د. محمد غنيم: أدعو الرئيس للتركيز على «التعليم والصحة والتنمية والأمن»
الدكتور محمد غنيم
ملفات «الولاية الثانية» على «طاولة الرئيس»
ما يجب أن يتحقق
4 سنوات مضت بآلامها وجراحها وانتصاراتها، و4 سنوات جديدة تبدأ محمّلة بتطلعات جديدة وأهداف مختلفة.. شوط صعب قطعته مصر شعباً وحكومة، هو «شوط الولاية الأولى»، وشوط جديد على وشك الانطلاق يتأهب المصريون له وينتظرون فيه الكثير، هو «شوط الولاية الثانية».
فى 2014 تحركت عجلات الدولة المصرية من «النقطة صفر» حتى وصلت فى 2018 إلى «نصف السكة».. مؤشرات إيجابية فى الاقتصاد، لكن مستوى معيشة الفرد ما زال غير مُرضٍ.. مشروعات قومية وتنموية تُنفَّذ على قدم وساق فى كل شبر من أرض مصر، لكن ثمارها لم تظهر بالشكل الكافى بعد.. إجراءات أمنية أعادت الاستقرار وأنهت سنوات الفوضى، لكن الحرب على الإرهاب لا تزال مستمرة.. تعديلات تشريعية واسعة وغير مسبوقة شملت ترسانة من القوانين، لكن مسيرة الإصلاح التشريعى لم تكتمل وتنقصها خطوات هامة.. خطط ومقترحات وقرارات لتحسين قطاع الصحة وتطوير التعليم، لكن القطاعين لم يشملهما تغير ملحوظ حتى الآن. بين كل هذه الفواصل تقف حالياً الدولة المصرية، بين فترة رئاسية أولى مضت، وفترة رئاسية جديدة تبدأ، الكثير من الملفات المفتوحة تنتظر أن يستكملها الرئيس عبدالفتاح السيسى خلال السنوات المقبلة، بعد أن منحه المصريون ثقتهم من جديد فى الانتخابات الرئاسية الثانية بعد ثورة 30 يونيو، واستمرت على مدار 3 أيام خلال الفترة من 26 إلى 28 مارس. «الوطن» ناقشت كل هذه الملفات، ما تحقق وما يجب أن يتحقق، ما أُنجز وما يُنتظر إنجازه، فى سلسلة حوارات مع خبراء ومتخصصين فى مجالات متنوعة.
رائد زراعة الكلى لـ«الوطن»: الحرص على الشفافية وتمكين مؤسسات الدولة من المعلومات يقضى على الفساد
يجلس فى مكتبه داخل الصرح العلمى الضخم، مركز أمراض الكلى والمسالك البولية بالمنصورة، ومن حوله شهادات علمية وأوراق وأبحاث يخصص لها كل وقته: «الصحة أمن قومى للمصريين وليست ترفاً».. هكذا وصف الدكتور محمد غنيم، رائد زراعة الكلى، وعضو لجنة الخمسين لدستور 2014، مشيداً بمشروع التأمين الصحى الشامل الذى اعتبره «خطوة فى غاية الأهمية»، إلا أنه أكد ضرورة العمل على عدة محاور لرفع مستوى الخدمة الطبية، ودعا إلى وجود مؤسسة لتقديم العلاج وأخرى لمراقبة الجودة.
