«سوق السمك فى القنطرة»: «هنا الطازة.. اليوم بيومه»
مواطنون يقبلون على شراء السمك الطازج
شارع مزدحم بالسيارات والمارة، يقطعونه طيلة اليوم، مجيئاً وذهاباً، ضجيج مستمر يعيشه الشارع، ما بين مناداة البائعين على بضائعهم، وبين أصوات الميزان التى تصطك كفاته عند الوزن، أصوات عديدة متداخلة مع بعضها البعض، وروائح تنبعث من كل مكان فى الشارع.. هنا «سوق السمك».. أكبر الأسواق الموجودة فى دمياط، لبيع السمك بأنواعه المختلفة.
«اللى يصلى على النبى يكسب».. عبارة يرددها البائعون فى سوق السمك مرات ومرات، ليجلبوا الزبائن إليهم، ومن ثم يرفعون أصواتهم بأسعار السمك المعروض على طاولاتهم.
البيع يبدأ فى الثامنة صباحاً.. والسبت الأقل فى البيع.. و«عزبة البرج» و«شطا» المركز الرئيسى للحصول عليه بالجملة
بقميص وبنطلون، جلس أيمن البشر، بملامح تدل على كسره حاجز الخمسين من عمره، على كرسى خشبى، تحت مظلة تحميه من أشعة الشمس المسلطة عليه، أمام طاولة تكتظ بأنواع السمك المختلفة فى الأحجام والأشكال، وبجانبه ولداه يساعدانه فى عملية البيع: «إحنا من مؤسسين سوق السمك، الشغلانة دى ورثناها أباً عن جد، وماعرفش أشتغل شغلانة تانية غيرها».
40 عاماً، هى المدة التى قضاها «أيمن» بعمله فى سوق السمك، بائع سمك: «من يوم ما جيت على الدنيا وأنا شايف أبويا وجدودى شغالين بياعين سمك فى السوق، ومن صغرى أبويا كان بياخدنى معاه السوق وهو شغال عشان أتعلم أقف فى السوق وأبيع للزباين».
«عزبة البرج»، و«شطا» هما المركز الرئيسى للحصول على السمك طازج بالجملة، وذلك على حد تعبيره: «بنروح بنفسنا لحد عزبة البرج، وقرية شطا، عشان نشترى السمك بالجملة، ونرجع بيه على السوق ونبيعه بالقطاعى للزباين والتجار كمان».
«السمك هنا فى السوق بنجيبه طازة اليوم بيومه، مفيش حاجة بتبات عندنا»، قالها «أيمن» بصوته الأجش، حين حديثه عن السمك المعروض على طاولات السوق.. و45 جنيهاُ هو سعر الكيلو الواحد من السمك البورى، عند «أيمن»، فيما سجل الكيلو الواحد من السمك البلطى 25 جنيهاً: «السمك اليومين دول أسعاره كويسة مش عالية قوى، سعرها معقول».
وعن الإقبال فى السوق، قال «أيمن»: «رغم إن أسعار السمك كويسة، لكن برضه حركة الناس على السوق قليلة مش كتيرة زى زمان، الزبون ربنا يكون فى عونه، ويقدره على إللى هو فيه».
«أيمن»: «إحنا من مؤسسين السوق.. ورثنا الشغلانة أباً عن جد» و«بكرى»: «ده ورث أبويا اللى سابهولى ودى أكتر حاجة أفهم فيها»
يوم السبت، هو اليوم الأقل مبيعاً فى سوق السمك، وذلك على حد قول «أيمن»: «السوق بيكون مفتوح كل يوم، حتى يوم الجمعة، لكن يوم السبت بتكون الدنيا نايمة على الآخر، وبنكون عارفين إن مفيش زباين يوم السبت، عشان بيكون أغلب الدمايطة طابخين يوم الجمعة».
5 أفراد هم عدد العمال الذين يساعدون «أيمن» فى عملية البيع بالسوق: «اتنين من اللى شغالين معايا ولادى، وتلاتة أغراب عنى»، وانتهى من حديثه بقوله: «الأسعار لما بتزيد بتزيد على البايع والشارى، والحال بيقف على الكل، ربنا يسهلها».
بملابس مهندمة، وقف أحمد البدرى، 30 عاماً، أمام أحد الباعة، ليشترى كمية من السمك، تكفيه ليومين، بدلاً من نزوله السوق مرتين متتاليتين، وذلك على حد قوله: «متعود من زمان أشترى السمك من هنا، لأن ده السوق الأساسى فى دمياط، والسمك فيه غير أى سمك فى سوق تانى».
أحمد البدرى ابن دمياط، يعمل فى مجال الموبيليا، متزوج ولديه ولد وبنت: «عندى ولد فى سنة أولى ابتدائى، وبنتى عندها سنتين، وعايش فى الشهابية، وأسعار السمك فى السوق هنا كويسة، هى مش زى الأول، بس الحمد لله ماشى الحال».
وقال «أبومحمد»، أحد الزبائن بسوق السمك، مرتدياً بنطلوناً وقميصاً، وتعلو رأسه طاقية ارتداها لتحميه من أشعة الشمس، إنه يأتى إلى السوق يومين فى الأسبوع، وذلك لعدم حب أولاده للأسماك بمختلف أنواعها، وذلك على حد تعبيره: «ممكن آجى سوق السمك يومين بس فى الأسبوع، وأوقات يوم واحد، لأن عيالى مش بيحبوا أكل السمك، يعنى كل فين وفين لما يطلبوا ياكلوه».
وأضاف الأربعينى أنه متزوج، ومن سكان منطقة الشهابية فى دمياط، ولديه ولدان وبنت، أكبرهما فى الصف الأول الثانوى، وأصغرهما فى الصف الثانى الابتدائى: «ابنى الكبير فى 1 ثانوى، وبنتى الصغيرة فى 2 ابتدائى، والتلاتة ما بيحبوش ياكلوا سمك».
