«الإبراهيمية» حى «الجريج».. و أشهر معالمه: «لاجيتيه وفينو وفورنوس وخاموس وبانا جوس»
مطعم «فينو» اليونانى بالإبراهيمية
«لاجيتيه.. فينو.. فورنوس.. خاموس.. بانا جوس» عشرات الأسماء اليونانية تملأ منطقة الإبراهيمية، سواء كانت الأسماء لشوارع أو لمحلات الكبرى أو مبانٍ تاريخية تقف شاهدة على حقبة كاملة من تاريخ المنطقة التى كانت حياً كاملاً للجالية اليونانية فى الإسكندرية، حيث اشتهرت المنطقة على مدار عقود بسكانها من الطبقتين الراقية والمتوسطة، وورثت تراثاً خلّفته الجاليات اليونانية والإيطالية والأرمينية والفرنسية التى اعتبرت أن المنطقة مكانها المفضل، خاصة اليونانيين الذين شكلوا أغلبية السكان.
ويعود اسم منطقة الإبراهيمية إلى ملكية حفيد إبراهيم باشا بن محمد على، القائد العسكرى المشهور وأول قائد للجيش المصرى الحديث، وهو الأمير إبراهيم ابن الأمير أحمد رفعت باشا الابن الأكبر لإبراهيم باشا، والد النبيلين محمد على إبراهيم، وعمرو إبراهيم، وتحتفظ المحال والمقاهى والمخابز فى المنطقة، بأسماء بعض الشخصيات اليونانية التى عاشت فى الإبراهيمية طيلة أعمارها، وهذا الأمر يعتبره السكان الحاليون مدعاة للفخر.
يقول الحاج عبدالعزيز عوض، 74 سنة، بالمعاش، أحد سكان الإبراهيمية: حينما كان عمرى أقل من 10 أعوام وأجلس مع والدى على المقهى، كان أغلبية الزبائن من اليونانيين الذين كنا نطلق عليهم «الجريج» أو «الخواجات»، وتابع: «حى الإبراهيمية كان يشتهر بأكبر تجمع للجالية اليونانية، وكانوا يطلقون عليه اسم (كوكينيا)، أى (أحمر)، والمقصود به «الحى الأحمر»، وهو نفس اسم الحى المماثل فى اليونان الخاص بالطبقة العاملة»، موضحاً أن تاريخ إنشاء الحى يرجع إلى القرن التاسع عشر، حيث تم تخطيطه على الطراز اليونانى القديم.
«أحمد»: اليونانيون برعوا فى المخبوزات والحلويات والإسكندرانية ورثوا منهم حب الموسيقى.. و«فوزية»: أباطرة العقارات شوهوا المكان وشيدوا الأبراج
وأضاف «عبدالعزيز» أن «الجريج» كانوا يتفاخرون دائماً بإسهامهم فى تصميم شوارع وحوارى الإبراهيمية فى القرن التاسع عشر، إذ صمموا شوارعها «ضيقة» وعرضها مناسباً لمرور عربات الخيول، ومتعامدة على خط الترام وطريق الكورنيش.
ويقول الحاج أحمد مرسى، صاحب محمصة فى محطة ترام الإبراهيمية، 81 سنة، إن أبناء الجالية اليونانية كانوا يجتمعون بصفة مستمرة فى بارات ومقاهى الحى مع الإسكندرانية الذين تأثروا بشكل كبير بثقافتهم ولغتهم ولكنتهم، واستقوا منهم حبهم للموسيقى، مشيراً إلى أن حى الإبراهيمية يشتهر بانتشار المحال ذات الأصول اليونانية لأن اليونانيين برعوا فى صناعة المخبوزات والحلويات، وأبرزها فرن «فينو» الذى كان يطلق عليه «فورنوس ذى ميترا» على اسم أحد الآلهة الإغريقية الأسطورية «ميترا»، وكذلك حلوانى «خاموس» عند محطة الترام، وتم إغلاقه فى التسعينات بعد وفاة آخر أبناء مؤسسه الأصلى الخواجة «ديمترى خاموس»، سنة 1900، وتوارثه ابنه «نيكولا» وزوجته «ألكسندرا».