ومن الصحة إلى التعليم، قال «غنيم» فى حواره لـ«الوطن»، إن الأخير يجب أن يكون له الأولوية فى أى مشروع تنموى فى مصر، وقال إنه يتّفق مع الرئيس عبدالفتاح السيسى فى أن إصلاح منظومة التعليم سيحتاج 12 عاماً على الأقل، لكنه أكد ضرورة المضى على هذا الطريق دون تأخير، ونصح الحكومة بالاهتمام بتجربة مدارس المتفوقين ومدينة زويل والجامعة اليابانية المصرية.. وإلى نص الحوار:
كيف ترى تطوير ملف المنظومة الصحية فى مصر خلال السنوات الأربع المقبلة؟
- الصحة أمن قومى للمصريين وليست ترفاً، وبلا شك فإن إتمام مشروع التأمين الصحى الشامل للمصريين وتفعيله بشكل جيد شىء فى غاية الأهمية، المشكلة فى منظومة الصحة فى مصر أن هناك محاور كثيرة ويجب الاهتمام بهذه المحاور معاً والارتقاء بها لكى يشعر المواطن بأن المنظومة تحسّنت وأنه يحصل على خدمة جيدة، أول هذه المحاور هو المستشفيات، حيث يجب أن تكون مجهّزة بشكل علمى وأن تكون الأجهزة متوافرة وتعمل بكفاءة داخل جميع المستشفيات التى ستعمل تحت مظلة التأمين الصحى، المحور الثانى هو العنصر البشرى من أطباء وهيئات تمريض وفنيين، وهنا يجب الاهتمام بقضية مهملة وهى قضية التعليم الطبى، ثم التدريب الطبى عقب التخرّج، وتوحيد شهادة على مستوى مصر للتخصّص، وتقدّمنا بمقترح محدّد فى هذا الصدد يقيّد اختلاف المستويات فى كليات الطب فى مصر، وبعد قضاء عامين امتياز وفق النظام الجديد يجرى امتحان آخر موحّد على مستوى القطر هو الذى يمنح ترخيصاً لمزاولة المهنة ويعيد ترتيب الأطباء كى لا يحدث تفاوت من طبيب إلى آخر، وبالنسبة لنظام التأمين الصحى الشامل الذى نراهن عليه جميعاً، لا بد من وجود مؤسستين، واحدة لمنح قيمة العلاج إلى المستشفيات التى تقدم الخدمة الصحية، والثانية مؤسسة رقابية تقوم بمتابعة الجودة.
البعض يرى أن أزمة منظومة الصحة هى أزمة مالية فى الأساس، كيف يتم توفير التمويل اللازم لرفع الخدمة الصحية؟
- بلا شك فإن الخدمة الطبية الحديثة ذات الجودة مكلفة، لكن يجب أن نسأل أنفسنا فى البداية ما دور وزارة الصحة، ويجب أن تتحدّد مهام الوزارة فى الطب الوقائى وطب الأسرة والطفل والرقابة على الأغذية والأدوية فقط، وتخرج من مسألة الطب العلاجى الذى تقوم به المستشفيات التى تعمل أو تخضع لمظلة التأمين الصحى الشامل للمصريين، وهذه المستشفيات يجب أن تكون حاصلة على إجازة لأداء هذا الدور وفق منظومة شاملة، مش كل المستشفيات قادرة على تقديم الخدمة، وبالتالى إذا أخرجنا وزارة الصحة من الطب العلاجى ستستطيع الوزارة القيام بمهمتها على مستوى جيد جداً.
إصلاح المنظومة التعليمية يتطلب سنوات طويلة ويبدأ من الحضانة حتى الجامعة.. وقانون الجامعات «فاسد ومفسد» ويجب تعديله.. والصحة قضية أمن قومى وليست ترفاً.. ويجب بالاهتمام بمدارس المتفوقين ومدينة زويل.. وتجربة «اليابانية» متميزة لكننى أخشى إهمال 15 مليون طالب
ندخل لمسألة التمويل، وهنا يجب أن نعود للنص الدستورى فى دستور 2014 الذى يقول إن النسبة المخصّصة للصحة يجب أن تكون 3% من الناتج القومى، بالإضافة إلى من يسدّدون اشتراكات لمنظومة التأمين الصحى الشامل الجديدة، وهذه الفاتورة يجب أن تكون قسرية، يخضع لها الجميع، مش واحد يقول آه وواحد يقول لأ علشان أنا مش محتاج للتأمين، كله يدفع حتى لو هيروح يتعالج خارج مصر، وبالتالى لو خصصنا الـ3% من الناتج الإجمالى القومى مع اشتراكات الأفراد والهيئات القسرية سنحل مشكلة التمويل.