عدم إقبال «أبومحمد» على سوق السمك بشكل دائم جعله غير مدرك لارتفاع أو انخفاض أسعار السمك بالسوق: «مش باخد بالى من الأسعار إذا كانت زادت أو نقصت، لأنى مش باجى على طول، ولما باجى أشترى بشترى كيلو واحد ونوع واحد بس من السمك».
بجسد نحيل، ووجه يميل للاسمرار، وقف العشرينى سامح أحمد، مرتدياً «تيشرت وبنطلوناً»، يتضح عليها أنها ملابسه المخصصة للعمل، أمامه طاولة حديدية، موضوع عليها وعاءان كبيران فى الحجم، أحدهما يحوى بداخله «السمك» الذى قام «سامح» بتنظيفه وحشوه بالبصل والطماطم والفلفل، والآخر يحوى بداخله «الردة»، يقوم «سامح» بوضع السمك فى الردة، ثم أخذه ووضعه فى الفرن، المكون من صاج مستوٍ، يشعل النار من تحته.. وبضع دقائق، هى المدة التى يستغرقها فى تسوية السمك، وإخراجه من الفرن.
ثلاث سنوات، هى الفترة التى قضاها «سامح» فى العمل فى الفرن: «مالقتش شغلانة غيرها أشتغلها، أنا من الصعيد، وجيت عشت فى دمياط فى شقة مفروشة، ونزلت اشتغلت فى الفرن، عشان أقدر أصرف على نفسى فى الغربة».
فى الثامنة صباحاً يخرج من منزله، متجهاً إلى عمله فى سوق السمك، يقضى يومه بين تنظيف وتجهيز السمك والشوى، ثم ينتهى من عمله فى الخامسة مساءً، عائداً إلى منزله، ليكرر يومه كل صباح.
على بعد أمتار قليلة، بعيداً بعض الشىء عن تمركز بائعى السمك، توجد بوابة خشبية فُتحت على مصراعيها، تنتهى بفرن كبير، من الطوب الحرارى، يقف أمامه محمد كامل، فى العقد الرابع من عمره، بوجه نحيل، يتصبب عرقاً من شدة الحرارة المنبعثة من الفرن، يوجد أمامه طاولة كبيرة من الرخام، موجود على جانبها الأيسر كمية من الخشب التى يستخدمها «كامل» كوقود للفرن، وعلى الجانب الآخر استقر عدد كبير من الشنط البلاستيكية المعبأة بالأسماك، وضعها أصحابها أمامه، منهم من انتظر داخل الفرن جالساً على المقاعد الخشبية المتراصة على جانبى المحل، ومنهم من خرج ليكمل عمله، ثم يعود بعد الميعاد الذى قدره «كامل».
«بقالى أكتر من عشرين سنة شغال فى الفرن، وارثها أباً عن جد، ومتعود على الوقفة قدام الفرن صيف وشتاء من صغرى»، قالها «كامل» بملامح يكسوها الفخر بعمله: «الفرن ده من الطوب الحرارى، والخشب ده بنجيبه من الورش، بالشيكارة من أصحابها»، وأشار «كامل» إلى ارتفاع أسعار شيكارة الخشب: «زمان كنا بنجيب الخشب من الورش بفلوس قليلة، لكن دلوقتى بنشتريه بسعر عالى، يعنى ممكن الشيكارة تقف علينا بـ20 أو 30 جنيه».
«مطرحة، وقطعة قماش»، هى الأدوات التى يستخدمها «كامل» فى عمله: «بحط السمك على المطرحة، وأدخله الفرن، وبعدين أخرجه أقلبه على الوش التانى وبعد كده ألفه فى ورق للزبون».
مكتب وكرسى خشبى، جلس عليهما فكرى البشر، بوجه مستدير، طاله الشيب، تدل ملامحه على كسر حاجز الخمسين من عمره، بجانب اثنين من محلاته، أحدهما لبيع الأسماك الطازجة، والآخر مخصص لشوى الأسماك، فيقول «فكرى» بصوته الأجش: «من زمان قوى وأنا موجود فى السوق، ده ورث أبويا اللى سابهولى، ودى أكتر حاجة أفهم فيها».
وأشار «فكرى» إلى أن أجداده هم من مؤسسى سوق السمك فى دمياط، وذلك على حد قوله: «عيلة البشر من أكبر العائلات الموجودة فى سوق السمك من زمان، وأشهر محلات تبيع سمك».
«زبون القنطرة معروفين، لأنهم ما بيشتروش سمك غير من هنا»، قالها «فكرى» عند حديثه عما يميز سوق السمك فى القنطرة عن غيره من أسواق دمياط: «السوق هنا الأصل، فيه تجار وأصحاب محلات بييجوا يشتروا مننا ويبيعوا بالقطاعى».
«تيشرت وبنطلون جينز»، وقف بهما ماهر البشر، فى أوائل الثلاثينات، أمام طاولة السمك، بمحله الكبير، الذى يستقر فى المدخل الرئيسى لسوق السمك، فيقول: «أنا موجود فى السوق من وأنا عندى 10 سنين، كنت بنزل مع أبويا، ودلوقتى بقيت ماسك المحل، ومشغل ناس تحت إيدى»، مضيفاً أن حركة البيع والشراء داخل السوق جيدة إلى حد ما: «الدنيا ماشية الحمد لله، هو مش زى زمان، بس أهو أحسن من مفيش، ربنا ييسر الحال».
الباعة ورثوا المهنة عن آبائهم
الردة تغطى السمك قبل الشواء