د. رحاب سراج تكتب: حقاً إنها المرأة الصعيدية
د. رحاب سراج
تبدأ حكايتنا من داخل قرية كرم أبوعمر بمركز أبوقرقاص بمحافظة المنيا، تلك القرية العريقة التى ذُكرت فى كتاب «وصف مصر»، فى مجلده الثامن، ويرجع سبب تسميتها لشيخ العرب أبوعمر الذى وقف ضد الحملة الفرنسية ولكن حكايتنا ليست الغوص فى تفاصيل الماضى ولا عن بطولات رجالها بل عن الحاضر المشرق المتمثل فى النماذج المشرفة لسيدات الصعيد واللاتى جمعنى بهن مشروع تنمية جنوب الوادى الذى يتبنى حرف التراث وإلقاء الضوء على مثل هذه القرى التى تعانى من الجهل والعنف سنين طوالاً وإدماج السيدات والفتيات وتدريبهن من أجل مستقبل أفضل لهن ولأبنائهن، هذا المشروع المقدم لسيدات كرم أبوعمر اللاتى جمعن بين الإصرار والإبهار الذى لمسته وشاهدته فى عيونهن، فهن بحق نماذج مشرفة للمرأة المصرية الصعيدية القادرة على تحدى الصعاب والإصرار على النجاح رغم كل المشكلات التى تعانى ولا زالت تعانى منها فهى تسبح ضد التيار فى مجتمع ملىء بالثقافات والعادات والتقاليد البالية، ورغم ذلك هى فاعلة ومتفاعلة. هذا الإصرار هو الذى قاد سيدة من قرية «كرم» إلى الإبهار فى جميع المهام التى تقوم بها بإخلاص وتفانٍ محاولة بشتى الطرق إثبات قدرتها على الاندماج فى المجتمع والحفاظ على وجودها وتقديم منتجات عالية الجودة من النسيج والخوص.
ورغم كم الألم الذى لمسته فى دموع هذه السيدة البسيطة وأمثالها من نساء القرية من كم العنف الممارَس ضدهن متمثلاً بأشكاله البغيضة المنفّرة فى ختان الإناث، الحرمان من التعليم، الحرمان من الميراث.. وغيرها الكثير والكثير من الممارسات العنيفة البالية، فإنهن استطعن تحويل الألم إلى أمل، إنه الأمل فى تحقيق مستقبل أفضل ومشرق لأولادهن وبناتهن. ولا تنتهى حكايتى عن النماذج المشرفة عند قرية كرم بل هناك العديد من النماذج المشرفة لسيدات من الصعيد تعرضن لشتى أشكال الظلم الاجتماعى فإحداهن قد زُوجت وهى طفلة صغيرة وبعد مرور سنوات وبدلاً من أن تحمل شهادة تخرجها من إحدى الجامعات حملت لقب مطلقة وهى فى عمر الشباب ولكن لم تكن هذه هى النهاية لها بل كانت بداية حياة جديدة فرغم ما عاشته من ظلام الجهل والقهر والظلم فإن ما عاشته من معاناة كان سبباً فى بزوغ فجر جديد لهذه السيدة وتكمل دراستها حتى أصبحت طالبة بكلية الآداب لتحقق حلمها فى الحصول على الشهادة الجامعية وتبدع فى مجال الصحافة بل وتتميز فيها.