البعض يرى أن النسبة التى نص عليها الدستور كحد أدنى، نسبة كبيرة فى الوقت الحالى، فما مصادر التمويل التى يمكن من خلالها توفير هذه النسبة لتطوير منظومة الصحة؟
- ليست نسبة كبيرة كما يردّد البعض، بل هى نسبة ضعيفة فى رأيى الشخصى، أما من يتحدّث عن مصادر التمويل، فأنا أستطيع أن أذكرها، أولاً فرض ضرائب تصاعدية، فرض ضرائب على الأرباح الرأسمالية، ونعلم أن شركات كثيرة تم بيعها فى البورصة ولم تسدد مليماً واحداً للحكومة المصرية بعد أن جنت أرباحاً كبيرة، مورد ثالث ومنصوص عليه فى الدستور هو أن تؤول جميع الرسوم إلى الخزانة العامة للدولة، وتقدر بنحو 40 مليار جنيه، لأنها رسوم كثيرة ومتعددة، مواليد ووفيات واستخراج رخص وشهر عقارى وتقاضٍ وغير ذلك.. أيضاً هناك مورد آخر هو إحكام الجباية الضرائبية وإصلاح المنظومة نفسها، إحكام الجباية مسئولية وزارة المالية، وبالتالى بلاش نتحجج بضعف الموارد، لأن الفلوس جاهزة، لكنها مسألة قرار.
ننتقل إلى ملف آخر مهم هو التعليم، فى رأيك كيف نواجه مشكلات التعليم فى مصر؟
- أولاً يجب أن يكون للتعليم أولوية أولى فى أى مشروع تنموى فى مصر، حتى قبل الصحة، ويجب أيضاً النظر إلى كل حلقات التعليم من أساسى وثانوى وفنى وقبل جامعى وجامعى، إلا أنه حلقة واحدة لا تنفصل.. نحن لدينا مشكلات أساسية، ويجب أن نبدأ الحل بعلاج هذه المشكلات، أولى هذه المشكلات هى الإتاحة والتسرّب، فعدد الطلاب كبير ونحتاج إلى مبانٍ ومدارس إضافية، ويوجد 120 طالباً وطالبة فى فصل واحد ببعض المدارس وهذا أمر غير معقول، الأمر الثانى هو المعلم، فلا بد من رفع مستواه المادى والمهنى وبالتوازى يتم تجريم الدروس الخصوصية، وهنا أنبّه إلى مستوى خريجى كليات التربية، حيث إنه أضعف بكثير مما يجب أن يكون، وقديماً كان المعلم خريج أحد أقسام كليات الآداب، ثم يحصل على سنة دبلوم تربوى ومستواه أفضل من الآن.
