المفتي: اللامذهبية من أشد الأفكار خطرا على الأمة
د.شوقي علام - مفتي الجمهورية
قال الدكتورشوقي علام مفتي الديار المصرية، إن اللامذهبية من أشد الأفكار خطرا على الأمة؛ فإنها طريق ممهد لنشر الاهتزاز والسطحية بين عموم أفرادها، وسبيل مباشر لبث عوامل الحيرة بين شبابها".
جاء ذلك في الحوار اليومي الرمضاني في برنامج "مع المفتي" المذاع على "قناة الناس"؛ مستهلا رحلة إيمانية جديدة للرد على من ينادي بالتحرر من المذاهب الفقهية مؤكدا أنها هي تلك الآراء التي تركها لنا كبار الأئمة واعتنى بها تلاميذهم، وفصلوا القول فيها، وعملوا على توضيح آراء أئمتهم والانتصار لها عن طريق دعمها بطرق الاستدلال المختلفة.
وأشار مفتي الجمهورية، إلى أن هذه المذاهب قد نشأت على أيدي أئمة عظام لا يختلف على علمهم أو تمكنهم من أدوات النظر والاستدلال والاستنباط، وقد قيض الله تعالى لهؤلاء الأئمة التلاميذ النجباء المخلصين الذين شاركوا أئمتهم في إقامة بنيان هذه المذاهب ونشرها في مختلف الأقطار والأرجاء، واستمرت هذه المذاهب حتى يومنا هذا تحفظ على الناس دينهم، وتحفظ علم الفقه حيا نابضا متفاعلا مع مستجدات العصر وتطور الزمان وفق أصول شرعية وضوابط علمية، ما كان لنا أن نحتفظ بها طيلة هذه القرون لولا وجود المذاهب الفقهية في الأمة وعلى مدى اتساعها.
وفرق المفتي بين مصطلحي المذهبية واللامذهبية قائلا: "إن المذهبية هي أن يقلد العامي أو من لم يبلغ رتبة الاجتهاد مذهب إمام مجتهد، سواء التزم واحدا بعينه أو عاش يتحول من واحد إلى آخر، مضيفاً: «أما اللامذهبية: فهي عدم تقليد مذهب معين بالرجوع إلى المصادر الأصلية، وهو أمر طيب ولكن لا يقدر عليه إلا من قدر جهود أصحاب المذاهب وتمكن من ضوابط العلم الشرعي وأدواته».
وأوضح أن الصحابة رضوان الله عليهم قد تلقوا أحكام الشرع الشريف من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانوا يفهمون مراده ويطمئنون إلى ما يفعلون بسبب قربهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجود القرائن والأمارات الدالة على تحديد المراد من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، بل اجتهدوا في عصره وفى حضرته ولم يعترض عليه السلام على اجتهادهم، بل قد شجعهم ودربهم كما فعل عليه السلام مع اجتهاد سيدنا معاذ عندما أرسله إلى اليمن، وكذلك فعل مع اجتهاد سيدنا عمار في التيمم، وبذلك يكون سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أول من وضع بذور الاجتهاد وشجع عليه لإدراكه صلى الله عليه وسلم أن الأمة تحتاج الاجتهاد بعده.
وأشار المفتي إلي أن الاجتهاد سنة كونية من عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد تصدى للاجتهاد عدد كبير من الصحابة اشتهر منهم ستة، وتبعهم الكثير من التابعين اشتهر منهم الفقهاء السبعة، ثم ظهرت المذاهب الفقهية واشتهرت منها المذاهب الأربعة.
وحذر «علام» من دعاوى بعض الشباب المتحمسين الذين قرءوا عدة كتب ثم يطالبون بأفكار ناقصة ومتسرعة بنبذ هذه المذاهب وإطلاق العنان لكل أحد في النظر المباشر إلى نصوص الكتاب والسنة مباشرة واستنباط الأحكام منهما، متوهمين أنهم رجال والعلماء أصحاب المذاهب رجال.
واستشهد المفتي بآراء بعض العلماء كالشيخ زاهد الكوثري الذي حذر من التفلت من العناية والاهتمام بالمذاهب الفقهية موضحا أن المذاهب الفقهية من العلامات البارزة في تاريخ الفقه الإسلامي، والركن الركين الذي حافظ على هذا العلم وفق معايير ثابتة وواضحة على مدى القرون الطويلة.
واختتم حواره بالحديث عن الدور الذي قدمته المذاهب الفقهية قائلا : "إن هذه المذاهب حفظت لنا الدين وحملت عنا عبء النظر والاستدلال الذي يستغرق سنوات وسنوات من الجهد المضني والتعب الشديد، وحفظت علينا العبادات والمعاملات وكل شئون الحياة نؤديها ونحن مطمئنون إلى صحة ما ورد إلينا من أقوالهم فيها مع ما اشتملت عليه من اختلاف في طرق الاستدلال وتباين وجهات النظر، وكل هذا لا يمنع من التفاعل مع ما يقع من حوادث ومستجدات، فهذه المذاهب تركت لنا المناهج التي تتيح لنا التعامل مع الواقع وفق مراد الشرع الشريف".