كورنيش النيل.. نزهة الغلابة و«لقمة عيش» البائعين
الملاهى وألعاب الأطفال
مواطنون بسطاء يجدون فى البر الغربى من كورنيش النيل بمحافظة المنيا «الفسحة والنزهة المجانية»، يترددون عليه بالآلاف، بصحبة أبنائهم، سواء فى أيام الجمعة من كل أسبوع، أو فى المناسبات والأعياد، يفترشون الأرض والعشب بامتداد الكورنيش، يتناولون الطعام ويشربون المشروبات الساخنة، بينما أطفالهم يلعبون بالكرة، فى حين يلجأ إليه الباعة الجائلون للبحث عن «لقمة عيش»، لتصبح البسمة مرسومة على وجوه كافة البسطاء الموجودين على ضفاف النيل.
يقف على الكورنيش مداعباً ابنته الصغيرة على السور الحديدى وبجواره زوجته وأبناؤه الذين اصطحبهم عقب انتهاء عمله كمدرس تربية زراعية بمدرسة كفر المنصورة الإعدادية، «مجدى رمضان»، 53 عاماً، يقول: «المدام والأولاد كانوا عاوزين يروحوا الكورنيش من الصبح، بس للأسف أنا كان عندى شغل، لكن أول ما خلصت شغل فى المدرسة روحت البيت وجبتهم وجينا نقعد هنا على الكورنيش، ووصلنا هنا على الساعة 4 العصر وقعدنا اتغدينا كلنا مع بعض، وهنفضل قاعدين هنا لحد الساعة 12 بالليل، بنقعد نحكى فى ظروف الحياة ونفسّح العيال ويلعبوا بالمراجيح وأجيب لهم آيس كريم وترمس».
يذهب «مجدى» فى نزهة إلى الكورنيش شهرياً بصحبة أفراد أسرته عقب حصوله على مرتبه الشهرى، قائلاً: «بجيب مراتى وعيالى الكورنيش كل أول شهر بعد ما أقبض على طول، ونجيب معانا فرخة محمرة ونقطعها ونيجى ناكلها هنا». وعن أفضل أوقات الجلوس على الكورنيش يتابع «مجدى»: «من بداية وقت غروب الشمس ولحد بالليل الدنيا على النيل بتبقى حلوة جداً، والجو كمان بيكون أهدى شوية عن أوقات الظهر والعصر، وساعتها أنا مابحبش أمشى من هنا خالص، والمنظر هنا رائع فى كل الأوقات».
«مجدى»: «اللى بيقعد هنا يا إما موظف مرتبه على قده أو واحد غلبان».. و«غانم»: «جبت عيلتى كلها عشان أفسحهم»
يوضح «مجدى» أن هناك حديقة أخرى على الجانب الآخر من النيل تُسمى «الحديقة الدولية» أفضل فى مستوى النظافة وألعاب الأطفال، والدخول فيها برسوم جنيه واحد فقط، لكن زوجته وأبناءه يفضلون الجلوس على الكورنيش، متابعاً: «لكن الناس مش بتروح هناك لأن كده معناه إنهم هيركبوا مركب من هنا أو تاكسى عشان تعدى الناحية التانية من النيل، والناس مش هتقدر تدفع تمن التاكسى ولا المركب، لأن غالبية اللى بييجى يقعد هنا على كورنيش النيل غلابة، يا إما موظف مرتبه على قده، أو واحد غلبان، والناس كتّر خيرها إنها قادرة تعيش وسط الغلاء الكبير اللى بقينا عايشين فيه، لأن الأماكن كلها بقت غالية ومحدش فينا يقدر يقعّد عياله فى كافيه مثلاً على النيل، ده كده المرتب كله يطير مع القعدة دى»، ويختتم «الرجل الخمسينى» حديثه قائلاً بنبرة حزينة: «ده أنا أعرف ناس بتيجى الكورنيش هنا مشى عشان مش معاها تمن الركوبة أو المواصلات».
وعلى بُعد عدة أمتار من «مجدى» يجلس «جمال غانم»، 59 عاماً، مع أفراد أسرته على مجموعة من المقاعد الخشبية على أطراف كورنيش النيل، قائلاً: «جيت النهارده مع أسرتى وعيالى واخواتى، عشان نغيّر جوّ وأفسحهم لأن الكورنيش فى المنيا بالذات يختلف عن الكورنيش فى باقى المحافظات، والناس هنا على قد حالها، والمنطقة هنا شعبية والقعدة رخيصة، ومافيهاش لا كافيهات ولا أماكن غالية، بالعكس الناس بتعمل الأكل والشاى فى البيت وبتجيبه معاها، وتبقى لمة حلوة مع العيلة كلها ضحك وهزار وكلنا بنبقى مبسوطين».
جاء «غانم» إلى الكورنيش برفقة عائلته منذ الساعة الثانية ظهراً، موضحاً أن الجلوس على كورنيش النيل عادة بالنسبة له يكررها دائماً فى المناسبات والأعياد، قائلاً: «كل فترة لازم أجيبهم هنا حتى لو مفيش مناسبة، نقعد ناكل والعيال تفرح وتركب المراجيح والمراكب والخيل وتاكل فول ولب وترمس، وبيبقوا كلهم فرحانين ومبسوطين»، ويتحدث «غانم» عن نقص الخدمات على الكورنيش قائلاً: «فيه نقص فى الخدمات كبير فى الكورنيش هنا، محتاجين حمامات عمومية تبقى بطول الكورنيش مش فى مكان معين، وتبقى حتى لو برسوم رمزية للدخول سواء جنيه أو نص، وكمان محتاجين يهتموا بنظافة الكورنيش زى الأول، ده كان زمان أحسن من دلوقتى، والكورنيش كان شكله أحلى وأنضف بكتير».