نظام التأمين الصحى الشامل خطوة فى غاية الأهمية.. ودور وزارة الصحة يجب أن يقتصر على تقديم خدمة الطب العلاجى
هناك أزمة مناهج يتم الحديث حولها دائماً، كيف نحل هذه الأزمة؟ وهل من الأفضل أن ننقل نظاماً كاملاً من الخارج بمناهجه وأساليب تدريسه؟
- لا داعى من إعادة اكتشاف أمريكا، الطريق الصحيح واضح، لكن لا أعرف لماذا نحب أن نجرب فى ما انتهى العالم من تجريبه، هناك علوم وضعية مثل الكيمياء والفيزياء والرياضيات والأحياء والجيولوجيا إلى آخره، متعارف على مناهجها فى العالم كله، وهناك دول مثل أيرلندا وفنلندا واليابان وهونج كونج استطاعت أن تُحقق طفرات تعليمية نستطيع أن نحصل على تجاربها، أو نذهب إلى هيئة دولية مختصة فى التعليم مثل اليونيسكو، أما علوم التاريخ والفلسفة واللغة العربية وغيرها فأرجو العودة إلى المناهج التى كانت موجودة فى مصر فى الستينات والخمسينات، وكانت متطورة وحديثة وخرّجت أجيالاً على مستوى عالٍ، ويجب تطوير الكتاب المدرسى لنتّجه إلى نظام الكتاب المعلم، وتغيير نظام الامتحانات والاعتماد على التكنولوجيا، وفى مسألة تطوير التعليم يجب أن نبدأ بالبنية التحتية ورفع كفاءة المدرسين، مسألة التعليم قضية مهملة من فترة طويلة، وتدهورت بصورة تراكمية، وفى عهد «عبدالناصر» كان هناك مشروع قومى للتعليم، وهو مشروع حقيقى وكان جيداً، لكنه لم يكتمل، ومصر خاضت أكثر من حرب، ورفعت شعار لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وتحت هذا الشعار تراجعت قوتنا الناعمة ونسينا التعليم والصحة ووصلنا إلى ما وصلنا إليه عبر عقود، والتعليم له انعكاس على الصحة والتنمية والتعداد السكانى والبحث العلمى، وأول رئيس وزراء للهند «نهرو» قال: «الهند بلد فقير، لكنها لا تقوى على إهمال البحث العلمى».
ما رأيك فى التوجه إلى تجربة المدارس اليابانية؟
- هذه التجربة بدأت فى 3 مدارس فقط، وللحقيقة هى مشروع ممتاز، لا سيما أن التلاميذ فى هذه المدارس يحصلون على أنشطة بنسبة 30% من الوقت الدراسى طوال العام، إلى جانب المنهج الأساسى، وكنت أتمنى أن يكون هذا النظام معمولاً به فى كل المدارس المصرية، وهنا أعنى أن يكون النشاط الثقافى والرياضى والفنى يمثل 30% من مدة الدراسة خلال العام الدراسى إلى جانب التعليم الأساسى دون أن نُعمّم تجربة المدارس اليابانية، وأخشى أن يكون نظام المدارس اليابانية بالمصاريف هو البديل للتعليم الأساسى ونُهمل 15 مليون طالب فى مصر غير قادرين على أن يدفعوا أموالاً مقابل التعليم، لكننى أطالب الحكومة بالاهتمام بتجربة مدارس المتفوقين، ويتم إلحاق أبناء المدارس العامة المتفوقين فى المراحل الإعدادية بمدارس المتفوقين المجانية فى مرحلة الثانوية.
الرئيس السيسى قال فى خطبة له إن حل أزمة التعليم يتطلب مهلة زمنية تتراوح من 12 إلى 13 سنة، هل تتفق؟
- أتفق مع الرئيس، خاصة أننا سنقوم بإصلاح منظومة التعليم من «الحضانة» حتى «الجامعة»، وعملية الإصلاح تطلب سنوات طويلة، كما أن قانون الجامعات يجب تعديله لأنه «قانون فاسد ومفسد»، وعلى الحكومة أن تضع فى حسبانها الاهتمام بالبحث العلمى خلال مرحلة إصلاح التعليم الأساسى والجامعى، كما أن البحث العلمى هو الذى يمنح مصر القوة الناعمة والخشنة إذا لزم الأمر، وهناك مشروعان أطالب الدولة بالاهتمام بهما، وهما «مدينة زويل للعلوم والجامعة اليابانية المصرية».
«التعليم الطبى» قضية مهملة.. وتطوير المنظومة الصحية يبدأ برفع جاهزية المستشفيات.. وتطوير «الجامعى والفنى» يحقّق أحلام الشباب فى وظيفة دخلها جيد ليستطيع الزواج
هل لرجال الأعمال دور فى تطوير منظومة التعليم والبحث العلمى؟
- «بلاش تسول»، رجال الأعمال ناخد منهم ضرائب وتقوم الدولة بالإنفاق على التعليم وتطويره، وكذلك تنفق على البحث العلمى من أموال دافعى الضرائب، وبعد أن يدفع رجال الأعمال ما عليهم من ضرائب، إذا أرادوا أن يتبرعوا فأهلاً وسهلاً ومتشكرين.
