صديق الهمامى يكتب: قنا أرض الفرص الضائعة!
صديق الهمامى
زيارة أصدقاء قاهريين لأرض قنا بحثاً عن أحداث جديدة أو ذكريات قديمة تعيد الصعيد لدائرة الضوء؛ حيث العاصمة المشغولة بذاتها وبملايينها العشرين.. ويبدأ دوران الحديث بين الحضور وفى خلفية المشهد تليفزيون عتيق يعرض حلقة قديمة لمسلسل الضوء الشارد ويدور الحديث عن قنا والزراعات المميزة لها وأهم الصناعات بها. ويلتقط الخيط مزارع شاب لأسرة ثرية. يعانى الأمرين من تكاليف الزراعة الباهظة لمحصول قصب السكر وأنها غير مجدية لا تحقق سوى هامش ربح بسيط وخسائرها أكثر وأن جل المزارعين مستمرون بمهنة الزراعة يدفعهم العار من ترك الأرض بوراً أو بيعها لآخرين ويقول بأن هامش ربح فدان القصب لا يجاوز الألفين من الجنيهات بعد عام كامل من المعاناة.
يتداخل طرفاً فى الحوار رجل تجاوز الخمسين لا يكشف أن وراء الجلباب الصعيدى رجلاً عمل قرابة ربع قرن بالخارج مسافراً بين الطائف ودبى وباريس وإذا به يقرع أذنى بمفاجأة لى بأن السعودية والطائف تحديداً أكبر مصدر للزهور لأوروبا وفرنسا تحديداً وأنه كان يمضى ثلاثة أشهر مندوباً لشركته بمدينة ليل الفرنسية. هتفت من أعماقى يا ليل يا عين يا قناوى. يختطف خيط الحديث قاهرى يزحف على الستين يأخذنا مثل سندباد لحديث مبهر عن دبى وأبوظبى والشارقة مؤيداً لحديثه بجوجل ويوتيوب وكيف بزغت شموس تلك الإمارات خلال خمسة عشر عاماً تقريباً وصدقت مقولة المغفور له الشيخ زايد بأنه سيجعل تراب الإمارات يساوى الذهب ويفوقه أحياناً!
وهنا أطرقت برأسى مفكراً فى قنا تلك المحافظة العريقة الجذور عظيمة الإمكانيات ممتدة المساحة سهلاً وجبلاً. يقطنها أكثر من ثلاثة ملايين من البشر. يوماً ما كانت قاعدة لحكم إمارة شيخ العرب همام قبل ٢٥٠ عاماً.. وأين تقف الآن مقارنة بتلك الإمارات الخليجية..!
محصورة بين واقع مرير وبطالة خانقة وصراعات موهمة تشعلها ناراً أحياناً بالعصبية عن جهل وفقر.. فقط قصب السكر وصناعة الفخار (كأننا خلقنا كومبارس لفيلم صراع فى النيل أو الوادى) ومصنع الألومنيوم ومدينته المتكاملة يصارع لأجل البقاء صامداً مثلما واجه غول الخصخصة قبل عشرين عاماً يواجه الإدارة العقيمة والإهمال (ربنا يسترها)!
ماذا ينقص تلك المحافظة ذات المراكز التسعة وكل مركز منها يصلح منفرداً ليصبح دبى أخرى؟ ماذا ينقصنا لنزرع بأفضل الزراعات؟ وماذا لو تعلمنا أن نكون مثل كينيا أو الطائف ونزرع أجود أنواع الزهور والزراعات الأورجنك، ونتعلم الزارعة الحديثة والصناعة المرتبطة بها؟ ماذا ينقص محافظة بها المعالم الأثرية الفرعونية والقبطية والإسلامية أن تضع لها قدماً على الخريطة السياحية وهى واسطة العقد بين البحر الأحمر والأقصر وسوهاج وأسوان؟
ماذا ينقصنا لنبنى ١٠٠٠ مصنع صغير تستفيد من الصناعات المحلية ويطورها ويأخذ بيد آلاف الشباب المتعطلين ويعود بهم لسكة الحياة بعيداً عن حدائق الشيطان أو سلسال الدم؟
قنا وما أدراك ما قنا. محافظة تبحث عن فرصها الضائعة من أجل حياة ومستقبل نطلبه الآن وليس غداً.
محامٍ