العائلة المقدسة توزع بركاتها.. من دير «العذراء» إلى «الأنبا بولا»
دير الأنبا بولا
هنا أديرة حفرت مكانتها فى القلوب، بعد أن حفر الأولون أماكنها فى الوديان أو أحضان الجبل، ومنها دير العذراء مريم، الواقع فى الجانب الشرقى من نهر النيل بقرية بياض العرب التابعة لمركز بنى سويف، حيث يعد واحداً من العلامات المضيئة ضمن مسار العائلة المقدسة فى الصعيد.
تقول تاسونى أيقونة، المسئولة الإدارية عن الدير، إن بركة الدير ترجع إلى زيارة العائلة المقدسة له خلال رحلتها فى مصر، حيث يبدأ موسم السيدة العذراء فى الدير من اليوم السابع فى شهر أغسطس وحتى عيد نياحتها فى يوم 22 من الشهر نفسه سنوياً، وتكون هذه الأيام أيام صيام ويتجمع فيها المسيحيون من كل مكان فى المحافظة وذووهم من خارج المحافظة، مضيفة: «حتى إخواتنا المسلمين يأتون أيضاً للاحتفال معناً فى هذه الأيام لأن الجميع هنا يحب السيدة العذراء ونشعر وكأننا عائلة كبيرة متجمعة داخل الدير تُشعر الحاضرين ببركة خاصة، ويكون هناك برنامج روحى يبدأ من السادسة صباحاً وخلال اليوم يكون هناك درس كتاب ومسابقات وترانيم وألحان وتسبحة»، مشيرة إلى أن الدير حالياً يستخدم للمؤتمرات والخلوات الروحية، سواء كانت مؤتمرات على مستوى الكرازة أو على مستوى المحافظات أو على المستوى الأسرى والفردى.
«أيقونة»: «إخواتنا المسلمين يحتفلون معنا بموسم العدرا».. ولدينا برنامج روحى يبدأ من 6 صباحاً
وواصلت «أيقونة» الحديث عن تاريخ الدير بقولها: «كانت بداية نشأة دير السيدة مريم فى القرن الرابع الميلادى ارتباطاً بالحركة الرهبانية، حيث كانت وقتها الرهبنة اجتهادية، بعد أن اتخذت مجموعة من الشباب حينها مكان الدير، الذى كان عبارة عن بقايا معبد رومانى، مقراً لهم يتعبدون فيه، وظل على هذا الوضع حتى القرن الخامس، ليتحول بعدها إلى كنيسة صغيرة يقام بها قداس شهرى تغلق بعده، نظراً لقلة عدد المسيحيين حوله، وكان رهبان دير الأنبا أنطونيوس فى البحر الأحمر يستخدمونه مقراً لهم فى زياراتهم ويجمعون احتياجاتهم من الغلال وغيرها ثم يعودون بها مرة أخرى، واستمر هذا الوضع حتى القرن الـ19، وفى نهايته تم التنازل عن هذا الدير لأبراشية بنى سويف، وبدأ مطران بنى سويف وقتها الاهتمام به من خلال عمل موسم العذراء وقداس شهرى لمجموعة المسيحيين الموجودين حوله لقلتهم، وبعد عمل كوبرى يربط شرق النيل بغربه زادت نسبة المسيحيين الموجودين بقرية بياض العرب، وبدأ التفكير فى عمل مكان للقاءات الروحية والمؤتمرات تربط بين الكرازة كلها على مستوى مصر، وكان هناك بالفعل إقبال كبير جداً وبدأ التوسع فى مبانى الدير حتى وصلت الآن إلى 6 مبانٍ تستقبل الناس من كل أنحاء مصر». ومن دير السيدة مريم، انتقلنا إلى دير الأنبا بولا فى مركز ناصر وهو إحدى محطات مسار العائلة المقدسة، حيث يتعانق هنا الهلال مع الصليب أعلى قصر استقبال كبار الضيوف بالدير، وصلنا وكان فى استقبالنا القمص إستفانوس، مسئول كنيسة الدير، فحكى لنا عن تاريخ هذا المكان المقدس التابع لدير الأنبا بولا فى منطقة الزعفرانة بمحافظة البحر الأحمر، قائلاً: «دير الأنبا بولا فى البحر الأحمر يوجد وسط جبال ولا يوجد به ماء، ففكروا قبل ألف عام أن يختاروا مكاناً يكون قريباً من الدير يصلح للزراعة، فوقع الاختيار على محافظة بنى سويف، لأنها أقرب منطقة زراعية للدير إلى أن تم بناء الدير الذى نجلس فيه الآن قبل أكثر من 200 عام». وعن قصة تعانق الهلال مع الصليب التى ذاع صيتها قديماً، ونُسبت فى شتى المناسبات إلى ثورة 1919، التى رفعت شعار المواطنة، واتحاد الهلال والصليب فى إشارة إلى التآخى بين المصريين على اختلاف دياناتهم، يروى القمص «إستفانوس» قصة هذا الشعار بالقول: «قصر الدير المخصص لاستقبال كبار الضيوف تم بناؤه عام 1905، وبناه وقتها الأنبا أرسانيوس الأول، ومشهور بقبة موضوعة أعلاه، تجمع بين الهلال والصليب فى شعار واحد، وقصة إنشائه على هذا الشكل ليست معروفة بصورة كاملة، ولكن معناها واحد ويشير إلى المواطنة بين المسلمين والمسيحين، وبالتالى هذا الشعار لم يكن وليد عام 1919، بل إنه كان سابقاً لسعد زغلول نفسه، لكنه استُغل للدعوة إلى المواطنة فى ثورة 19».
«إستفانوس»: الهلال عانق الصليب قبل ثورة 19 على قبة قصر الدير الذى بناه الأنبا أرسانيوس
ويخدم «استفانوس» فى كنيسة دير الأنبا بولا مند عام 1985، ويتذكر ما كان يقصه عليه القدامى من الموجودين بالدير عن الرحلات المتبادلة بين بنى سويف وبين الدير الرئيسى فى محافظة البحر الأحمر، قائلاً: «كانت الرحلة بين الديرين تواجه العديد من الصعوبات، فكانت قوافل الجمال تستغرق 5 أيام بين الجبال فى الذهاب من مقر الدير ببنى سويف وحتى مقر الدير الآخر فى البحر الأحمر، إضافة إلى 3 أيام أخرى فى العودة، وحتى وقت قريب كان يعيش أناس من أصحاب هذه القوافل»، مضيفاً: «الدير هنا يقوم بنواحٍ اجتماعية كثيرة مع الفقراء سواء مسيحيين أو مسلمين، فهناك إفطار للمسلمين فى أحد أيام رمضان، ولكننا لاحظنا أنها لا تصل إلى أهلها، ففكرنا بطريقة مختلفة حتى تصل هذه المساعدات للفقراء من محتاجيها داخل القرى البعيدة، وبدأنا فى عمل كراتين فى رمضان كل عام ونقوم بإعطائها لمساجد من خلال الشئون الاجتماعية حتى تتولى هى توزيعها على مستحقيها».