب، وإن شاء الله نأمل أن يتم إغلاق هذا الملف فى وقت قريب، بحيث يمكننا النظر لأمور أخرى، فهناك أمور تتعلق بالدول فقط، مثل تعديلات الميثاق التى لا تتعلق بالأمانة العامة ولكن بالدول التى لا بد أن تتوافق بشأنها، وهناك موضوعات أخرى مشابهة، مثلاً مطروح موضوع منظمات العمل العربى وترشيدها وكيفية العمل على جعلها أكثر فاعلية وهو موضوع كبير، والمجلس الاقتصادى والاجتماعى سبق أن نظر فيه ويمكن أن يستمر فى ذلك ولكنه موضوع ليس سهلاً، وهناك موضوعات أخرى مثل النظام الداخلى والنظام الأساسى للموظفين، وكل هذه الموضوعات يمكن النظر والعمل فيها، ولكن يحتاج الأمر إلى تشجيع متبادل بين الأمانة العامة والدول، وفى النهاية كل هذه الأمور تصب فى صالح الدول، فإذا كانت الأمانة العامة رشيقة ومرنة ولديها القدرات البشرية والمادية التى تمكنها من أداء عملها، فهذا أمر فى صالح الدول الأعضاء، فهذه حزمة من الموضوعات الخاصة بالتطوير، وهناك حزمة أخرى من الموضوعات المتعلقة بالأمن القومى العربى، فالأسئلة تدور حول ما هو وضع الأمن القومى العربى فى اللحظة الحالية؟ وكيف يمكن النظر إلى أولويات الأمن القومى العربى؟ وهل هذا الموضوع انتهى ودفن مع التهديدات التى طالت الدول العربية جميعاً على مدار السنوات السابقة أم على العكس هو الآن التوقيت المناسب لكى نبحث جميعاً فى أولويات الأمن القومى العربى؟ وهناك جهد بُذل من الأمانة العامة فى هذا الاتجاه وإن شاء الله نأمل أن الدول تدلى بإسهاماتها، وأعتقد أن هذا الموضوع يمكن أن يحظى باهتمام الجميع فى القريب العاجل لأنه مصلحة للكل.
تقدمت مصر بمقترح لتطوير منظومة مكافحة الإرهاب، وكانت قبل عامين قد تقدمت بمشروع إنشاء القوة العربية المشتركة، فهل هذه المشروعات المتعلقة بصيانة الأمن القومى العربى لا تزال حية فى أروقة الجامعة وهل سترى النور؟
- الطلب المصرى بتطوير منظومة مكافحة الإرهاب تم اعتماده فى مشروع قرار، وبالتالى هذا الأمر أصبح قراراً وزارياً وموجوداً ومعمولاً به، وموضوع القوة العربية طرح كثيراً وحتى على المستوى الإعلامى، وحصل به بعض التوقف وهو الآن قيد الانتظار أن يحصل على التوافق المطلوب، لأن هذا المشروع ضخم وكبير ولا ينبغى أن ننظر له بسهولة، هذا أمر إذا تحقق سيحقق للدول العربية تطويراً كبيراً فى معالجة التهديدات الأمنية، ولكن من الطبيعى فى مثل هذه الموضوعات الكبرى أن تجد فيها وجهات نظر مختلفة، وهذا أمر صحى وليس أمراً سيئاً، ولكن نأمل أن تتعرف الدول على مصالحها وتحددها بالشكل الذى تراه، وأعتقد أنه إذا فتح الموضوع من جديد، فالأمانة العامة جاهزة لتقديم ما يطلب منها فى هذا الشأن وفقاً لما سبق بحثه.
نحتاج الآن لأكثر من وسيط لعملية السلام.. والقمة ستدعم صمود الفلسطينيين.. وندعم جهود أمير الكويت لحل «الأزمة مع قطر».. وأحياناً يكون من الحنكة الدبلوماسية ترك الخلافات لعامل الزمن.. ومن الأفضل أن نحل خلافاتنا فى محيطنا العربى وهناك مساعٍ للأمين العام لم يعلن عنها
معنى ذلك أن هذا الموضوع ليس مطروحاً على القمة؟
- لا.
