الشيخ إبراهيم الدسوقى عاشق النور
الشيخ إبراهيم الدسوقى
وسط حلقة ذكر، وعلى مسرح متواضع من الخشب، يقف منشد ربعة الجسم متوسط الطول بجلباب أبيض وعمامة بيضاء، بشارب خفيف ووجه مستبشر، كان يقف حافى القدمين يتجه ببصره إلى أعلى وعيناه شبه مغمضتين كأنما يرى ما لا نراه أو ينظر إلى ما لا نعرف. يبتدئ الحفل بعزف منفرد على العود، ثم تنتقل القيادة إلى الناى معظم الليلة، ليبدأ الشيخ إبراهيم الدسوقى تجليه. أغلب إنشاد الشيخ بالعامية تأليفاً وارتجالاً، لا يعتمد قصائد كبار الصوفية كالحلاج وابن الفارض والجيلى وغيرهم، وإنما يفضّل أن يخلق عالمه بفنه هو وكلماته هو.
طوال حياة الشيخ لم يُحدث تغييراً فى الآلات الموسيقية المصاحبة لإنشاده.. الناى هو الأساس، يساعده العود والطبلة للإيقاع ثم الرق والصاجات، وينهض الجمهور بالباقى. تبدأ الفرقة بمقطوعة ناى، ثم يؤدى العود وصلة عزف منفرد، ثم يسلم لصوت الشيخ الذى يقدم لوصلة المديح بتمهيد هادئ من قرار المقام، وفى اللحظة المناسبة يعطى الشيخ إشارته فيدخل الإيقاع ليأخذ الذاكرون فى التمايل الهادئ الذى يشتد شيئاً فشيئاً مع اشتداد وتيرة العزف وتسارُع الإيقاع واندماج صوت المنشد.
من ليلة للشيخ فى الاحتفال بمولد سميّه سيدى إبراهيم الدسوقى سنة 2000 علقت جملة له فى سمعى ووجدانى، وهى جملة مركزة وكاشفة يعرف قيمتها أرباب الأحوال من المتصوفين.. فى غمرة الإنشاد والتجلى تساءل الشيخ: «السر فى الباب يابا إبراهيم ولا السر من جوه؟! فيه اللى واقف على الباب لكن حال العطا جوه.
وفيه اللى جوه الباب لا بره ولا جوه».
ها هنا سؤال فى الصميم، يعقبه جواب يشرح الحال ولا يعطى جواباً قاطعاً، يقف به الشيخ على الأعتاب مستمداً النفحات طالباً الوصل والرضا، كاشفاً عن حال أصحاب الأحوال ودرجاتهم ومقاماتهم، داعياً بلسان الحال أن يكون له من الولاء نصيب.
الشيخ إبراهيم واحد من أعذب الأصوات فى مملكة الإنشاد الدينى فى مصر، وهو شديد التميز والتفرد، بصمته واضحة جداً فى أعماله بحيث لا يشتبه عليك أمره ولا يختلط عليك بغيره. هو يستفيد من تراث عريق وممتد لمئات السنين بلا شك، غير أن إبداعه واضح جداً، وما تسمعه عنده لن تسمعه عند غيره، ومع ذلك فإنك لن تجد للشيخ تسجيلاً مصوّراً على اليوتيوب مثلاً، وذلك لأن أحبابه ومريديه لم يقوموا به ولم يولوا فنه ما يستحق من العناية. ومع هذا فللرجل تراث معروف ومسجل، ستعرف من أعماله: «الحب والإخلاص، ملحمة الغريب، وعد ومكتوب، مذنب وعاصى، ليلة الوداد، عاشق النور، عليك بتقوى الله، طبيب المبالى».
لكنك لن تصل بالبحث عن حياة الرجل إلى معلومة تغنيك.. لن تعرف أكثر من أنه منشد عاش حياته مادحاً النبى وآل البيت.. ولا أحد يعرف عن الرجل أكثر من هذا، وكأنه لا شىء فى حياته يهم غير فنه الذى وهب عمره له، وتصوفه الذى جذب روحه حتى يوم وفاته منذ بضع سنوات.
وبمجرد ذكر اسمه تجد السامع يقول: «الله يرحمك يا عم الشيخ إبراهيم»