كنت مؤيداً للرئيس السيسى فى فترة رئاسته الأولى وطالبته باستكمال مشوار 30 يونيو.. بماذا تطالبه الآن مع بداية فترته الثانية؟
- كان تأييدى للرئيس السيسى ونجاحه فى المرحلة الأولى حتمية تاريخية وحصل فى انتخابات نزيهة على أغلبية عظيمة، وبالطبع أنا مع أن يستمر وفق طريق 30 يونيو، لكن لدىّ أربعة مطالب جديدة، أولها أن يعمل الرئيس على تحقيق التنمية المستدامة، وثانيها استكمال قضية الأمن القومى، وثالثها فتح المجال العام، وهنا أعنى انفراجة فى الحريات وإتاحة العمل الحزبى والتعدّدية الحزبية وحرية الإعلام المستقل، أما الطلب الرابع فيجب أن يحرص الرئيس على الشفافية وتمكين كل مؤسسات الدولة من المعلومات حتى يستطيع كل من المعارضة والإعلام أن يقولا رأياً صائباً.
وبالمناسبة السياسيون والمعارضة وطنيون ويدعمون الدولة، وعندما يشاهدون أى إنجاز من السلطة يجب أن يصفّقوا لها، وعندما يجدون أخطاءً من حقهم أن يعترضوا ويُبدوا تحفظاتهم، وعلى الرئيس السيسى فى الفترة الرئاسية الثانية أن يفتح المجال العام أمام الأحزاب ويدعمهم حتى نجد قيادات يترشّحون فى انتخابات الرئاسة لعام 2022، خصوصاً أن الرئيس أكد أكثر من مرة أنه لن يترشح لفترة رئاسية ثالثة، وعدم فتح المجال العام يعنى أننا سنعود إلى الأزمة نفسها مثلما كان يحدث فى الماضى، ولا نجد قيادات سياسية تخرج من الأحزاب والبرلمان لتترشح فى انتخابات 2022، ويجب ألا يكون لدى السلطة وأجهزة الدولة أى نوع من الحساسية تجاه ملاحظات المعارضة الوطنية، فأنا كمواطن فى حاجة لأن أعرف ماذا يحدث فى موضوع سد النهضة، لأن قضية المياه تخص كل المصريين وليس وزير الرى فقط، كما أننى أريد أن أعرف إلى أى مدى وصلت التنمية فى مشروع محور قناة السويس، فالشفافية ستقضى على الفساد، وعندما أتحدث عن الفساد لا أعنى الموظف الفقير الذى يفتح الدرج، لكننى أتحدث عن الفساد فى ثلاثة أماكن وهى «الضرائب والجمارك والمحليات»، فهذه الأماكن مستوطن بها الفساد، وبيخسّروا البلد مليارات.