فيما يتعلق بالقدس وما تشهده بعد القرار الأمريكى وتداعياته، فأين موقعها من القمة العربية المقبلة؟
- قضية فلسطين هى القضية المركزية، وهناك ما يشبه الإجماع على نصرة الشعب الفلسطينى ودعم الفلسطينيين، وإذا رأينا القرارات التى تعتمد من الجانب «الوزارى» وحتى قرارات القمة، سنجد دعماً لا محدوداً للقيادة الفلسطينية والمؤسسات الفلسطينية والموقف الفلسطينى، ونحن لدينا حقيقة رصيد فى هذا، ويبقى أن الأمر به متغيرات كثيرة، فالإدارة الأمريكية صدمت الجميع بقرارها بخصوص القدس، ثم صدمت الجميع بقراراتها بخصوص وقف تمويل «أونروا» ويمكن أن تصدم الجميع أيضاً بما يتردد حول صفقة كبرى، لأن «الجواب باين من عنوانه»، ونحن نعتقد أن هذا الموضوع سيحظى بأهمية كبيرة فى هذه القمة، ويكفى أن القمة ستعقد فى الرياض، والرياض لها مواقف واضحة للغاية فى هذه القضية ومؤيدة بشكل كامل للمواقف الفلسطينية وداعمة مادياً وسياسياً، فالمواقف العربية لا تصيبنى بالخشية، بل على العكس.
القيادة الفلسطينية اتجهت لإنشاء آلية متعددة الأطراف لرعاية عملية السلام، فكيف ستساهم القمة فى إقرار هذه الآلية أو مضمونها وأطرافها وخطة عملها؟
- ليست وظيفة القمة أن تدخل فى مثل هذه التفاصيل، فوظيفة القمة فى مثل هذه الموضوعات أنها تعطى التوجه، وعلى المستويات الأدنى أن تدخل فى التفاصيل. فى كل الأحوال، الآلية المتعددة هى اقتراح فلسطينى، للالتفاف حول احتكار الولايات المتحدة للوساطة فى هذا الملف، بعد ما ظهر من انحياز كامل للولايات المتحدة تجاه إسرائيل، وهذا موقف الأمين العام للجامعة العربية أعلن تأييده له وقال إن موقف الرئيس محمود عباس «أبومازن» موقف طبيعى للغاية، أنه إذا كان الوسيط الحالى قد ظهر انحيازه بهذا الشكل السافر، فليس أقل من أن نطلق أكثر من وسيط دولى آخر يقيمون آلية فيما بينهم ويتوسطون فى هذا النزاع، ولكن طبعاً ليس منطقياً لا لإسرائيل ولا للولايات المتحدة، وهذا أمر مفهوم، لكن أعود وأقول سواء فيما يتعلق بهذا المطلب أو غيره فإن القمة العربية ستدعم الفلسطينيين بشكل واضح، ستدعمهم سياسياً ومادياً كما تعودنا، خاصة موضوع صمود المقدسيين لمواجهة الضغوط والأعباء عليهم.
هل هذه القمة يمكن أن تشهد مشاركة طرف غير عربى، بمعنى أن تكون قمة عربية - أمريكية مثلاً؟
- لا ليس هناك أى طرح بهذا الشكل، ولكن دائماً فى افتتاح القمة العربية يكون هناك ضيوف أجانب، لكن لا تتحول إلى قمة مع طرف آخر، فهى قمة عربية خالصة.
إلى أى مدى وصلت الجامعة العربية فى تعزيز حضورها فى الأزمات العربية؟
- الأمين العام منذ توليه يحرص على أن يجعل الجامعة العربية بارزة الحضور فى كل ما يتعلق بالمنطقة العربية، لأنه ليس من المصلحة إطلاقاً أن تغيب الجامعة أو يخفت صوتها أو ينحسر رأيها بينما آخرون ينشطون فى الحوار والنقاش والبحث فى مستقبل الوطن العربى والدول العربية والعالم العربى، وهذه نقطة مبدئية أولى، والنقطة المبدئية الثانية أنه كان لا بد من البداية أن يتم تحديد المسار الذى نرغب فى توضيحه للعالم الخارجى والرأى العام العربى أيضاً، لأنه كانت هناك حالة من الضياع.. ما الذى يريده العرب من بعض ومن الآخرين؟ وما الذى ينتظره العالم من العرب؟ وكيف يمكن للعالم الخارجى أن يساعد العرب فى تجاوز الإشكالات التى يواجهونها؟ وما إلى ذلك من أسئلة، وهذه الأسئلة جميعها سعى الأمين العام وفريقه دائماً إلى استباقها والإجابة عنها، ولذلك تجد أن فى الخطب الرئيسية ومناسبات الظهور الرئيسية للأمين العام على مدار العشرين شهراً الماضية، هى لتحديد الأطر الفكرية.. «إحنا بنتكلم عن إيه.. عالم عربى شكله إيه»، والدول العربية وأمنها القومى ووضعها الداخلى والخارجى وبينها وبين بعض ومع العالم، وكيف يمكن أن نرى هذا وكيف يمكن أن نحدد هذا، كل هذه أفكار ليس من السهل أن تصيغها للمحاور الخارجى ولكن وصلنا إلى أمور أساسية وموجودة فى خطب الأمين العام، مفهوم الدولة الوطنية مثلاً الذى يكاد يكون اندثر بعد أحداث 2011 و2012 و2013 فى العالم العربى كله، نحن عدنا لإحيائه منذ البداية وقلنا ينبغى التمسك بالدولة الوطنية أياً ما كانت، وإصلاحها من داخلها، بحيث يكون هناك مبدأ للمواطنة والمساواة وهكذا فى إطار الدولة الوطنية، وهذه الدولة الوطنية قد تكون دولة قديمة مثل مصر، وقد تكون دولة حديثة أنشئت منذ بضع عشرات من السنين، ولكن حتى لو أنشئت منذ بضع عشرات من السنين فإن أهلها اعتبروا أن هذه الدولة الوطنية هى ملاذهم الأول والأخير، ولا يجب أن يساهم أى طرف فى هدم هذا الملاذ، والعالم العربى مر بفترة قاسية جداً خلال العقد الحالى، قاسية للغاية، والدول التى قاست بشكل مباشر تعلم مقدار ما واجهته، والدول الأخرى رأت نماذج خطيرة فى انهيار الدول وتحللها ووصولها لمراحل متقدمة من الضياع، فاستفاقت.
