«شبشير الحصة» بالغربية.. خالية من البطالة بسبب تربية «النحل»
مرحلة تعبئة العسل
«قلعة تربية النحل وإنتاج العسل».. وصف اشتهرت به محافظة الغربية نظراً لكثافة المناحل الموجودة فى المحافظة، وكثرة إنتاجها من العسل مقارنة بباقى المحافظات، وعلى الرغم من الفوائد الاقتصادية والاجتماعية لمشروعات تربية النحل فإن المسئولين أغفلوا تماماً دعمها.
«قرية شبشير الحصة، بالغربية، هى القرية الوحيدة على مستوى الجمهورية التى لا يعانى شبابها من البطالة، فعقب تخرجهم من التعليم يتوجهون إلى العمل فى المناحل، يتعلمون فيها كيفية تربية النحل وإنتاج العسل، بداية من صناعة الخلية الخشبية حتى قطف العسل وبيعه»، قالها أيمن إسماعيل، شيخ النحالين بالغربية، مبيناً أن القرية تعتبر قلعة من قلاع تربيته وإنتاج مشتقاته على مستوى الجمهورية، وتصدر سنوياً نحو 200 ألف طرد نحل، و300 ألف طن عسل، ما يسهم فى تنمية الاقتصاد، إلى جانب علاج مرضى السكر وفيروس سى والتهابات العمود الفقرى وخشونة المفاصل، مشيراً إلى تجاهل الدولة للنحال، الذى لا يسانده أحد على تطوير مهنته والارتقاء بها، ما يجعله يعتمد اعتماداً كلياً على الجهود الذاتية بداية من صناعة الخلية ووصولاً لإنتاج العسل حتى تصديره.
شيخ النحالين بالغربية: نُصدر 200 ألف طرد نحل و300 ألف طن عسل سنوياً
وعن دخول مهنة تربية النحل للقرية ومراحل تطويرها، أكد أن تربية النحل مهنة توارثوها أباً عن جد، ودخلت القرية عندما قام جده بإنشاء أول خلية فى السبعينات، وبدأت تنتشر بالقرية تدريجياً حتى أصبحت القرية من أهم مناطق المحافظة لتربية النحل وإنتاج العسل ومشتقاته، لافتاً إلى أن القرية تضم 3 شركات لتعليم المهنة، بداية من صناعة الخلية الخشبية وكيفية قطف العسل، لتأهيل الشباب للاعتماد على أنفسهم من خلال مشروع خاص، وهناك عدد كبير من الشباب يعملون فى المناحل والشركات، ويومية الفرد تصل إلى 50 جنيهاً وتزداد العمالة فى موسم قطف العسل.
وحول مراحل تربية النحل وإنتاج العسل أضاف «شيخ النحالين» أن «رحلة تربية النحل تبدأ باختيار موقع يوضع فيه المنحل وله عدة شروط، منها أن تكون المنطقة المحيطة به غنية بالمحاصيل الزراعية، وأن يكون بعيداً عن شبكات المحمول والطرق وكل ما يؤثر على الجهاز العصبى للنحل، وبعد ذلك يقوم النحال بشراء طرد النحل من الشركة ليضعه فى الخلايا الخشبية ليبدأ التكاثر حتى موسم قطفة العسل، الذى يتوافق مع مواسم الموالح والبرسيم والقطن، وكذلك محاصيل حبة البركة والكافور والينسون وتستغرق العملية نحو 5 شهور وتسمى دورة».
أمين «النحالين العرب»: 35% من ثروة مصر «النحلية» فى قريتنا.. وتغلبنا على رش المبيدات بنقل الخلايا للصحراء
وأوضح المرسى شاهين، من كبار النحالين فى القرية، أن منتجات النحل لا تتوقف فقط على إنتاج العسل، بل هناك أيضاً حبوب اللقاح وغذاء الملكات والبروبلس، ولكل منها فائدة مختلفة، فحبوب اللقاح تعتبر من المنتجات الأساسية التى تحتوى على مواد بروتينية يعيش عليها النحل ويتم جمعها بمصايد خاصة، ثم تجفيفها وتعبئتها وتسويقها، وهى تمد الإنسان بقدر كبير من الفيتامينات والحديد والأملاح المعدنية، كما تعد علاجاً أساسياً لمرضى الكبد ومقوياً عاماً، وبالنسبة لغذاء الملكات فهى مادة كريمية ينتجها النحل من غدد مخصصة، ويستخدمها الرياضيون كمقوٍ عام، وكذلك لها أهمية كبيرة بالنسبة لتقوية ذاكرة الأطفال، أما البروبلس فهو يعتبر مضاداً حيوياً طبيعياً يعالج جميع أمراض المعدة والجروح والحساسية بأنواعها.
