«الأمير تادرس» أقدم كنائس المحافظة: «هنا قطعت رأس الإرهاب»
إقامة زفاف داخل كنيسة الأمير «تادرس»
كنيسة الأمير تادرس، أقدم الكنائس الواقعة فى قلب مدينة المنيا، خير شاهد على وفاء الدولة ومؤسساتها بوعودها فى قضية إعادة إعمار الكنائس المصرية، فقبل حلول عام 2018، أنهت القوات المسلحة أعمال بناء وإعمار وترميم معظم كنائس المحافظة التى كانت طالتها يد الإرهاب بالحرق والدمار والخراب عقب أحداث فض اعتصامَى رابعة والنهضة منتصف أغسطس 2013.
وقال القمص بيمن لويس، كاهن كنيسة القديس العظيم الأمير تادرس الشاطبى، إن «الكنيسة تُعتبر من أقدم الكنائس فى المنيا، وكنا نعد أنفسنا للاحتفال بالعيد المئوى لها، لكن أحداث العنف والدمار والحرق فى عام 2013 تسببت فى تدميرها حينذاك، وبفضل الله وتعاون جميع المواطنين والهيئة الهندسية للقوات المسلحة تمت إعادة بنائها مرة أخرى، وهى الآن فى ثوبها الجديد تتم داخلها كل الصلوات والاجتماعات».
واستعرض القمص ما تعرضت له الكنيسة خلال أحداث العنف، قائلاً إن مجموعة ليسوا من أبناء المنطقة التى تقع فيها الكنيسة والتى تتميز بالروح الطيبة والمحبة والود بين الجميع، جاءوا من مناطق أخرى وهاجموا الكنيسة واقتلعوا الأبواب الحديدية ودمروها بطريقة غريبة جداً، وسرقوا كل ما استطاعوا حمله من شاشات عرض وخلافه، ثم أحرقوها بمواد حارقة غريبة لدرجة أن الحوائط تهدمت والأرضيات احترقت، وساعدت الأجزاء والمقاعد الخشبية والديكورات وأجهزة التكييف على حدة الاشتعال لمدة تجاوزت 48 ساعة، حتى إن المتطرفين اعترضوا طريق سيارات المطافى وهاجموها لمنعها من إخماد الحريق بالكنيسة التى تُعد من أقدم كنائس المدينة وعمرها يتجاوز الـ100 عام، حتى الحديد اشتعلت به النيران، وكان ذلك غريباً على شعب يتميز بالمودة بين عنصريه، ولو قمنا بزيارات للمبانى والعمارات بالمنطقة لوجدنا أن العمارة الواحدة تسكنها أغلبية مسلمة وأقلية مسيحية والعكس، ولم يحدث أبداً أن اعتدى طرف على الآخر جسدياً.
وأشار القمص إلى أن الكنيسة رمز كبير فى المنيا، وبها أيقونات عمرها 90 عاماً، ولها مكانة خاصة جداً عند الأقباط، وكان مطران المنيا وأبوقرقاص الأنبا أرسانيوس يعقد بها اجتماعاً مساء كل جمعة، وتستقبل عدداً كبيراً من الأفراح من مراكز وقرى ومدن مختلفة، إضافة إلى لقاء المواطنين بالمطران وإقامة العديد من الأنشطة، لأنها تعتبر «سنتر» محافظة المنيا، وقد حضرت لجان هندسية تابعة للقوات المسلحة بعد احتراق الكنيسة، وحاولوا إصلاح ما تم تدميره ولم يتمكنوا حتى صدر قرار نهائى بهدمها وإعادة بنائها من جديد، وتم افتتاحها فى أوائل عام 2017.
القمص «بيمن»: سكان المنطقة المسلمون تصدّوا لهجوم المتطرفين على الكنيسة عام 2013.. وبعض المسيحيين احتموا فى منازلهم
وقال «بيمن» إن الفترة التى كانت تتم فيها إعادة البناء، كان الأقباط يؤدون الصلوات فى الفناء ووسط الرماد ومعالم الخراب، وكان من الصعب أداء أى صلوات بداخلها، وتم إقامة سرادق بالحوش، وكنا نستغل مدرستين للأقباط تابعتين للمطرانية وتقعان أمام الكنيسة فى إقامة الصلوات والطقوس الكنسية، والمناسبات والأعياد، بعدها تم مطالبتنا بإخلاء المكان لبدء أعمال الحفر والإنشاء.