التجارب التنموية فى مصر والسعودية والمغرب تساعدنا على تغيير الصورة النمطية القاتمة عن العرب فى الخارج
لكن هل مثل هذا الحضور مطلوب أيضاً فى الخلافات العربية البينية لنصل إلى ما أشرت إليه فى بداية حديثكم حول تقليص مساحة الخلافات العربية عبر أطروحات مستحدثة لتعزيز دور الجامعة فى هذا الصدد؟
- أتمنى أن يحمل المستقبل مثل هذه الأفكار والطموحات وتترجم لشكل عملى، فى اللحظة الحالية هى غير مترجمة بالشكل العملى الذى يكفل تفعيل أى آلية حتى لو كانت آلية بسيطة، إنما دعنى أقل شيئاً.. الأمين العام عندما يكون هناك خلاف أياً كان شكل الخلاف وأطرافه، سواء كان خلافاً ثنائياً بين دولتين أو خلافات متعددة، الأمين العام عندما يجد أن هناك دولة عربية أو قيادة عربية تسبق الجميع وتتدخل لتسوية هذا الموضوع، فإنه يؤيد هذا التدخل، لأننا دائماً نقول إن الخلافات العربية من الأفضل أن تحل عربياً، كما أيضاً هناك نفس المبدأ فى أفريقيا، فالقارة أيضاً غيورة على قدرتها على حل نزاعاتها بنفسها، فدائماً تفضل أن أى نزاع أفريقى يحل أفريقياً، ونحن نقول نفس الشىء، أى نزاع عربى يفضل أن يحل عربياً، لكن هل هذا متاح طوال الوقت؟ أكيد هناك صعوبات، وأحياناً ينجح التدخل وأحياناً لا ينجح، ولكى لا نجلد أنفسنا بزيادة، نقول إنه علينا المحاولة، وأنا أؤكد لك أن المحاولات تتم من جانب الأمين العام حتى ولو لم يعلن عنها أو يؤخذ بها فى الإعلام لأنه ليس مصلحة، لكن هناك جهداً يتم فى أى ملف وفى أى نزاع وأية إشكالية، الأمانة العامة تريد أن تكون حاضرة، وإذا كان هناك ترحيب بدورها يمكن أن نواصل، وإذا كانت هناك أطراف عربية أخرى تلعب دوراً قوياً ومؤثراً ومهماً، فنحن ندعم هذا الدور قولاً واحداً.
مصر ودول الجوار العربى الليبى يسعون لتمهيد الطريق لبناء الدولة الليبية الموحدة بالشكل الذى يرضى شعبها
هل هناك أى انخراط حالى فى أى خلاف عربى، فلدينا أبرز مثال وهو الأزمة القطرية وهكذا، وهناك خلافات أخرى متراكمة بين بعض الدول العربية؟
- فى اللحظة الحالية الخلافات الموجودة متروكة لعامل الزمن، وربما لبعض العوامل المساعدة الأخرى، وأحياناً فى الدبلوماسية يكون من الحنكة أن تعطى الأطراف مساحة زمنية لكى يفكروا ملياً ويراجعوا مواقفهم ويعيدوا حساباتهم فى هذه النقطة أو تلك، وهذه من الحنكة الدبلوماسية وليس من الحنكة دوماً أن تسارع، فالمسارعة قد تكون مفيدة أحياناً ولكن فى بعض الأحيان قد لا تكون مؤثرة على الإطلاق بل على العكس.