الأهالى: ذكريات الأجداد تُشعرنا بالحنين لـ«كوكينيا».. وروائح نباتات الدفنباخيا والفل والياسمين عطرت كل الشوارع
ويضيف إبراهيم عبدالوهاب، 68 سنة، محاسب، وأحد سكان الإبراهيمية، أن أكبر تجمُّع للجالية اليونانية يقع فى شارع «لاجيتيه»، ويظهر فيه الفن اليونانى بالبناء القديم، الذى ينتشر فى جميع أنحاء الحى، حيث تتميز شوارعه بمبانى الطراز اليونانى، وحاراته ضيقة وبيوته متلاصقة، مضيفاً أن الحى سكنته الطبقة المتوسطة من الجالية اليونانية حتى أواخر القرن الماضى، وكان الحى إلى عقود قريبة هو حى الجالية اليونانية فى المدينة، ولا يزال بعض الأجانب من اليونانيين لم يفارقوه، ولا تزال أسماء المحال والمقاهى والمخابز تحمل أسماء بعضهم. «جدى حكى لى منذ الصغر قصة وجود الجالية اليونانية فى حى الإبراهيمية الذى كان معقلاً لليونانيين، وكان أغلبه فيلات خاصة بهم تفوح منها رائحة نبات الدفنباخيا والفل والياسمين، وروائح مميزة كان سكان الحى يتنسمونها ليلاً، لكن أباطرة العقارات قضوا على كل الفيلات حالياً، وتم هدمها وبُنيت مكانها عمارات شاهقة، وتم إزالة التراث اليونانى القديم»، هكذا عبّرت الحاجة فريدة جلال، 69 سنة، إحدى سكان الإبراهيمية عما آل إليه مصير الحى الآن. وعن شارع «لاجيتيه» أكدت «فريدة» أن أصله كلمة يونانية مشتقة من الفرنسية ومعناها «البهجة»، وهو شارع تجارى مزدحم وضيق يصل بين طريق الحرية ومحطة ترام الإبراهيمية وطوله 800 متر تقريباً، وكان يوجد به مسرح «لونا بارك» وسينما «لا جيتيه»، وكان مالكوها يونانيين، وكانت السينما تعرض فيلمين أجنبيين يومياً، ولكن تم هدمها فى أواخر سبعينات القرن الماضى، وتم بناء مجمع تجارى، وكان فى نفس الشارع مطعم «بانا جوس» الشهير.
وأوضح أحمد محمد، 65 سنة، أحد أصحاب المحال بالإبراهيمية، أن شاطئ الإبراهيمية الذى كان مخصصاً لليونانيين وتم إلغاؤه بعد التوسعات فى طريق الكورنيش فى تسعينات القرن الماضى، كان يتردد عليه أفراد الجالية اليونانية بصفة مستمرة حتى فترة الستينات، منوهاً إلى أن سوق «الإبراهيمية» سابقاً والمعروف باسم «شيديا» حالياً، هو أحد أشهر أسواق الإسكندرية للخضراوات والفاكهة، وكان يقطن فيه الكثير من الجالية اليونانية فى منازل تتكون من طابق أو طابقين.
وقال أحمد حراز، عضو جمعية الحفاظ على التراث بالإسكندرية، لـ«الوطن»، إن الإبراهيمية اشتهرت باحتضان الكثير من الأجانب، وخاصة اليونانيين الذين وُجدوا منذ القرن التاسع عشر، وبلغ عددهم 37 ألف نسمة تقريباً عام 1882، وتزايد عددهم إلى 56 ألف نسمة عام 1917، وهو ما شكّل قرابة 70% من العدد الإجمالى للسكان فى ذلك التوقيت، ثم تقلصت أعدادهم بسبب سياسة التأميم فى عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، وهاجر معظمهم إلى بلدهم، مضيفاً أن الميراث الثقافى الذى خلّفه اليونانيون فى الإبراهيمية جعلها قبلة للمشاهير عموماً، إذ عاش فيها الفنان الكوميدى حسن فايق، لحبه للفنان اليونانى العالمى «أرتيميوس فنتوريوس روسوس» الذى وُلد فيها 15 يونيو 1946.