هيثم هلال يكتب: ..وأولئك «ناسه»
هيثم هلال
لا يقاس تاريخ المؤسسات، بالسنوات والعقود، إنّما بالإنجازات والإضافات، بالتجديد كالحياة كل فجر.. بصوت يوقظ الموتى كصياح الديك كل صباح.. بزخات مطر يروى أنّى شاء.. بصهوة كلمات تحمل أحلام أبناء الهامش.. برشفة ضوء تنضح بالحقيقة وتلفح وجوه العطشى.. هنا «الوطن» الجريدة.. التى لم تختر يوماً قارئها.. إنما سُيِّرت إلى قلبه حين تطلع إليها واهتدى بها، كما اهتديت أنا إليها قارئاً منذ خرجت إلى النور قبل ست سنوات.
نهار أربعاء 19 يوليو المنصرم، كنت على موعد المقابلة الشخصية مع مدير تحرير «الوطن» -آنذاك- محمد المعتصم، للانضمام إلى أسرة الجريدة، بعدما أنهيت تجربتى الأولى فى الصحيفة ذاتها بعد مضى شهرين فى أثناء الإدارة القديمة.
«المعتصم» لا يعرفنى ولا أعرفه، لكنَّنى فوجئت بأنَّه قرأ لى بعض المشاركات القليلة فى المنصّة التى تتيحها «الوطن» للكُتّاب عامة. كأنها كانت مدخلاً لى للانضمام مجدداً إلى «الوطن» بعد «التغريب» الذى قطع استكمال مسيرتى فيها، حيث الملاذ الذى أجد نفسى وشغفى وعشقى بين جنباتها.
«ماكينة عمل».. هى صالة تحرير الموقع الإلكترونى منذ طلوع الفجر ولا ينقطع أو يتقطع أى ترس عن وظيفته: «مئات الأخبار وعشرات المواد التحريرية المصنوعة تخرج يومياً، اجتماعات على رأس كل شيفت، متابعة لحظية وتواصل دائم مع جميع الأقسام، نشر المواد بعد استيفائها كل المعايير التحريرية، تعامل مع المشكلات وحلّها، مواجهات لأعاصير ورياح ومشاحنات»، كل هذا وغيره كفيل أن يُثقل مهاراتى وينمى أدواتى الإدارية التى ربما كانت ناضبة قبل «الوطن».. كل يوم أمضيه، أتعلم جديداً فى إنشاء وتحرير وإدارة المحتوى وإتقان مهارات الاتصال، ورغم عدم وجود مشاركات وإنتاج ملموس لموضوعات تحريرية تحمل اسمى، بيد أن شغفى وتوقى للكتابة يراودنى ليل نهار.
أتذكر حينما «تغربت» فى إحدى الجرائد الحكومية قبل عودتى إلى «الوطن» مجدداً، عملت مع مدير تحرير لا يجيد التعامل مع التكنولوجيا ولا يعرف الفارق بين محرك البحث «جوجل» وتطبيق «واتساب»، أولئك الذين تأخروا ثم تأخروا فغالوا فى تخلفهم عن مواكبة الحاضر، لا يعرفه «الوطن» قط، إذ يرفع شعار «التدريب والتطوير الدائم عقيدة مهنية راسخة» وأنشأ وحدة مختصة له، والآن وأنا أكتب كلمات هذا المقال أجلس إلى جوار رئيس التحرير الذى يزاملنى فى ورشة تدريبية تحت عنوان «أفضل الطرق لإدارة غرف الأخبار» ليؤسس قاعدة أن لا كبير على التطوير الدائم، إنما العيب كل العيب والفضيحة حقاً، هو تأخرك عن مواكبة الحاضر.
«الوطن» ملاذ الموهوبين الجادين، منبر مفتوح لكل قلم مُبدع، صوت لأبناء الهامش، ربما يصيبها ما أصاب الصحافة المصرية عامة من وضع قائم «ردىء»، لكن يكفى أنها صحيفة يكتبها القارئ، والقارئ النهِم يواجه كارهى الحرف وأعداء الكلمة.
«الوطن» مؤسسة لا تُدار بالأهواء و«الفهلوة»، ولا تخضع للانطباعات الشخصية فى الإدارة، ولعل ما أود ذكره أنها تُعطى الصحفى حقه، وتعمل تحت كنف القانون ولا تتبع أساليب ملتوية كما رأيت فى صحف أخرى عملت بها، بل قبل أن تُطالب بالحقوق على صفحاتها تُطبقها أولاً على أسرتها.
فى «الوطن» لا تفريق ولا كوتة لأحد، الجميع متساوون، المرأة فى «الوطن» مدير تحرير، ورئيس قسم، وعضو مجلس إدارة، والكفيف المتميز والمُبدع رئيس قسم، والمسيحى لا تميزه عن المسلم.. فخور بتجربتى فى «الوطن» رغم قِصرها، وهنا أواصل مسيرتى التى ربما لم تبدأ بعد، حتى أُشبع شغفى وحبى.. هنا «الوطن» وأولئك «ناسه»..