نفهم من ذلك أنه فيما يتعلق بالأزمة القطرية فإن الأمين العام والأمانة العامة يكتفيان بدعم الجهود الكويتية؟
- نعم.. بالضبط ندعم جهود أمير دولة الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح، بالتأكيد.
ما موقف الأمانة العامة تجاه تهديد الأمن المائى لأكبر دولة عربية؟ وما يمكن أن تقوم به الجامعة فى هذا الشأن؟
- الموقف واضح فى تأييد الموقف المصرى، وهذا أمر طبيعى، لأن دولة مثل مصر تشكل ربع السكان العرب، ودولة صاحبة تاريخ وحضارة وقدرة على التأثير، عندما يتهدد وضعها المائى وهو أمر خطير، فبطبيعة الحال أن الأمانة العامة تساندها، مثلما تساند حقوق سوريا والعراق فى نهر الفرات، والأردن وفلسطين والدول المجاورة لإسرائيل فى حقوقها فى المياه التى تسرقها إسرائيل وما إلى هذا، فهذه مواقف مبدئية لا يمكن أن نفاوض عليها، وهذا أمر واضح. أما تأثير ذلك فأود أن أقول لك إنه تأثير معنوى وأدبى وسياسى، فبقدر ما يمكن لهذه الأمور كلها أن تؤثر على أى طرف أجنبى، فنحن نستطيع.
ماذا عن تدخل الأطراف غير العربية فى الشأن العربى وتحديداً النموذجين الإيرانى والتركى؟ كيف ستواجه القمة المقبلة وكافة تحركات الجامعة العربية هذين التهديدين؟
- لدينا قراران يصدران بشأن التدخلات الإيرانية والتركية، والقرار بشأن التدخلات الإيرانية أكثر شمولاً، وهذا أيضاً بطبيعة التدخلات الإيرانية الأكثر شمولاً وتعقيداً، لكن لا يمكن أن نجادل أن التأثيرات الإيرانية والتركية على عالمنا العربى ودولنا العربية أصبحت أمراً مقلقاً وأحياناً أمراً ممجوجاً ومرفوضاً، وينبغى أن نتعامل معها بشكل حاسم. الأمر ليس سهلاً ولكن هذه الموضوعات تحتاج إلى توافق ولُحّمة بين الدول العربية وهو أمر مهم جداً فى هذا الموضوع.
كيف تعزز الجامعة الاستفادة من التجارب التنموية الناجحة فى كل من مصر والسعودية والإمارات، وتنقلها إلى الدول الأقل نمواً وتطوراً؟
- سبق وأيدنا كل هذه التجارب، لأننا فى تحدٍ مع الصورة النمطية للعرب فى العالم، فالصورة النمطية أصبحت شديدة السلبية وإذا أضفت إليها القلاقل والإشكاليات الأمنية الموجودة فى بعض الدول العربية تزداد قتامة، ولهذا نحن نحتاج إلى إضاءات، ومن يوفر تلك الإضاءات سوى الدول المستقرة الجادة التى تعمل على عملية تنموية شاملة حقيقية، والنموذج فى مصر واضح، والنموذج فى السعودية والإمارات أيضاً واضح، وفى المغرب والأردن والبحرين وتونس كذلك، ونحن نستخدم إنجازات هذه النماذج فى حوارنا مع الغرب وخارجه أيضاً، لتوضيح أن هذه المنطقة ليست بالسوء الذى ينقل عبر الإعلام، بل هناك أمثلة طيبة لتجارب تنموية ناجحة بل ناجحة جداً، وهذا دور للأمانة العامة والأمين العام يلعب فى هذه المرحلة بالذات، ونقول دائماً للآخرين لا تنظروا فقط للأزمات بل لمجمل الصورة العربية وستجدون فيها الكثير من الأمور المشجعة.
هناك بعض الأزمات التى يتم حلها بالأساس بدور وحضور عربى كالأزمة الليبية، فهل هناك آفاق لاستنساخ هذا الدور؟ وما تقييمك للدور المصرى للوصول للحل السياسى فى ليبيا؟
- الأزمة فى ليبيا.. مُحزنة.. فهو شعب واحد ونفس اللغة ونفس الديانة ونفس العادات والتقاليد وموارد كبيرة وعدد سكان قليل، ولديهم كل المقومات ليعيش المواطن حياة رغدة كريمة، وبها تنمية شاملة ومتوازنة، لكن الإشكال الجهوى والقبلى وعنصر التنظيمات المتطرفة والإسلام السياسى وتمسك البعض بالمناصب ومزاياها وهكذا، كل هذا يؤدى إلى أوضاع حزينة للغاية، ونأمل للإخوة فى ليبيا أن يتجاوزوا هذه المرحلة.