"تكسير العظام" بين موسكو ولندن.. أزمة الجاسوس الروسي تشعل "حرب باردة"
الجاسوس الروسي وابنته
خطوة تصعيدية جديدة شهدتها أزمة ملف الجاسوس الروسي بين بريطانيا وروسيا، عقب إعلان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، أمس، إغلاق قنصلية الولايات المتحدة في سان بطرسبورج وطرد 60 دبلوماسيا أمريكيا.
فيما أكد البيت الأبيض، في بيان له، أن القرار يمثل مرحلة جديدة من تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا، وأن الولايات المتحدة ستتعامل مع ذلك، وجاء الإعلان الأمريكي بعد قرار موسكو طرد الدبلوماسيين، ردًا على خطوة مماثلة اتخذتها واشنطن إثر هجوم بغاز الأعصاب استهدف جاسوسا روسيًا سابقا في بريطانيا، وسط تخوفات من اندلاع حرب باردة بين الأطراف المعنية في هذه القضية.
الدكتور طارق فهمي، أستاذ العلوم السياسية، وصف الوضع الحالي بـ"حرب تكسير عظام" بين بريطانيا وروسيا انضمت إليها مؤخرا أمريكا على الرغم من اتباع ترامب مبدأ الحلول الوسط في بداية الأزمة، إضافة إلى دعم الاتحاد الأوروبي لبريطانيا رغم انفصالها عنه، بما وصل إلى حرب دبلوماسيين وسفارات، حسب قوله.
وأضاف فهمي، لـ"الوطن"، أن الوقت الحالي يشهد مرحلة جديدة من مراحل المواجهات ولن تنتهي الأزمة بصدام مباشر، وإنما سيكون هناك مقايضات ومجادلات في بعض الملفات بين الطرفين الروسي والبريطاني، وتتمثل هذه الملفات في "ملف الاتفاق النووي الـ5 +1، وملف سوريا نظرا لأن روسيا الطرف الأقوى في هذا الملف، وملف الأمن الأوروبي فمن المتوقع أن يؤثر ذلك على معدلات التعاون في مجالات الأمن الاوروبي، وأخيرا ملف الحضور الروسي في الشرق الأوسط"، وبالتالي فإن أزمة الجاسوس الروسي ستنعكش على هذه الملفات السابق ذكرها.
وأوضح أستاذ العلوم السياسية، أن معدلات الأزمة وصلت إلى أقصاها بما يمكن وصفه بمرحلة جديدة من أشكال الحرب الباردة.
فيما يرى شريف أبو الفضل، الباحث في شؤون العلاقات الأوروبية، أن الاتهامات البريطانية الموجهة لموسكو بتسميم العميل المزدوج سيرجي سكريبال وابنته يوليا في مدينة سالزبوري البريطانية، يعد التصعيد الأول من نوعه من الغرب ضد روسيا وأكبر عملية طرد لدبلوماسيين روس في التاريخ وتشير هذه الأزمة إلى مدى ما وصل إليه الخلاف بين الغرب وروسيا، ليس على تلك القضية بعينها وإنما مثلت قضية تسميم العميل الروسي الشرارة التي أشعلت فتيل أزمة متراكمة بين الجانبين.
وأكد أبو الفضل، لـ"الوطن"، أن ما يحدث من مشاهد تعيد إلى الأذهان ذكريات الحرب الباردة وحروب الوكالة التي كان الاتحاد السوفيتي (روسيا) والولايات المتحدة الأمريكية يتنافسان فيما بينهما فيها، وكون العوامل الداخلية المحدد الأبرز لسلوك الدول الخارجية، فإن إعادة انتخاب بوتين رئيسا لروسيا لولاية رابعة بأغلبية كبيرة يعني إعادة شحن الرصيد السياسي لرئيس يعمل على استعادة نفوذ أجداده السوفيت.
وأوضح الباحث في شؤون العلاقات الأوروبية، أن الفترة المقبلة ستحمل مزيدًا من القرارات الحاسمة والأكثر جرأة من جانب روسيا ربما لا تكون بشكل مباشر ضد الغرب، ولكن في ساحات أخرى أبرزها سوريا، والتي أوشك الروس على مصادرة ملفها بالكامل لصالحها وحدها.
وعن تدخل أمريكا في أزمة الجاسوس الروسي، قال أبو الفضل، إنه في ظل تصاعد نبرة الاتهامات الموجهة لموسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016، قد يكون لها تأثير كبير على التصعيد الأخير، وفي استعادة لمشاهد الحرب الباردة، فهناك جهود أمريكية وبريطانية حثيثة للتواجد في المجال الحيوي الروسي.
وعن وصول هذا التصعيد لحرب شاملة بين الغرب وروسيا، أكد أبو الفضل، أنه أمر مستبعد نظرا لتغير السياقات الدولية، كما أن عوامل الجغرافيا السياسية بين روسيا والدول الأوروبية تقيد هذا الخلاف وتجعل من انفجاره تهديدا لكافة الدول، و قد يقتصر الأمر بعد الأزمة الدبلوماسية والتصريحات التي تبادلها الجانبين إلى مزيد من العقوبات الاقتصادية على روسيا ومن ثم رد روسي على هذه العقوبات في الملف السوري.