إنجيل وصليب وساعة يد وذكرى أليمة.. ما تبقى من ذكرى الشهيد «عايد» الأب الحنون صاحب السيرة الطيبة
ملابس الشهيد يوم الحادث الأليم
رائحة الشهيد «عايد حبيب»، تفوح فى كل شبر بمنزله المتواضع بقرية «دير الجرنوس»، بمركز مغاغة فى المنيا، جمع نجلاه «ماركو ومينا»، كل متعلقاته الشخصية التى كان يرتديها فى يوم حادث استشهاده وهو فى طريقه إلى مكانه الروحى المفضل «دير الأنبا صموئيل المعترف»، غرب مركز العدوة، ليتطوع مع آخرين لصنع أجراس الكنائس.. «جلباب وساعة يد وإنجيل وصليب»، وضعها الطفلان داخل مقصورة من الخشب والزجاج داخل غرفته، لا يمر يوم إلا ويقف أمامها الطفلان اللذان شهدا الحادث الأليم، ليتذكرا آخر لحظات جمعتهما بالأب الحنون، حتى ماركو فضل أن يضع جلبابه الملطخ بدماء الشهداء الأبرياء بجوار جلباب أبيه.
هناء يوسف ميخائيل، زوجة الشهيد عايد حبيب، تولت مسئولية أبنائها بعد استشهاد زوجها، تعتنى بأطفالها «رانيا، حاصلة على دبلوم، ريهام طالبة بالدبلوم، ماركو بالمرحلة الإعدادية، ومينا بالابتدائى» وشعرت بفراغ كبير بعد رحيله رغم حضور سيرته بشكل يومى «لا يمر يوم واحد دون الحديث عن سيرته الطيبة، خاصة ابنتى الكبيرة رانيا، فهى كانت مرتبطة به جداً، فمنذ أن كان يعمل زوجى فى ليبيا من عام 1992 وحتى عام 1998، كنا نشعر بالحرمان منه، وعقب عودته اشترى سيارة ربع نقل كان يعمل بها فى مزارع الدواجن، وكانت حياته الروحية كلها يقضيها فى دير الأنبا صموئيل، حيث كان يتطوع لصنع أجراس الكنائس هناك، ورغم مرور عام على استشهاده ما زال ابناى ماركو ومينا اللذان شهدا الحادث يذكران ما حدث تفصيلياً».
«ماركو» نجل الشهيد: أذكر أشكال وملامح الإرهابيين جيداً ولو وقفوا أمامى لعرفتهم جميعاً.. و«هناء» زوجته: لا يمر يوم دون الحديث عنه مع ابنتى لأنها كانت متعلقة به جداً
وأضافت: «جمعت كل متعلقات زوجى ووضعتها فى مقصورة خشبية بغرفته، وتشمل جلبابه الذى كان يرتديه كثيراً، وهاتفه المحمول وساعة يد وصليب وكتاب مقدس، إضافة إلى جلباب ابنى ماركو الملطخ بدماء الشهداء الأبرياء، حيث كان أول من حمل والده ووضعه فى داخل السيارة بعد أن أطلق الإرهابيون النار عليه، وكان لا يزال حياً وروحه لم تصعد للسماء، ورغم كل الأسى وألم الفراق لكننى أشكر هؤلاء الإرهابيين الذين كانوا سبباً فى صعود زوجى للسماء شهيداً لينال هذه المرتبة العالية، وأطلب من المسئولين أن يقيموا كنيسة تحمل أسماء هؤلاء الشهداء تكريماً لهم كما حدث مع شهداء قرية العور فى مركز سمالوط، وقبل أيام قمت بزيارة كنيستهم ومزارهم الخاص بعد وصول رفاتهم، وأتمنى أن يتم إنشاء مثلها هنا فى قرية دير الجرنوس».
«مينا» أصغر أبناء الشهيد، عاد بذاكرته إلى الوراء وتحديداً يوم الحادث «لن أنسى أبداً هذا اليوم، حينما كان شقيقى ماركو متردداً فى الذهاب مع والده لدير الأنبا صموئيل، يوم الحادث الأليم حتى إن والدتى طلبت منه المكوث فى المنزل، وفى يوم الحادث كنا نستقل السيارة مع والدى، وفور وصولنا للأوتوبيس الذى تعرض للهجوم، تم استيقاف السيارة بمعرفة الإرهابيين وكان عددهم نحو 10 معظمهم شباب، يحملون أسلحة، أحدهم طلب من أبى الاطلاع على بطاقة الشخصية، ونظر إليها وقال «أنت مسيحى»، انطق الشهادة وحينما رفض أبى رموه بالرصاص، وعقب ذلك تقدم أحدهم نحوى وكاد يطلق علىّ الرصاص غير أن أحد زملائه الإرهابيين قال له «بلاش الطفلين»، ومن وقتها وأنا أخاف الجلوس بمفردى فى أى غرفة لأننى أتذكر المشاهد الأليمة، وأشعر بالرعب».
يواصل «ماركو» تذكر يوم الحادث قائلاً: «أذكر أشكال وملامح الإرهابيين جيداً ولو وقفوا أمامى لعرفتهم جميعاً، فما إن وصلنا للمدق الجبلى المؤدى للدير بسيارة أبى، كان يقف على أول المدق الشهيدان جرجس وكيرلس ركبا معنا سيارة أبى، وتم توقيفنا فى منتصف الطريق، والهجوم على الجميع، فقمت بقيادة سيارة أبى بعد أن فر الإرهابيون فى الصحراء، ووجدت نفسى مضطراً أن أتصرف، الجميع ما بين شهيد ومصاب ولا يستطيع أحد التحرك، باستثناء أنا وشقيقى مينا، فالتقطت هاتف أبى ووجدته دون شبكة وكان الرصيد بهاتفى قد نفد، فتحركت بالسيارة حتى ألتقط شبكة محمول وأجريت اتصالات بالجميع وأولهم أمى، حتى حضروا تباعاً وكان الجميع قد استشهد، وأبى يحتضر»، وأضاف: «كنت أساعد أبى فى صنع أجراس الكنائس، وأشارك معه فى جمع العمال واستدعائهم من منازلهم قبل الذهاب للدير، وورثت عنه هذه المهنة، وما زلت أباشرها للحفاظ عليها لأننى أعتز بها، وأيضاً لا أقصر فى دراستى خاصة أننى فى مدرسة خاصة ألحقنى بها مطران مغاغة الأنبا أغاثون».