يقولون إن الابتسام يطيل العمر، وتشير دراساتهم إلى أنها تحرك 17 عضلة فى وجه الإنسان، ويقولون أيضًا إنها لغة عالمية ويمكن للإنسان أن يتعرف على ابتسامة من حوله من بعد 300 قدم، وفق كتاب "الفكاهة والضحك: رؤية جديدة"، لمؤلفه دكتور عبدالحميد شاكر، لكنه حالة فريدة، لم يبد أن المؤلف درسها، هل نظر إلى وجهه المنحوت، عبوسه الضاحك، فمه المفتوح دوما عن ابتسامة أو اندهاش، التجاعيد المحفورة بحكم السن أو الهم، كلاهما سواء، والسيجارة التى لم تفارقه إلا "على كبر" حين أضحى "النيكوتين والحشيش" فيه سم قاتل يهدد حياة "الفاجومي".
لم تعد هناك حياة، رحل صاحبها، لكنه رحيل كالبقاء، مادي فقط، ليس صحيحًا أن أحمد فؤاد نجم رحل، أشعاره وأعماله ونكاته وتغريداته باقية، وقبلها روحه، تلك التي اعتادها كل من صادقوه، بسطاء ونُخب، فقراء وأغنياء.
صوت البسطاء، هكذا قدمه "سيد عنبة"، شاعر العامية وأحد أصدقاء الراحل، يعتبره مسؤولًا مباشرًا عن "رفع الروح المعنوية في الشارع المصري في حرب 1973"، فرغ من جنازته، لكنه لم يفرغ من أشعاره، أخذ يرددها بعدما واراه الثرى متذكرًا الحالة التي صنعها الراحل في أعقاب الحرب "دولا مين ودولا مين.. دول عساكر مصريين".
في كتاب الذكريات الذي يحمله عنبة، فصل كامل عن علاقة الفاجومي بسابقه فى الرحيل الشيخ إمام "خرج نجم من السجن عام 1962 التقى بالشيخ إمام الذى صار رفيق الطريق وتلازم مصيرهما في الفن والنضال والحياة، وعبرا معًا عن تطلعات قوى التغيير في المجتمع بالشوارع والمصانع والجامعات، حيث تلازمت أشعار نجم مع غناء إمام لتعبر عن روح الاحتجاج الجماهيري الذي بدأ بعد نكسة يونيو 1967، وكان نتاجها "الحمد لله خبطنا تحت بطاطنا" فهي أول أغنية مصرية على الإطلاق تجرؤ على السخرية من الرئيس عبدالناصر.
"المعتقل" هو المرحلة الأكثر أهمية في حياة الفاجومي، حسب رواية عنبة، سواء أكان في عهد عبدالناصر أو السادات، كلاهما أفضى إلى النتيجة نفسها "ثورة شعرية في الكلمة واللحن".
"انتشرت قصائد نجم التي لحنها وغناها الشيخ إمام كالنار في الهشيم داخل وخارج مصر"، فكثر عليها الكلام واختلف حولها الناس بين مؤيدين ومعارضين، في البداية استوعبت الدولة الشيخ وفرقته وسمحت بتنظيم حفل في نقابة الصحفيين وفتحت لهم أبواب الإذاعة والتليفزيون، لكن سرعان ما انقلب الحال بعد هجوم الشيخ إمام في أغانيه على الأحكام التي برأت المسؤولين عن هزيمة 1967، فتم القبض عليه هو ونجم ليحاكما بتهمة تعاطي الحشيش عام 1969، القاضي أطلق سراحهما، لكن الأمن ظل يلاحقهما ويسجل أغانيهما حتى حكم عليهما بالسجن المؤبد ليكون الشيخ أول سجين بسبب الغناء في تاريخ الثقافة العربية، حسب "عنبة".
مشواره الطويل المليء بالنجاح ومحطات النضال الشعبي والوطني، بدأه نجم من قرية كفر أبونجم، التابعة لمركز أبوحماد عام 1929، سنوات قلائل مكثها فؤاد نجم في محافظة الشرقية.. انتقل بعدها من الريف إلى عشوائيات وشعبيات العاصمة، "نجم" نمت موهبته وانحازت لقضايا فقراء القوم، فكان نموذجا لهم وأشعاره وصفًا لمعاناتهم.
في حارة "حوش قدم" بمنطقة الغورية تعرف "نجم" على البندر، حيث عاش وتزوج وكتب وناضل داخل أحد بيوت الحارة الشعبية بصحبة الشيخ إمام والمطرب محمد علي، بعد سطوع نجمه آثر "شاعر العامية" البقاء في صفوف الفقراء ومشاركتهم حاجتهم، من مسكن متواضع بحارة "حوش قدم" ارتقى فؤاد نجم وصعد إلى المقطم "حى الأغنياء"، لكنه اختار أفقر مناطق الحى، بين "بلوكات" مساكن الزلزال على أطراف الحى الراقى اختار نجم محطته السكنية الثانية على السطوح بين المنكوبين والمحتاجين -بحسب أحمد بهاء الدين شعبان- الصديق الأقرب لفؤاد نجم، مضيفا: "عاش واقع المصرى الفقير بداية من حياته فى الملجأ بعد موت والده، ثم السجن لحد دفنه وسط الغلابة اللى عاش يدافع عن حقوقهم".
تعليقات الفيسبوك