وأضاف «إلى جانب علاج أمراض فيروس c، العمود الفقرى، خشونة المفاصل، الصدفية، الدوالى، السكر باستخدام مادة تسمى (سم النحل) وتحتوى على 24 صنفاً من المضادات الحيوية، وتوجد تلك المادة فى (الزبانة) وهى جزء تستخدمه النحلة فى الدفاع عن نفسها، وحقق العلاج نتائج مذهلة خاصة فى مجال فيروس سى الذى ينتهى تماماً بعد علاج 6 أشهر»، ولفت إلى أن العلاج بـ«سم النحل» يشمل مرحلتين، الأولى معرفة ما إذا كان المريض يعانى من حساسية فى الجلد أم لا، ثم تحديد المكان المناسب فى الجسم الذى يتم قرص النحل فيه وتختلف وفقاً لكل مرض، فمرض الخشونة فى الظهر يتطلب أن تكون القرصة فى فقرات العمود الفقرى، ومرض فيرس c يتطلب أن يكون القرص فوق الكبد، وهذا يطبق فى كل الأمراض، لافتاً إلى أن كل مرض له برنامجه الخاص به من خلال عدة جلسات. وأشار إلى أن هناك عدداً من الأطباء تم علاجهم باستخدام قرص النحل، منهم طبيب بشرى مشهور بالمحلة، كان مريضاً بالسكر ودائماً ما كان يعانى من تدهور حالته الصحية رغم تناوله الأدوية، ونصحه صديقه بعلاج خشونة الركبة بقرص النحل، وحينما نجح العلاج طلب علاجه من السكر وبعد 3 جلسات تم شفاؤه بشكل نهائى.
وقال السيد رضوان، صاحب منحل، إن «قلعة تربية النحل وإنتاج العسل تعانى من إهمال كبير وتجاهل تام من قبل المسئولين لهذه المهنة، التى لا تقل أهمية عن أى مهنة أخرى، حيث يعمل بها نحو 12 ألف عامل من سكان القرية والقرى المجاورة، وتبلغ قيمة صادراتها من النحل ملايين الدولارات سنوياً، ما يسهم فى النهوض باقتصاد الدولة بشكل كبير، إلا أن النحال لم يجد لنفسه مكاناً على خريطة مهام المسئولين فى مصر».
«شعبان»: نستورد «الملكة» الواحدة بألف دولار.. وأطالب الدولة بمراجعة شروط شركات الطيران لتصدير طرود النحل
وبيّن أنه ورث المهنة عن والده وجده، وكانوا قديماً يستخدمون الخلايا الطينية لتربية النحل لكنها كانت تتسبب فى إصابة المربين بكثير من الأمراض، ما دفع البعض لتركها، ولولا ظهور شركات التصدير التى لا تتعدى 3 شركات بالقرية لانقرضت مهنة النحال منذ سنوات، لافتاً إلى أن المصريين من الشعوب الأقل استهلاكاً للعسل، ولذا ينخفض مستوى بيعه بدرجة كبيرة فى مصر، رغم العناء الذى يجده النحال فى تربية النحل ومتابعته لحين إنتاج العسل، مطالباً الدولة بأن تنظر لهم بعين الرأفة والاهتمام.
