حسن معروف يكتب: أحب أن أكون «من ناسه»
حسن معروف
ست سنوات و10 أيام بين أروقة «الوطن»، مديروه ومحرروه، الأساتذة والزملاء والتلاميذ، عام بعد عام وجيل بعد جيل يجدد دماء المؤسسة حديثة العهد عميقة التأثير، أسماء تمر فى شريط متصل حملت «الوطن» معها للسماء، وأسماء أنقذها «الوطن» من وسط كاد يوارى الغث فيه والزيف الوعى والمهنية، أنا كنت من هؤلاء المنقَذين. لكل بدايات سحرها وبريقها، تتعلق بالزملاء وتصادق منهم وتبتعد عن آخرين، تحب وتكره، تنشط وتخمل، تنتزعك يد حانية حين تسقط، هى اليد نفسها التى تهوى عليك بالخصم عقاباً إذا قصرت، فى حق نفسك قبل أن يكون فى حق الآخرين، «أنت خامة طيبة لولا.. » كثيراً ما تسمعها، وإما أن تواجه هذه الـ«لولا» أو تهوى فى مكان سحيق.
ومثل أى علاقة، تمر بمرحلة الفتور، البحث عن الذات المستمر، التوق إلى التجديد والتغيير، تترك المؤسسة دون أن تدرى أن كرسيك لن يبرد وجهازك لن ينطفئ، قبل أن تعود إليها مسرعاً، 6 أشهر بعيدة عن «الوطن» كفيلة أن تجعلك تكمل فى هذا المكان 6 أعوام دون كلل، 6 أشهر خبرت فيها الناس والمهنة فعرفت أن «قومى وإن ضنوا علىّ كرام».
جيل كامل من ألمع الأسماء كانت بدايتهم الحقيقية فى الصحافة بين أجهزة موقع «الوطن» الإلكترونى، جيل كامل نتيجة مغامرة من أجرأ مغامرات الصحافة بالاعتماد على شباب لم تتجاوز أعمارهم الـ30 عاماً، بل إن مديرهم وقتها لم يكن عمره يتجاوز الـ27 عاماً، «هيثم دبور» النشيط الذى بث من روحه فى روح المجموعة سنوات وسنوات، ولا يُنسب الفضل إلا لأهله.
«لا يمكن أن تدير موقعاً أو ترأس قسماً إلا حين تكون على استعداد أن تعمل بيديك مكان أى فرد فى المجموعة فى أى وقت» قاعدة أو مبدأ يجعلك دائم الإلمام بعملك، يجعلك منافساً ناعماً لنفسك ولمن حولك، منافساً شريفاً يستمع ويشاهد ويتعلم كل يوم شىء جديد، ويتعلم من حولك منك أيضاً، دون أدنى حرج فى السؤال أو أدنى مواراة فى الإجابة، بهذه الروح فقط ترتد إليك روحك وأنت تعمل فى أى مكان داخل بوابة «الوطن» الإلكترونية.
وكما تمر لحظات فتور على أى علاقة، تمر أيضاً لحظات ضعف وتراجع، يبذل الجميع ما فى وسعهم دون جدوى، حالة تخبط من العيار الثقيل وتراجع مستمر، يصل إلى المؤسسة رجل عهدناه صحفياً ممتازاً لكن لم نجربه رئيساً للتحرير، يعيد ترتيب البيت من جديد، تشاهد الخطوات وأنت فى قمة الاستمتاع مهما كان موقعك فى المؤسسة، فقبل أيام كان الجميع فى الوسط يوجه إليك الانتقاد بصفتك «محرر فى الوطن»، أم اليوم فأنت تشعر بالفخر أيضاً بصفتك «محرر فى الوطن»، الأولى واجبك والثانية حق لك.
أعوام ثلاثة تحت رئاسة الأستاذ محمود مسلم، أصبت فيها وأخطأت، نلت المدح والعقاب، لكن الأمر فى مجمله نقلة أحسد نفسى عليها حين أتفكر فى مجمل المكاسب والإخفاقات، أن تكون مع رئيس تحرير يسمح بالتجريب، يتيح الفرص حتى لو ضد رغباتك لتكون النتائج عملية لا نظرية أو شعارات، الكفاءة أولاً بعيداً عن «أهل الثقة»، فكل من يجتهد هو «أهل للثقة»، لهى ميزة فريدة فى مجتمع الصحافة.
«الوطن قوته فى ناسه» شعار يمر على البعض مرور الكرام، لكنه حاضر فى كل خطوة وفى كل نجاح وفى كل إخفاق، نحاسب عليه أنفسنا قبل أن يحاسبنا القارئ، فى لحظة يسود الهدوء فى الموقع الإلكترونى، لا تسمع سوى صوت تكتكة الأزرار الخافتة من حين لآخر، صوت المصعد يفتح ويغلق، وفجأة تشتعل الأحداث ويتحول معها الموقع إلى خلية نحل، صوت الهاتف لا يتوقف بين الأقسام، صوت الإشعارات لا يتوقف لحظة على جروبات «واتس آب» أو «فيس بوك»، الإنترنت ضعيف، لا يهم سنتصرف، الجهاز بطىء، لا يهم، يتضاعف المجهود لتعويض فارق السرعة، وكأنك تدافع عن «شرف الشعار» لا مجرد محرر يغطى حدثاً عاجلاً، هذا هو «الوطن» الذى أحب أن أعيش فيه، الذى أحب أن أكون «من ناسه».