يونانيون فى مصر: «إحنا مش خواجات»
قنسطنطين
«مصر دى بلدى، أنا اتولدت وتربيت فيها، وعشت على أرضها وتحت سماها، ومشيت فى شوارعها»، قالها المواطن المصرى من أصول يونانية «قنسطنطين»، من مواليد مدينة الإسكندرية سنة 1943، وحصل على الجنسية المصرية سنة 2003، بينما كان يتحدث لـ«الوطن» عن ذكرياته وحكاياته فى شوارع الإسكندرية، التى أمضى بها معظم سنوات عمره.
«قنسطنطين ميشيل فروليو تاكس.. هذا هو اسمى المصرى المثبت فى بطاقة الرقم القومى، أما اسمى اليونانى قنسطنتوس فروليوتاكس»، بهذه الجملة بدأ الرجل البالغ من العمر 75 عاماً حديثه عن شوارع الإسكندرية التى يحفظ تاريخها عن ظهر قلب، واعتبر حصوله على الجنسية المصرية بينما كان فى الـ60 من عمره أنها «تأخرت قليلاً ولكنها جاءت لتثبت أنى مواطن مصرى».
وبملامحه الأوروبية ولغته العربية «المكسرة»، تابع قائلاً: «تعلمت فى المدرسة اليونانية الابتدائية، ثم درست فى معهد الدونبسكو، الذى أنشأه الإيطاليون وقتها، وتزوجت من زوجتى التى كانت تعيش فى منطقة الجمرك، وهى أيضاً يونانية مصرية»، وأضاف: «كنت بأهرب من المدرسة، مع زملائى من المصريين، ونقعد على القهوة، أو نروح نصطاد على الكورنيش».
«قنسطنطين»: مصر بلدى فيها وُلدت وتعلمت.. وزوجتى تطبخ «ملوخية» أطعم من أى مصرية
وأكد أن الإسكندرية ومدناً مصرية أخرى مثل القاهرة، كانت وقتها تعج بأشخاص من جنسيات مختلفة، وكان الجميع يتعاملون مع بعضهم البعض بحب واحترام، دون تصنيف، مشيراً إلى أنه يشعر بالغيرة على مصر، وكذلك اليونان، باعتبارها الموطن الأصلى لعائلته، والتى عادةً ما يذهب إليها ليقضى بعض الوقت بها، قبل أن يعود ليستكمل حياته فى شوارع الإسكندرية.
وبنبرة حزينة، حاول «قنسطنطين» استعادة ذكرياته عن بعض الأماكن القديمة، التى كان يرتادها، ولكنها لم يعد لها وجود بعد أن امتدت إليها معاول الهدم، مثل «مقهى مصر»، و«ركن السلطان حسين»، مشيراً إلى أن البعض ينادونه بلقب «الخواجة»، إلا أنه سرعان ما يرد عليهم بصوت مرتفع قائلاً: «أنا مصرى مش خواجة».
وتابع حديثه، لـ«الوطن»، عن ولعه بالأكلات المصرية قائلاً: «زوجتى يونانية مصرية بتطبخ ملوخية أطعم من أى مصرية»، إلا أنه أعرب عن استيائه بسبب المبانى المرتفعة التى تحجب الكونيش ومنظر البحر عن كثير من السكان، واصفاً الشعب المصرى بأنه «شعب محترم ومتدين»، كما أنه «شعب له خصوصيته المميزة».
وضرب مثالاً على «شهامة» المصريين بقوله إنه إذا وقع أى شخص فى الشارع باليونان، لا يقترب إليه أحد من المارة، خوفاً من المساءلة أو الاتهام، أما فى مصر، إذا وقع شخص يهرع إليه المئات، وينقلونه إلى المستشفى، ويظلون معه حتى تتحسن حالته، لافتاً إلى أن العيش والإقامة فى مصر، بالنسبة له، أرخص بكثير من العيش فى اليونان. وعن عدد اليونانيين الذين وُلدوا وعاشوا فى الإسكندرية، قال إن عددهم حالياً يبلغ نحو 300 فقط، وعادة ما يتجمعون فى النادى اليونانى، لافتاً إلى أن عددهم فى السابق كان يتجاوز 1500 يونانى، وأكد أن مصر واليونان دولتان تربط بينهما علاقات قوية، وصلت إلى حد «الأخوة» بين اليونانيين والمصريين، كما أن هناك بعض العادات التى تعلمها أهل الإسكندرية من جيرانهم اليونانيين.
أما المواطن اليونانى المصرى إليفيتريوس تيودور كريتسيس، مدير الجمعية اليونانية فى الإسكندرية، البالغ من العمر 58 سنة، فقال: «الإسكندرية تعنى الأصحاب، والشلة، والناس الحلوة»، مشيراً إلى أنه ما زال يعمل فى مطبعته بمنطقة العطارين، حيث تعلم فى الإسكندرية حتى حصوله على الشهادة الثانوية، وانتقل بعدها إلى إنجلترا، لكنه قرر العودة إلى المدينة التى وُلد فيها، وأنجب 4 أولاد من زوجته ذات الأصول اليونانية. «كريتسيس» يؤكد عشقه للإسكندرية، قائلاً «وُلدت هنا، وأنا مصرى، وأعتبر نفسى جزءاً لا يتجزأ من المصريين». وأضاف: «أعيش فى منطقة المنشية، أقدم مناطق المدينة، فالإسكندرية كانت أحلى قديماً، حيث الشباب والصحاب والعشرة، ويتمتع أهالى المدينة بالعديد من الصفات الجميلة التى تشبه اليونانيين، حيث العشرة، وأنا أقيم فى المدينة، وأقف فى المطبعة يومياً، بين أهلى وجيرانى».
حصول «كريتسيس» على الجنسية المصرية لم يمضِ عليه أكثر من 20 سنة، على حد قوله، عندما استخرج بطاقة رقم قومى، ويشير إلى أن «عدد اليونانيين فى الإسكندرية كان يبلغ 150 ألفاً فى السابق، لكنه لم يعد يتجاوز الـ300 حالياً»، مؤكداً أنه عاش أجمل ذكريات فى شبابه داخل المدينة، وقتما كانت الحياة مختلفة، وأوضح أن جده أتى إلى الإسكندرية ليستوطنها، عندما كانت واحدة من أجمل مدن العالم. واعتبر «كريتسيس» أن رعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى لأسبوع إحياء الجذور للجالية اليونانية والقبرصية «لفتة جميلة»، مشيراً إلى أن المنظمين دعوا 150 مواطناً يونانياً وقبرصياً للعودة إلى المدينة.