الشباب يمثل 60% من الشعب، كيف نحقّق أحلامه وهو يعانى من الإحباط فى ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟ وماذا تقول لهم ليساهموا فى النهوض بمصر؟
- الشباب محبط لأنه لا يجد عملاً، وإذا وجد عملاً، فالمقابل محدود ويعانى من أسعار الشقق الغالية، وكثير منهم غير قادر على الزواج، وحل هذه الأزمة يتركز فى أن يحصل الشباب على تعليم جيد، فمثلاً دخل «فنيين الكهرباء» أفضل من الطبيب، لكن الدولة غير مهتمة بالتعليم الفنى وتخرّج ملايين الطلبة غير المؤهلين وكفاءتهم قليلة، لكن لو اهتمت الدولة بتعليم هؤلاء الشباب، فسوف يحصلون على وظائف جيدة فى سوق العمل وسوف يكون دخلهم كبيراً، وسوف تحل كل مشكلاتهم، واسمح لى قبل الانتقال إلى سؤال آخر أن أتحدث حول التنمية المستدامة وأهميتها فى حل أزمات الشباب والارتقاء بالدولة المصرية، ففى أغسطس 2014 تم الإعلان عن المساهمة فى مشروع حفر قناة السويس وتم تغطية المطلوب فى 8 أيام، وفى الواقع فى 5 أيام عمل، وتم جمع أكثر من 60 مليار جنيه، منها 27 ملياراً لم تكن فى البنوك، وكانت فى الاقتصاد الموازى، وهذا يعنى أن الناس لديهم استعداد فى المساهمة، طالما سيحصلون على فائدة 15%، وما يحدث يجب أن يجلب على خاطر الحكومة والبنوك التى بها 3 تريليونات جنيه وتستخدمها فى الائتمان، أن يفكرا فى ما فعله طلعت حرب من أجل مصر، وأن تقوم البنوك ببناء شركات مصرية مساهمة، فهذه المشروعات ستُحقق قيمة مضافة وتسهم فى زيادة الصادرات وهناك آلاف المشاريع مضمونة المكسب وفى ذلك الوقت سيدفع المواطن أمواله فيها لأنه سيضمن الأرباح، وفى الماضى كان المواطن بيساهم فى شركة المحلة، لأنه كان يضمن الأرباح، وأعتقد أن الاهتمام بالتنمية المستدامة، سواء فى الزراعة أو الصناعة سيسهم فى تقدم مصر ويجب أن يكون على أجندة الرئيس فى فترة رئاسته الثانية.
لكن شكل المساهمة الأهلية فى المشروعات ربما يدعم البيروقراطية التى أسهمت فى فشل كثير من شركات القطاع العام.
- العيب ليس فى فكرة القطاع العام، لكن فى سياسات القطاع العام التى كانت متبعة فى الماضى، وكذلك فى سلوك ومهارات المهيمنين عليه، لكن نحن يجب ألا نكون ضد فكرة القطاع العام، وهناك جمعية عمومية ستقول لنا ماذا أنفقنا وفيمَ سنُنفق ومقدار الربح والخسارة.
من وقت إلى آخر يتم القبض على أطباء بتهمة تجارة الأعضاء، كيف نقضى على هذه الظاهرة؟ وما تفسيرك لانتشار هذا النوع من الجرائم؟
- لن تتوقف، وستتكرر عشرات المرات، لأن هناك طلباً كبيراً على الأعضاء البشرية، وللأسف هى غير متوافرة، لذلك يلجأ المصريون والعرب لشراء الأعضاء، وقانون زراعة الأعضاء المصرى الوحيد فى العالم الذى لم يعترف بأن الوفاة هى وفاة جذع المخ، كما أن بعض الأزهريين حرّموا أخذ الأعضاء من حديثى الوفاة ويعتمدون على فتوى للشيخ الشعراوى، لكن هناك أزهريين آخرين بيحللوا أخذ الأعضاء من المتوفين، لأن الوفاة هى وفاة جذع المخ، وأعتقد أن تعديل التشريعات سيحل كثيراً من هذه الأزمة، كما أن الحصول على الأعضاء من حديثى الوفاة سيُسهم فى حل الأزمة بشكل كبير، فالقانون يبيح أن يحصل مواطن من قريبه حتى الدرجة الرابعة على تبرّع بأعضائه، دون مقابل، لكن يحدث تحايل ويقوم بعض المواطنين ببيع أعضائهم، لكنهم «بيضربوا» ورقة أنه تبرع لوجه الله، وهذا التحايل هو السبب فى استمرار هذه الظاهرة حتى الآن، والأجانب أيضاً فى حاجة إلى أعضاء فبيتعاونوا مع بعض الأطباء فى مصر ويدفعوا أموال للمتبرعين مقابل الحصول على الأعضاء بشكل غير قانونى، كما أن السماح لتبرع المواطنين لمصريين وليس لأجانب فيه «ازدواجية وعدم موضوعية»، فمثلاً لو أنا إنسان فقير وأريد أن أتبرع بأحد أعضائى ومفيش أى غضاضة عندى، فبدلاً من أن أحصل على 20 ألف جنيه من مصرى، فممكن أن أحصل على 20 ألف دولار من عربى، وأعتقد أن حل هذه الأزمة يتمثّل فى فتح الباب للتبرّع بالأعضاء من الأقارب وغير الأقارب وحديثى الوفاة للعرب والمصريين، ومن أفضل القوانين فى العالم التى نظمت هذه العملية هو القانون الإيرانى، حيث يسمح بالتبرّع، لكن تحت إشراف الحكومة، والأخيرة فقط هى المسئولة عن هذه العملية، وتتم هذه العمليات فى مستشفيات متخصّصة، ومن خلال أطباء متخصصين ومتفرغين، والمواطن الإيرانى يحصل مقابل أعضائه على وظيفة أو شقة أو مال.
