الزوجان «محمد وأسماء» أسسا ورشة لصناعة «آلة السمسمية»: النهار للشغل.. والليل للغناء ورقص البمبوطية مع الأصدقاء
«محمد» صانع السمسمية
خلف سوق السمك والخضار بحى العرب، اختار محمد غالى موقع متحفه الصغير وورشته التى خصصها لتصنيع آلة السمسمية، واختار اسم «التراثية» عنواناً للورشة، بينما يستعرض فى المتحف تاريخ أشهر من عزفوا وألفوا أغانى السمسمية فى بورسعيد، ويضم أنواع وأشكال الآلة التراثية، منذ أن عرفها أهالى القناة والتطور الذى شهدته.
المتحف يبعد عن الورشة خطوات، وبها غرفة صغيرة تضم مقتنيات المتحف، تجاورها غرفة أصغر لمكتبه. هنا يقف «غالى»، يشير إلى الصور المعلقة على جدران المتحف، الابتسامة والشغف بعشق السمسمية لا يفارقان عينيه: «دى صورة كامل عيد، مؤسس فرقة (شباب النصر) أيام العدوان الثلاثى على بورسعيد، وكتاب (علم ونغم)»، وينتقل بسبابته إلى الصورة المجاورة ويضيف: «دى صورة أبويوسف، مؤلف أشهر أغنية سمسمية عن بورسعيد (بورسعيد الوطنية دفعوا شهامة ورجولية)، أما الصورة الثالثة فهى لمحمود أبوصير كان شغال فى هيئة قناة السويس وعاشق للسمسمية». وينظر إلى صورة يظهر فيها رجل سبعينى يرقص وفى يده رق ببراعة ورشاقة بابتسامة لا تقل عن ابتسامته، ويقول: «عم حمام نصر، محترف ومشهور بمسكة الرق، واتعرفت عليه أيام ما كان فى فرقة الطنبورة».
أنشآ متحفاً يضم تاريخ الآلة التراثية.. وتخصصا فى تصنيعها.. ويصدران إنتاجهما للخارج.. وكونا صداقات عديدة فى الأردن والسعودية والكويت
ويتذكر «غالى» حكايته مع السمسمية والسبب الذى دفعه لتصنيعها وترك عمله كموظف من أجلها، قائلاً: «كنت أعمل موظفاً فى مصلحة السجون، وبعد مواعيد العمل الرسمية أعمل بورشة نجارة أمتلكها، وفى يوم مرت علىّ سيدة فى ورشتى وأعطتنى سمسمية قديمة مقابل تصنيع رف خشبى لها، أخذت السمسمية وعلقتها على جدار الورشة، وقررت تصنيعها».
ويوضح «غالى» أن آلة السمسمية بدأ يقل وجودها فى بورسعيد منذ 2005، وهو ما زاده إصراراً ليكمل فى مجال تصنيع الآلة، حفاظاً عليها، ولم يقتصر الأمر عليه فقط، فعلّم زوجته الدكتورة أسماء حمودة، أستاذة الهياكل والتشريح بجامعة عين شمس، تصنيع السمسمية الطبق، التى يزداد الطلب عليها فى الدول العربية، وتخصيص ورشة خاصة بها فى المتحف، بعدما تقدمت باستقالتها من عملها كأستاذة جامعية.
بعد أذان العصر بلحظات، كانت الدكتورة أسماء فى ورشتها عاكفة على البدء فى تصنيع دفعة جديدة من «السماسم الطبق»: «طول عمرى بعشق السمسمية وبحب الفن، علاقتى بمحمد بدأت لما كنت برقص فى قصر ثقافة بورسعيد فى فرق الفنون الشعبية وطلبت منه سمسمية وجابها لى، من صغرى بعرف أشد طبق السمسمية، بس محمد علمنى إزاى أصنع الدراع والفرمان، وحالياً بصنع السمسمية كلها لوحدى حتى دهانها وألوانها».
وتضيف أستاذة الجامعة المستقيلة، صانعة السمسمية: «بمارس كل مراحل التصنيع، من أول الميداليات اللى بيتم شد علبتها على أغطية زجاجات المياه الغازية حتى الأطباق الصاج الكبيرة»، لافتة إلى أن هناك عميلة يونانية طلبت عمل السمسمية على سكرية.
وعن قرارها بترك تدريس الهياكل والتشريح بالجامعة، مقابل التفرغ لتصنيع السمسمية، تقول: «ساويت معاشى فى 2015، مفيش فرق كبير بين الهياكل والتشريح وصناعة السمسمية، تقريباً هى هى نفس الأدوات اللى بستخدمها فى التشريح من الشنيور والصاروخ والفارة والأركت»، لافتة إلى أن لديها صديقات كثيرات تركن مجال تخصصهن العملى واتجهن للعمل اليدوى، وتشير إلى أن لها صديقة تركت مجال الهندسة المعمارية، وبدأت تصنع العود، وأخرى تركت مجال الطب وعملت فى مجال تصنيع المخبوزات والحلوى.
