الشاعر حسين القباحى يكتب: المدينة التى تختصر الأزمان والمسافات
الشاعر حسين القباحى
الأقصر هذه المدينة هى العالم والكون بأسره، تختصر الأزمان والمسافات لتطل بقامتها الشامخة، شاهدة على الإنسان المصرى وناطقة بمنجزه الإبداعى فى شتى المجالات وعبر العصور الممتدة، معلنة بتاريخها وسيرة ملوكها العظام وآثارها التى ملأت متاحف العالم شرقاً وغرباً وبمكنونات كتاباتها ونقوش جدران معابدها ومقابرها وعلى أوراق البردى وما حفظته ووعته وتحدثت عنه كتابات الأثريين والمؤرخين بشتى لغات العالم وما اختزنته الذاكرة الجمعية لشعبها، فانثال فى وعى أهلها وضميرهم كتابة ورسماً ونحتاً وحرفة وصناعة وزراعة وحكماً وأمثالاً شعبية وخبرات حياتية وطقوساً فولكلورية للأفراح والأحزان والحياة الاجتماعية الزاخرة وقيماً عليا تحتفى بالحياة والإنسان وتعشق الخير والحق والجمال.
هذه المدينة العريقة التى احتفت واحتفلت بها الجامعة العربية ومنظمة اليونيسكو، باعتبارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2017 اعترافاً وتقديراً لما تمثله من معطيات إنسانية وحضارية على مر العصور، وما أسهمت به الحضارة المصرية ورواد الفكر والثقافة والإبداع من المصريين وما يبدو واضحاً وجلياً فى الشواهد الأثرية الباقية والتراث المادى والشفاهى الذى حفظته واحتفت به الذاكرة الشعبية عند أهل مصر والجنوب، وبخاصة فى هذه المدينة وما تقدمه من نموذج رائع فى قيم التعايش والتسامح والمحبة وتداخل وتشابك التأثيرات الحضارية الفرعونية والقبطية والعربية الإسلامية وامتزاجها فى نسيج متجانس مبهر، بحيث يعبر تعبيراً صادقاً عن هوية الإنسان المصرى وماهية الحضارة والثقافة العربية التى تشكل وجه هذه المدينة، باعتبارها صورة مثالية لهذا التمازج والتداخل، يستحق إمعان النظر واستخلاص القدوة والمثل، هذه المدينة التى ظلت عاصمة لمصر والعالم لقرابة الألف عام ورفعت لواء التوحيد بأناشيد وابتهالات أخناتون وخرجت منها جيوش قائدها أحمس لتحرر البلاد والعباد من رجس الهكسوس المحتلين، وأجلست المرأة على عرش مصر واختزنت على جدران معابدها رسل التجارة والخير إلى بلاد بونت وأغانى الزرع والحصاد والفرح بوفاء النيل وعودة الجند المنتصرين إلى الديار، مدينة التحامسة والرعامسة وسنموت المهندس ومنتوحتب الحكيم ومدينة أبى الحجاج الأقصرى والشيخ الطيب وأبى رضوان والطاهر الحامدى ومدينة يحيى الطاهر عبدالله وبهاء طاهر والحسانى حسن عبدالله وأحمد شمس الدين الحجاجى، وأجيال تالية أثرت كثيراً وعميقاً فى المشهد الإبداعى المصرى والعربى فى شتى مجالات الإبداع.ح