وتطرق أحمد إسماعيل، أحد النحالين، إلى معاناتهم لتوفير السكر الذى يستخدم فى غذاء النحل، إلى جانب استخدام الهرمونات فى المحاصيل ما أثر على نسبة الرحيق فى الزهرة، وبالتالى انخفضت كميات العسل المنتجة، وطالب الدولة بدعمهم مادياً ومعنوياً من خلال عقد اتفاقات دولية لتسويق النحل والعسل، والتأمين على حياة النحال الذى يتعرض لمخاطر كثيرة، وفى اللحظة التى يفارق فيها الحياة تتشرد أسرته ولا تجد من يقوم بالإنفاق عليها، فهناك أكثر من 1500 أسرة بقرية شبشير والقرى المجاورة مصدر رزقهم الوحيد هو العمل فى مهنة تربية النحل وبيع منتجاته، فضلاً عن عدم وجود متخصص فى النحل بالجمعية الزراعية الموجودة فى القرية، رغم أن القرية تعد الأولى فى تربية النحل وإنتاج العسل على مستوى الجمهورية.
ويضيف محمود شعبان، صاحب إحدى الشركات المصدرة للنحل ومنتجاته، أن «الدولة لا تعلم عنا شيئاً ونحن من نقوم بتصدير العسل فى شكل طرود للدول العربية والأوروبية وتواجهنا العديد من المشاكل، أهمها رفض المطار فى حالات كثيرة وجود طرود النحل داخل ساحات المطار المكيفة قبل إقلاع الطائرة، ما يتسبب فى تكبدنا خسائر فادحة، حيث إن ثمن الشحنة الواحدة قد يصل إلى نحو 200 ألف جنيه، وإذا لم توضع فى درجة حرارة مناسبة تتراوح ما بين 10 و15 درجة مئوية، يموت النحل فوراً، وفى النهاية يتحمل صاحب الشركة الخسارة كلها دون دعم من الدولة، مما يهدد بانقراض المهنة». وطالب بإنشاء مركز بحث علمى يهتم بدراسة الأمراض التى تصيب النحل، والعمل على توفير العلاج المناسب لها، وتطوير المهنة وتحسين السلالة المصرية حتى لا يكونوا مجبرين دائماً على استيراد ملكة النحل من الخارج التى وصل سعرها إلى ألف دولار.
من جانبه، أكد المهندس إبراهيم ماضى، أمين اتحاد النحالين العرب، أن الاتحاد ينظم مؤتمراً كل عامين فى دولة من الدول العربية، ومصر تحتل المرتبة الأولى فى تصدير النحل والعسل، فيوجد فى مصر نحو 2 مليون خلية نحل توفر 50 ألف فرصة عمل، 35% منها موجود فى قرية شبشير، وتابع قائلاً: «العسل المصرى يتميز بالجودة العالية والسبب فى ذلك التنوع الزهرى فى حبوب اللقاح ومصادر الرحيق، ويرجع ذلك إلى تنوع المحاصيل الزراعية، فتربية النحل لها أهمية كبيرة للاقتصاد المصرى، حيث تصدر مصر سنوياً 550 ألف طرد نحل، ونحو مليون طن عسل، للدول الآسيوية والأوروبية، بإجمالى 500 مليون جنيه بخلاف ما تستهلكه السوق المحلية».
وعن المعوقات التى تواجه المهنة، قرر أن عدم اهتمام الدولة بالمهنة والعاملين، يهدد بقاءها، فضلاً عن رفض الدولة استيراد سلالات النحل من الدول المتقدمة، والإفراط فى رش المبيدات الزراعية من قبل الفلاحين فى الدلتا، الأمر الذى أجبر النحالين على نقل خلايا النحل إلى المناطق الصحراوية التى تعتبر أقل تلوثاً، إلى جانب مشكلة اختيار الأماكن التى توضع فيها المناحل وعدم الالتزام بشروط وضعها، وأهمها وجود مسافة لا تقل عن واحد كيلومتر مربع بين كل منحل وآخر، والاتحاد يقوم بدوره عن طريق توعية النحالين، وطالب الدولة بإلغاء النظام الذى تتبعه شركات الطيران فى عملية تصدير واستيراد النحل والعسل، موضحاً أن المطار لا يقبل تصدير طرود النحل إلا بعد أخذ تعهدات على أصحاب الشركات بأنها غير مسئولة عن النحل حال نفوقه.
عمال وسط خلايا النحل