عبدالمنعم إمام يكتب: المحلة والمشروع الوطنى
عبدالمنعم إمام
على مدار عقود حاولت السلطة فى مصر حشد الشعب نحو مشروع وطنى جامع، بهدف الوصول إلى التقدم والحداثة فى ظل عالم ظهر فيه خلال السنوات الأخيرة عدد من التجارب الملهمة لدول استطاعت أن تخطو خطوات مهمة نحو الانتقال من مربع العالم النامى إلى دول العالم المتقدم. وهو الأمر الذى ألقى بظلاله على التجربة المصرية وكان سبباً فى خروج عدد من الرؤى الإصلاحية تحت مسميات عدة كـ(فكر جديد، مشروع النهضة، مصر 2030.. إلخ) ورغم أن أغلب هذه الأطروحات قد حملت بين طياتها أفكاراً مميزة ومجهوداً ضخماً، إلا أنها لم تتحرك من مرحلة الدفترية المكتوبة إلى مرحلة الواقعية المحسوسة، وهو الأمر الذى يمكن إرجاعه لأسباب عديدة يظل أهمها، فى نظرى، أن معظم هذه الرؤى غلب عليها الاهتمام بالحجر قبل البشر! وأن المواطن المصرى لم يجد نفسه فيها، عوضاً عن أنه لم يشارك فى صياغتها، وهو ما خلف لديه الإحساس بأنها ليست سوى أحلام فوقية أو شعارات غير قابلة للتحقق وهو ما أفقدها مع الزمن بريقها الأولى وصولاً لمواتها الفعلى.
ولعل سبب هذا يكمن فى أن منهجية التفكير السائدة وراء أغلب هذه الأطروحات تناست أن الدول التى استطاعت أن تخطو نحو الرفاهية والتقدم لم تصل لذلك إلا عن طريق مجتمع واعٍ وحر ومشارك فى بناء الحلم الوطنى، وأن تلك الأمم لم تحرز هذه المكانة من خلال شعارات وطنية ملهمة أو مشروعات كبرى أو قوانين رشيدة، لكنها استطاعت الوصول لهذا بترسيخ شعور جامع بأن المواطن هو المالك الأصيل للوطن.
لذا فإن الأمة المصرية مدعوة فى كل وقت ومكان إلى إعادة صياغة مقدراتها وأحلامها، ولتكن قلعة الصناعة المحلة الكبرى، التى عانت كثيراً خلال السنوات الماضية من الإهمال والتردى للدرجة التى صار الحديث فيها عن المحلة التى كانت لا الكائنة هو الغالب! هى نقطة البدء كما كانت دائماً نحو إعادة تقديم تجربة ملهمة وجديدة يُضرب بها المثل فى البناء، كما ضُرب بها المثل سابقاً فى الثورة، وليتشارك المجتمع المدنى والمواطنون نحو إطلاق حلم لمدينة المحلة الكبرى عام 2050 يشارك مثقفوها وعمالها وفلاحوها ورجال أعمالها فى صياغته وكتابته، من خلال وضع تصور لتطوير حياة المواطن المحلاوى، بداية من العمل الذى يؤديه إلى شكل البيت الذى يسكنه، مروراً بشارعه ومنطقته، ولتكن هذه المبادرة سبّاقة فى تقديم نموذج لمجتمع محلى استطاع أن يشارك ويصيغ مشروعاً مميزاً لتطوير حياته ومحيطه ويطالب الدولة بالالتزام بتنفيذه فى خططها المستقبلية، شريطة أن يتم ذلك بشكل تحكمه المنهجية لا «الفهلوة»، والمأمول لا المتاح، وبعيداً عن الصخب وحملات التلميع التى لم تزد الوطن والمواطن إلا تشويهاً وقبحاً ويأساً وكرهاً.. وللحديث بقية
باحث فى الشئون الأفريقية