هناك حالة جدل حول المشروعات القومية، فهناك من يرى أنها ليست من الأولويات، وآخرون يؤكدون أنها ضرورة.. ما رأيك؟
- المشروعات القومية مهمة لأى بلد بلا شك، لكن نحن فى الحقيقة فى حاجة إلى الشفافية وأن نعرف إذا كانت هذه المشاريع القومية ستحقق التنمية المستدامة أم لا؟ وهل هذه المشروعات ستقتصر على بناء مدن جديدة وبيع الشقق، أم أن هناك حركة صناعية وتنمية زراعية حقيقية ستحقق تنمية مستدامة، وهل هناك مناطق حرة حقيقية ستسهم فى تنمية المجتمع أم لا، وهنا لا أعنى المنطقة الحرة الخاصة، التى أصفها بـ«مناطق التهريب»، أنا أؤيد أى مشروع قومى يسهم فى بناء البلد، لكن المجتمع يحتاج إلى مزيد من الشفافية.
أخيراً.. لك موقف معروف فى ملف العدالة الاجتماعية، ما نصيحتك لتحقيق نجاح فى هذا الملف؟
- العدالة الاجتماعية لها أساس تاريخى، بعد الحرب العالمية الثانية عندما احتل الاتحاد السوفيتى معظم أوروبا، وصولاً إلى ألمانيا، ونهضت أحزاب شيوعية فى ألمانيا وفرنسا وإيطاليا واقتربت من الوصول إلى الحكم، وأوروبا الغربية كانت فى هذا الوقت تعرف بالرأسمالية الطليقة تاريخياً أو العتيدة، لكنها كانت تخشى التهديد السوفيتى، فأسسوا نظريات الرأسمالية الاجتماعية لمواجهة الشيوعية، وكانت هذه النظرية تقوم على أن توفر الدولة تعليماً مجانياً ومنظومة صحية جيدة مجانية ومعاشاً لكبار السن وبدل بطالة للعاطلين من أموال الضرائب التى يدفعها الشعب ورجال الأعمال ويتم تجميعها بشكل محكم، وسميت هذه النظريات فى ما بعد باليسار الحديث أو الديمقراطية الاجتماعية، وتهمة التهرّب الضريبى فى هذه الدول لا يوجد فيها تصالح، بينما المصادرة والسجن مثلما تفعل ألمانيا، ونصيحتى تتلخص فى أن يوفر الرئيس السيسى تعليماً وصحة جيدين ومعاشات جيدة من أموال التأمينات الاجتماعية ودافعى الضرائب التى يجب أن تجمع بشكل محكم، ومن خلال منظومة ضريبية عادلة، فالعدالة الاجتماعية أساس لأى مجتمع سليم يريد البناء على أسس سليمة.