«عزبة البرج».. منها تخرج مراكب الصيد وإليها تعود
مئات المراكب ترسو على جانبى ممر عزبة البرج
ممر ضيق، تنتشر على جانبيه دكاكين كثيرة، متراصة بجوار بعضها البعض، تنبعث منها روائح نفاذة، طاولات خشبية متراصة هنا وهناك، وألواح من الثلج المتراكمة أمام أبواب هذه الدكاكين، أفراد تتحرك من مكان لآخر، عربات نصف نقل، تحمل عليها الطاولات والصناديق البلاستيكية المعبأة بالأسماك الطازجة، موضوع عليها قطع من الثلج، لتحميه من الفساد، بنهاية هذا الممر، تستقر مراكب الصيد، بطول الشاطىء، بداخلها الصيادون العائدون من رحلة صيدهم، التى أشرفت على الـ20 يوماً.
بهذه الملامح بدت «عزبة البرج» فى دمياط، مصدر الأسماك الطازجة، وبمثابة «حلقة السمك» هناك، فمنها يخرج الصيادون بمراكبهم، وإليها يعودون بما اصطادوه من البحار، ليبدأوا عملية البيع بالجملة داخل العزبة.
«البراوى»: «لدينا أكبر أسطول بحرى.. والمزاد بيبدأ من الفجر.. والعزبة شغالة كل يوم.. والجاز لما سعره يزيد السمك سعره بيزيد»
مع فجر كل يوم، وقبل شروق الشمس، يقف كل صياد أمام مركبه، ليعرض طاولات مختلفة الأشكال والأحجام، مكتظة بأنواع الأسماك، ويبدأ كل واحد منهم فى المناداة على الزبائن من التجار، الذين سيشترون منهم بالجملة، ثم يذهبون به إلى الأسواق، لبيعه مرة أخرى بالقطاعى.
ساعات قليلة يستغرقها الصيادون والتجار داخل عزبة البرج، صباح كل يوم، للانتهاء من عملية «المزاد» كما يصفها رجال العزبة، وعندما تدق عقارب الساعة معلنة قدوم السادسة صباحاً، تنتهى معها عمليات البيع والشراء، داخل العزبة، ويعود كل صياد إلى مركبه، ليعيد رحلته من جديد، ليتكرر ما فعله فى يومه.
بأحد الدكاكين الموجودة فى العزبة، والمكون من طابقين، جلس «على شهاب البراوى»، فى أواخر العشرينات، تاجر أسماك، وصاحب مراكب صيد، بملابس مهندمة، ووجه مستدير، فيقول: «أنا بشتغل فى العزبة وأنا عندى 12 سنة، وأعتبر أصغر تاجر وصاحب مراكب فى العزبة كلها».. وتجارة الأسماك، مهنة توارثها «على» عن أبيه وأجداده، فهم من التجار القدامى فى عزبة البرج، وذلك على حد قوله: «أبويا وأجدادى يعتبروا من مؤسسين عزبة البرج، موجودين فيها من زمان، وأنا جيت الدنيا لقيتهم بيشتغلوا فيها». وعن عزبة البرج، قال «على» إنها تعد أكبر أسطول بحرى على مستوى العالم فى تجارة الأسماك، وأكبر مراكب صيد: «70% من الموجودين فى عزبة البرج صيادين، ولو مركب الصيد وقفت يوم، ما يلاقوش ياكلوا، لأن ده بيكون مصدر رزقهم الوحيد، لو ضاع مش هيعرفوا يشتغلوا شغلانة تانية، هى دى شغلانتهم من ساعة ما اتولدوا».
أعداد كثيرة من الأفراد تكون موجودة على مراكب الصيد أثناء رحلتها فى البحر، وذلك على حسب حجم المركب: «ممكن يوصل عدد الصيادين فى المركب الواحدة إلى 10 صيادين، وده حسب المركب وحجمها، لأن فيه مراكب صيد ممكن تقعد فى البحر من 6 شهور لسنة كاملة، فلازم تكون متمولة كويس».
تمويل مراكب الصيد عند خروجها من عزبة البرج، لحين وصلها إلى مكان الصيد والعودة منه، يصل إلى 20 ألف جنيه، وذلك على حد قوله: «المركب عشان تتمول قبل ما تروح تصطاد، ممكن تمول لحد 20 ألف جنيه، وممكن أكتر، وده على حسب المركب والمدة اللى هيقعدها الصياد فى المركب».
وأرجع «على» ارتفاع أسعار السمك إلى ارتفاع أسعار الجاز، وذلك على حد تعبيره: «الجاز كل لما سعره يزيد، السمك سعره يزيد، لأن الصياد بيبقى غصب عنه لازم يزود السعر عشان يعوض الزيادة».
كمية الأسماك اللى بنطلعها فى العزبة بتتوقف على احتياجات السوق، والأسعار تتحدد أيضاً على حسب كمية السمك الموجود فى السوق: «كل ما يكون السمك كتير فى السوق، كل ما يكون السمك سعره قليل، والعكس».
وانتهى «على» من حديثه بقوله: «العزبة شغالة كل يوم، والسمك موجود كل يوم، ماعدا يوم الجمعة، وربنا بيسر الدنيا، الحمد لله على كل حال».