وأضاف: «حينما بدأت الدراسة، ومع الاستقرار الأمنى، بدأنا نصلى فى مكان فضاء داخل الكنيسة، وكان بعض الشباب والرجال يصلون فى الشارع والنساء والفتيات بالداخل، لكن ما حدث من صعاب فى تلك الفترة أدى إلى زيادة الإيمان بين شعب الكنيسة أكثر منها فى فترة السعة والرحب، وكتابنا المقدس علمنا ذلك حينما ذكر «من الأعماق صرخت لك يا رب»، فمن أعماق التجربة والألم تمسك الناس أكثر بالتجربة والمكان والكنيسة، لأن حياة الإنسان المؤمن بدون الصلاة والكنيسة ليس لها أى معنى، فالعلاقة بين الإنسان وربه قد تكون موجودة فى المنزل أو أى مكان، لكن فى الأساس تبدأ من داخل الكنيسة.
وأشار القمص إلى أن التعاون بين القيادات الشعبية والدينية والرسمية ووجود القوات المسلحة التى باشرت هذا العمل أدى إلى الكثير من التيسيرات، لكى يتم إنجاز هذا العمل خلال عام واحد ليكون إنجازاً سريعاً، خاصة أن هناك مناطق أخرى تعرضت لحرق وتخريب منها كنيسة الأنبا موسى، ومدرسة القديس يوسف وملجأ الأيتام، لكن أكثر الكنائس تضرراً «الأمير تادرس والأنبا موسى» لكن الكنيسة الأولى تضررت بشكل بالغ لأن المبنى قديم.
وأوضح كاهن الكنيسة أنه شعر بالفرحة فى أول يوم بالصلاة فى الكنيسة بعد تجديدها، وقال: «أنا مرتبط بها منذ 60 عاماً، فالشىء الغالى عندما نفتقده نشعر بالصدمة، ولكن نظرنا للسماء وأخذنا معونة من الله، وكنا ندعوه (يا رب أنت اللى سمحت بهذه التجربة وهذه الضيقة وليس لنا ملجأ إلا أنت)، فنحن لم نعتمد إطلاقاً على مسئول أرضى، كنا نتوكل على الله ليخرجنا من هذه الضيقة، خاصة أنه لا أحد كان يمكن أن يتوقع فى تلك الفترة ماذا سيحدث فى مستقبل البلاد، فكان تعلقنا بالله، وغرسنا ذلك فى قلوب أولادنا ليتمسكوا بالمكان ويصلوا فى البرد والحر وبداخل خيمة لأن الإيمان كان عميقاً لكل من فقد شيئاً عزيزاً، وبالإيمان تغلبنا على هذا الأمر، وبفضل الله والمجتمع المحيط تحسنت الأوضاع حتى أصبحت الأمور عادية».
وأشاد القمص بدور المسلمين فى تلك المرحلة، وقال إن «الهجوم كان مخططاً، وإن سكان المنطقة من المسلمين تصدوا لذلك وبعض المسيحيين لجأوا للمسلمين للاحتماء بمنازلهم، وهناك سيدة حمت جارتها المسيحية وحينما ذهب إليها المتطرفون يسألون عن وجود مسيحيين قامت بطردهم، وكانت هناك روح طيبة، بل إن بعض المسلمين أنفسهم كانوا خائفين من الموقف وكانوا يتعرضون لإطلاق نار حال وقوفهم فى الشرفات خشية التقاط صور لأحداث العنف والدمار».
وقالت حنان فليبوس حبيب: «منذ طفولتى وأنا متعلقة بهذه الكنيسة، وفى يوم حرقها كان هناك هلع بين الجميع لأن المتطرفين استخدموا الأسلحة النارية والرشاشات، وكان الحادث مؤلماً، وهناك الكثير من المسلمين رفضوا وتصدوا لتلك الاعتداءات، وأذكر أن شاباً صغيراً هددنا بالمولوتوف، وتوجّه وآخرين إلى ملجأ الأيتام المجاور للكنيسة ونهبوا ما بداخله من ثلاجات وأثاثات، وألقوا بالمقاعد الخشبية والمكاتب من النوافذ، ثم توجهوا للكنيسة وحاولوا تحطيم البوابة وفشلوا فأحضروا قطع حديد لكسر الأبواب، وحينما دخلوا وجدوا أجساداً هيكلية اعتقدوا أنها كنز داخله أموال ومجوهرات وسرقوها، وما حدث كان للخير، فالكنيسة قديمة وعفى عليها الزمان، وهى الآن تحولت لكاتدرائية، ونشكر الرب الذى أوصلنا لهذه القيمة العظيمة».
وأضافت: «حينما فُتحت الكنيسة دخلناها بالزغاريد، وتذكّرنا الأوقات التى كنا نبكى بسبب حرقها، وكنا وقتها نشعر بنيران تغلى بداخلنا ونسأل أنفسنا: ماذا فعلنا، لماذا كل هذا الدمار والخراب؟ وكنا نركع على الأرض ونشكر الله والمسئولين، ونقول لمن فعل ذلك: يسامحك الله، فهم بشر مثلنا لكن فكرهم خاطئ.