«إسماعيل»: «بشتغل نقاش ولما الدنيا نامت بقيت أبيع آيس كريم»
وعلى الجانب الآخر من المنتفعين من كورنيش النيل يقف «إسماعيل إبراهيم»، 45 عاماً، على عربة «الآيس كريم» بصحبة ابنه وابن شقيقه اللذين يساعدانه فى عمله أثناء نقص أحد المكونات، على سبيل المثال ألواح الثلج، أو أكواب بلاستيكية، أو بضاعة من المصنع، قائلاً: «أنا أصلاً بشتغل فى الأساس فى مهنة النقاشة، ولما الدنيا بتبقى واقفة شوية فى مجال النقاشة بنزل فى المواسم والأعياد أبيع آيس كريم، وبستغل المناسبات عشان آكل من وراها عيش زى العذراء فى دير سمالوط، ومولد الفولى، والشيخ عمران فى جبل الطير».
حصل «إسماعيل» على عربة الآيس كريم مقابل إيجار يومى قدره 100 جنيه، قائلاً: «مالوش دعوة إذا كنت هبيع أو لأ، والإقبال على الآيس بيختلف من موسم للتانى، وأسعار الآيس كريم، البسكوتة بجنيه والكوباية بـ2 جنيه، وبحاول ما أغليش السعر على الناس عشان يبقى فيه بيع، لأن لو جنيه واحد غلى هيأثر معايا فى كمية البيع، وممكن البضاعة اللى معايا فى الجو ده تسيح وتبوظ عليا».
وعلى ألعاب الأطفال يقف «عبدالرحيم حسن»، 38 عاماً، مع شقيقه الذى يتشارك معه فى عدد من الألعاب التى يُقبل عليها الأطفال، ورثا تلك المهنة عن والده وجده، قائلاً: «أنا وأخويا مشتركين فى أكتر من لعبة بنقف بيهم على الكورنيش بناكل من وراهم لقمة عيش لعيالنا وأولادنا، ده أنا معايا 11 عيل وده مصدر رزقنا وأكل عيشنا الوحيد، أنا بقف فى المناسبات والمواسم والموالد بس زى أعياد الفطر والأضحى، وشهر رمضان، والشيخ مبارك والشيخ عمران والعذراء، لكن أخويا بيكمل على لعبتين كده بيبقوا ثابتين طول السنة على الكورنيش».
«عبدالرحيم»: «ألعاب الأطفال مش غالية.. ومانقدرش نرفع سعرها»
ويوضح «عبدالرحيم» أن تلك الألعاب هى أكثر ما يشد الأطفال على الكورنيش، وأن أسعار الألعاب رخيصة وليست غالية، متابعاً: «طب هنعمل إيه عايزين العيال تركب بأى طريقة ومش هنقدر نرفع من سعرها لأن أهاليهم مش هتقدر تدفع لهم، ولو رفعنا سعرها محدش هيركبها، دى لفة قطار الأطفال الكهربائى بـ3 جنيه، بس لو أبوه ادانى 2 جنيه مابتكلمش وباخدهم وخلاص، لأن الناس مابقتش ناقصة وفيها اللى مكفيها، والنطاط بـ2 جنيه برضو للطفل الواحد بس من غير وقت محدد زى القطار لأن القطار بيعتمد على كهرباء وبيسخن ولازم يتقفل كل 5 دقايق نريّح فيها الماكينة شوية»، مشيراً إلى أنه يدفع إيجاراً للمجلس المحلى مقابل الحصول على ذلك المكان على الكورنيش، وأنه ليس أمامه مكان بديل عن الكورنيش الذى يقفون عليه منذ سنوات طويلة.
وعلى فرشة إكسسوارات ولعب أطفال يجلس «إبراهيم محمد»، 35 عاماً، الذى كان يعمل قبل ذلك بائع ملابس، يقول: «الحال نايم دلوقتى فيها خالص، واتعلمت إنى ماقعدش أبداً فى البيت أحط إيدى على خدى، وأى شغلانة هنزل أشتغلها مش عيب طالما بالحلال، أهم حاجة إننا كشباب نفضل نعافر عشان ناكل عيشنا بإدينا». ويوضح «إبراهيم» أنه اختار أن يفرش بضاعته على الكورنيش لأنه أكثر مكان يتوافد عليه المواطنون بصحبة أبنائهم، متابعاً: «لقيت بياعين كتيرة بتقف هنا على الكورنيش، قلت آهى فرصة أجرّب الشغلانة وآكل من وراها لقمة عيش كويسة، وده أول شهر ليا فى الشغلانة دى ولسه بقول يا هادى، ولسه مش عارف إذا كنت هكمل فيها ولا لأ، وعامة الناس الغلابة جاية هنا عشان تفسح عيالها وتتبسط، وإحنا كبياعين جايين ناكل لقمة عيش من وراهم، وكلنا هنا بنكمل بعض».