سجينات الفقر: «المسئولية على أكتافنا.. والمجتمع مابيرحمش»
«مى» تحكى تجربتها فى السجن
لا يغيب عن ذهنها أول ليلة قضتها فى السجن، كانت حاملاً فى شهرها الثامن، ولم تصدق أنها تركت أطفالها اليتامى وحدهم فى المنزل، ووضعت الكلابشات فى يديها بسبب فرشة ملابس ومفروشات بجوار إحدى الجمعيات الاستهلاكية فى الزقازيق.
لا تفهم «مى» معنى إشغال الطريق العام، ولا ترى جريمة اقترفتها، إنما شىء واحد فقط يشغل بالها ولا تتوقف عن التفكير فيه.. كيف لها أن تطعم أطفالها وتضمن لهم حياة كريمة بعد فقدان الزوج والبضاعة.
«زهيرة»: «اتهمونى بالسرقة بسبب جوزى الحبسجى.. وبفكر أعمل كوافير فى بيتى لأنه مشروع مش عايز رأس مال كبير.. وأقدر من خلاله أسدد ديونى»
«مى»، 27 عاماً، منذ أن توفى زوجها فى حادث مفاجئ فى العام الماضى، وترك لها 3 أطفال، طرقت جميع الأبواب ولم تمتد يد إليها بالمساعدة، فأهلها يعيشون على الكفاف، وخلافها مع أهل زوجها سلبها كل شىء، بل وحاولوا الاستيلاء حتى على عفش البيت، ولم يفلحوا.
استلفت «مى» ٣٠ ألف جنيه وكتبت إيصالات أمانة على نفسها لتشترى بضاعة وتبيعها فى الشارع، وأثناء عملها فوجئت بقوات الأمن تصادر البضاعة بدعوى الإشغالات، توسلت إليهم وأكدت لهم أنها تنفق على أيتام، لكن كل محاولاتها باءت بالفشل، ما فجر ثورتها وأثار غضبها وأخذت تتفوه بعبارات مسيئة وتدعو على من ظلمها ودعمها ابن أختها، لتوضع الكلابشات فى أيديهما، وأدينت فى قضية مرافق واتهمت بالتعدى على السلطات أثناء تأدية مهامها.
حكم بالسجن 6 أشهر كان مؤلماً للغاية على نفس «مى»: «كنت بعيط طول الوقت.. لا باكل ولا بنام ومنزوية فى جنب، وحذرت السجينات وقولتلهم اللى هيقرب منى هصوت وهلم الدنيا، أنا هقعد على جنب ومحدش ليه علاقة بيا. كنت خايفة يعملوا فيا حاجة وأنا حامل، رغم إن العنبر كان أهدى وأفضل حالاً من عنابر تانية سمعت عنها وأنا فى السجن».
مضت فترة الحبس بمرها، وخرجت «مى» للنور وهى محطمة نفسياً، فالتجربة كانت قاسية، خاصة على سيدة لا تزال غارقة فى أحزانها على زوجها، ومطالبة بتسديد ديونها، الأمر الذى كان سبباً فى توجهها لمؤسسة «حياة»: «كانوا بيعالجوا الحاجة المكسورة فينا، وبيساعدونا نبدأ من جديد ونقف على رجلينا».
سددت «مى» معظم ديونها وبقى مبلغ 10 آلاف جنيه مطالبة بسداده، إلى جانب ٥٠٠ جنيه شهرياً إيجار شقتها تضاف إليها رسوم الحياة والكهرباء، وتسعى حالياً لتأسيس مشروع جديد: «بفكر أشترى هدوم من القنطرة وأبيعها فى المصالح الحكومية.. مش هقف فى الشارع تانى».
أما «زهيرة» فجريمتها لم تكن سرقة «موبايل» كما وجهت إليها التهمة، إنما الزواج من رد سجون محترف الإجرام، فمن يومها ارتبط مصيرها وسلوكها به، وهى التى لم تطرق باب القسم يوماً ولو لقضاء مصلحة إدارية.
كانت «زهيرة» تعمل فى مستشفى خاص بقسم العناية المركزة، وفى اليوم الموعود قامت بمهام عملها ومهام زميلة لها كانت فى إجازة لظروف شخصية، وفور انتهاء ورديتها التى تمتد لـ12 ساعة، تبدأ فى الثامنة مساء وتنتهى فى الثامنة صباحاً، مضت فى رحلة عودتها إلى المنزل، وفوجئت باتصال المشرف عليها ومطالبتها بالعودة، وهناك اتهمت بسرقة هاتف محمول حديث ومبلغ من المال وتم تفتيشها ولم يكن بحوزتها شىء.
«مى»: «اتسجنت فى قضية مرافق وأنا حامل فى التامن.. وعليا إيصالات بـ30 ألف جنيه.. ومطالبة بسداد 10 آلاف جنيه وبفكر فى بيع الملابس فى المصالح الحكومية»
فزع رهيب شعرت به «زهيرة» من إمكانية سجنها وضياع مستقبلها، أدى لسقوطها مغشياً عليها ٣ مرات داخل القسم، واستمرت حالة الهلع طوال سير القضية، وخلال فترة الحبس، إلى أن انتهى الأمر ببراءتها.
السجن لفترة قصيرة لم يكن هيناً على «زهيرة» فكانت دموعها لا تجف، بسبب وصمة العار التى كادت أن تلحق بها وبطفليها، وتعلمت من تلك التجربة أن تقوى لمواجهة صعوبات الحياة، وساعدتها فى ذلك مؤسسة «حياة»، حيث خضعت لجلسات نفسية مكثفة، وتم تدريبها لخوض سوق العمل فى أكثر من مجال: «بدرب حالياً فى كوافير مقابل ١٠٠٠ جنيه بدفع منهم إيجار شقتى وبصرف على عيالى».
١٥ ألف جنيه اقترضتها «زهيرة» لشراء عفش لشقتها، فالرطوبة نالت من جسد طفليها، وأصابتهما بأمراض عدة، ولا يوجد معيل لهما سواها، خاصة أنها انفصلت عن والدهما بسبب سلوكه المنحرف، الذى فوجئت به بعد الزواج: «سبق واشتغلت فى أماكن كتيرة؛ عاملة فى عيادة باطنة، وفى مستشفى دولى، والمستشفى الأخير اللى خرجت منه بوصمة عار، ومش عارفة لو اتقدمت لوظيفة هاتقبل فيها ولا لأ، عشان كده قررت أعمل مشروع كوافير فى بيتى، فكرة بسيطة مش عايزة رأس مال كبير، ومن خلالها أقدر أسدد ديونى».