«غالى»: حريصون على وجود علامات تدل على أن منتجنا «صناعة مصرية».. و«أسماء»: زوجى علمنى الصنعة
خلال عملها كوّنت «أسماء» علاقات وصداقات فى بلاد عربية، حيث إن منتجاتها من السمسمية الصغيرة مطلوبة فى دول الخليج، خاصة السعودية والأردن والكويت.
لـ«محمد وأسماء» 4 بنات وولدان، مصطفى ابن الـ14 عاماً فقط، هو الذى ورث عشق السمسمية، وبعدما ينتهى الزوجان من عملهما ينضم إليهما الأصدقاء فى جلسات السمسمية التى ينظمونها كل يوم خميس أمام باب المتحف الذى تم إحاطته بسور خشبى صغير يتيح لهم جلسة «سمسمة خاصة» يتجمع فيها الصحبجية، منهم محمد مجدى وأحمد مصيلحى للعزف والغناء، يشاركهم الصغير «مصطفى» الغناء ورقص البمبوطية.
«السانجأ والصحبجى والضمة»، مصطلحات خاصة بالسمسمية يتقنها «غالى» ويشرحها قائلاً: «السانجأ نطلقه على عازف السمسمية، والصحبجى هو الحافظ لكل أدوار السمسمية، والضمة هى الأغانى التى يتم غناؤها دون استخدام السمسمية»، لافتاً إلى أن التفريق بين دور الضمة والسمسمية يظهر جلياً فى الأفراح البورسعيدية، حيث الزفة البورسعيدى التى تتم على أنغام السمسمية وتجوب الشوارع، ودور الضمة يعتمد على الغناء فى الأفراح دون استخدام سمسمية، ويكون المشاركون فى الضمة جالسين على عكس الزفة متحركة.
داخل ورشته، يقف «غالى» أمام طاولة خشبية، ممسكاً بأدواته «شاكوش ومسامير وصاروخ وفارة وأركت»، ويدقق فى مقاسات «العلبة»، أحد المكونات الأساسية لآلة السمسمية، مع «الذراعين والفرمان»، ينفث دخان سجائره فى الهواء، وهو يُحكم صناعة العلبة ليثبيتها على الذراعين، ويقول: «السمسمية عبارة عن 3 مكونات، العلبة ومنها أشكال إما دائرية أو هلالية الشكل، والذراعان ويتم وضع العلبة عليهما، والفرمان الذى يحمل أوتار الآلة».
قبل أن ينتهى «غالى» من تقفيل «السمسمية» يبدأ شرح الفرق بين العلبة الدائرية والهلالية: «اختيار شكل العلبة يتوقف على رغبة العازف، فهناك من يحب سمسميته دائرة مكتملة، وهناك من يحبها هلالية، رغم أنه كلما كانت العلبة مكتملة على الشكل الدائرى، كان صوتها أفضل».
ينتهى الرجل الأربعينى من تصنيع السمسمية وتثبيت الذراعين، ليبدأ تمريرها إلى محمد مجدى، وهو شاب فى بداية العقد الثالث من عمره، يعمل مع «غالى» صباحاً فى تصنيع السمسمية، وينضم إليه فى المساء لمشاركته الغناء والعزف على الآلة، ليقوم بصنفرتها ثم ختمها ورشها حتى تصبح جاهزة للبيع والعزف عليها.
ويعرض «غالى» السماسم التى اختلفت أحجامها وأشكالها والمواد الخام التى دخلت فى تصنيعها، وكان أبرزها السمسمية المصنوعة من الصاج، ويقول عنها: «السمسمية زمان كانت علبتها عبارة عن طبق صاج بيتشد عليه جلد الحيوانات».
«دومان وهلب ومفتاح الحياة وكلمتى بورسعيد والتراثية»، رموز لا تخلو منها سمسمية «غالى»، فبعدما يقوم بتصنيع «السمسمية» لا بد أن يلصق عليها الدومان والهلب فى إشارة لمدينته الساحلية بورسعيد، أما مفتاح الحياة فإشارة إلى مصر وأن الموسيقى هى الحياة، وكلمة «التراثية» ورقم هاتفه. ويضيف: «أغلب شغل السمسمية بيتصدر خارج مصر، خاصة دول الخليج، لذلك قررنا وضع علامات خاصة بمصر على السمسمية (الدومان والهلب ومفتاح الحياة) لتدل على أنها صناعة مصرية».
عشقه للسمسمية أيضاً دفعه للانضمام لإحدى الفرق، وخلال وجوده مع الفرقة، كان العازفون يطلبون منه إصلاح سماسمهم، وبالفعل دراسة النجارة جعلته يقوم بتصليح عيوب السمسمية بشكل علمى جعله محترفاً، ومنذ 2005 وحتى اليوم يقوم «غالى» بتصنيعها تحت اسم «التراثية».
«أسماء» تركت الجامعة من أجل السمسمية
«السمسمية» ألة الفن التراثية فى بورسعيد