حكاوي العراب| "يوتوبيا".. واقع قاس يصيغه "العراب" بحواسه
يوتوبيا
يخط بقلمه فكرة جاءته بينما يدخن التبغ الذي عشقه حد الإدمان، يجلس العراب منكفأ يُعِد الكلمات، يكون السطور والفقرات في تناغم زين معظم كتاباته، لتأتي إحداها تقدم تصورًا مبسطًا وشيقًا وقاسيًا عن مستقبل قال عنه سيحدث قريبًا خاصة مع ظهور ملامحه حاليًا، صاغه الدكتور أحمد خالد توفيق منذ عدة سنوات، فكانت "يوتوبيا"، الرواية التي صدرت في 2008، ولا يزال يضرب بها الأمثال بعد 10 سنوات من كتابتها، ومع بناء كل "كومبوند" جديد بأسعار خيالية.
الرواية أقرب إلى المثل المصري الدارج "نقسم البلد نصين"، عند اختلاف الأشخاص فيما يتناقشون هكذا بمنتهى البساطة ينقسم الأمر، وهو ما ذهب إليه أحمد خالد توفيق، عندما تحسس تجبر الأغنياء في غناهم، ووحشة الفقراء في "حواريهم"، فلابد حينها إذا أن تنقسم البلد لتساع الكل، جزء مرفه يحرسه المارينز، ويعيش حياة الترف واللاشيء في الساحل الشمالي، بينما تركت معظم البلد للفقراء ينهشون فيها لحم بعضهم بعضا.
"ليست الثقافة دينا يوحد بين القلوب ويؤلفها، بل هى على الأرجح تفرقها؛ لأنها تطلع المظلومين على هول الظلم الذى يعانونه، وتطلع المحظوظين على ما يمكن أن يفقدوه".
كانت "يوتوبيا" تشبه البلدة الصغيرة، بها منطقة مدارس، ومنطقة الحدائق، ومنطقة دور العبادة تحتوي مساجد وكنائس، وكان هناك مجمع الرياضات، لكن على الرغم من ذلك شعر سكانها بأنهم المحبوسين وليس من في الخارج، فهم من يحاوطهم الأسوار، ويمنع خروجهم إلى العالم الغوغائي الفقير، يمنع مرور أحد إليهم دون تصريح، يعيش مراهقي يوتوبيا حياة الترف، فما أن يصل الفتى عمر الـ16 عاما حتى يكون مفعم بالتجارب وتعلم كل الخبراء، مارس الجنس، تعاطى المخدرات، أدمن التدخين، تناول الكحوليات، شبع من الطعام والشراب فيبدأ البحث عن "الصيد"."الخروف الذي يفكر، يصير خطرا على نفسه وعلى الآخرين".
جاء وصف جريدة "الإندبندنت" البريطانية للرواية بأنها "تحفة صغيرة"، وتحدت القراء أن يشرع أحد في قراءتها وتركها دون تكملة، ففيها يتحدث الكاتب عن هواية الأغنياء الجديدة، والتي تتمثل في صيد الفقراء، وتعذيبهم واللعب بهم مع أصدقائهم ثم قتلهم مع الاحتفاظ بجزء من جسد الفقير للتباهي به وسط الأصدقاء، مغامرة يخرج فيها الغني من أسوار منطقة "يوتوبيا" العملاقة، ويراوغ أهله وجنود المارينز لأجل الوصول لشبرا، ورؤية بشر يرى نفسه متفوقا عليهم.
أما مصر الواسعة الموجودة خارج حدود "يوتوبيا"، ضاقت بفقرائها، فكانت تعيش في ضنك وفقر وجوع، يأكلون الكلاب ويتناولون الخمر الرخيص بشراهة، كانت مثار سخرية الأغنياء، الذين استكبروا مناداتهم بالبشر فأطلقوا عليهم "الأغيار".. "ليس فقركم ذنبنا! ألا تفهمين بعد أنكم تدفعون ثمن حماقتكم وغبائكم وخنوعكم؟ عندما كان أباؤنا يقتنصون الفرص".
أحداث الرواية معظمها عن قصة صيد، خرج فيها شاب وفتاة من "يوتوبيا" بحثا عن شاب من "الأغيار" بهدف التسلية، وعند المفارقة، قتل الغني الفقير واغتصب الفتيات وسرق، لكن عندما حانت الفرصة للفقير رغم انعدام تعليمه، وحاجته الشديدة لكل ما يشعره بالحياة وهو بين براثن الموت، لم يفقد انسانيته ورفض اغتصاب الغنية، وقتل شريكها.. "لا يتحمل الحياة بلا أحلام.. منذ طفولتي لم أجرب العيش بلا أحلام.. أن تنتظر شيئًا.. أن تُحرم من شيء.. أن تغلق عينيك ليلًا وأنت تأمل في شيء.. أن تتلقى وعدًا بشيء".