المستشار مسعد أبوالسعد: كشف «الخلايا النائمة» للجماعة داخل مؤسسة القضاء أهم مكاسبنا من حكم الإخوان
سنة من الارتباك مرت على المؤسسة القضائية بالإسكندرية خلال حكم المعزول محمد مرسى، بسبب حالة التذمر الشديد التى تملكت أعضاء الهيئات القضائية والموظفين فى الجهاز الإدارى والفنى بالمحكمة والتابعين لوزارة العدل، جراء المحاولات المستميتة لأخونة المؤسسة وإجبار أعضائها على الانحياز طوعاً أو كرهاً للإخوان وتوجيه الأحكام لمصلحتهم.[FirstQuote]
وتزامنت مع تذمر أعضاء الهيئات القضائية، احتجاجات واسعة للنشطاء السياسيين آنذاك، وتظاهرات كثيرة نظمها شباب الثورة أمام أبواب المحاكم، وصفوا فيها المستشار شريف خطاب رئيس المحكمة الابتدائية بالإسكندرية فى عهد المعزول وأثناء تولى أحمد مكى مسئولية وزارة العدل، بأنه إحدى ركائز نظام الإخوان، ويعمل على أخونة محكمة الإسكندرية، خصوصاً بعد رصدهم لقاءاته المتكررة مع حركة قضاة من أجل مصر المحسوبة على الجماعة، ومدحت الحداد مسئول الإخوان فى المحافظة، فى مكتبه بمقر المحكمة.
حاورت «الوطن» المستشار مسعد أبوالسعد رئيس محكمة الإسكندرية الابتدائية الجديد، الذى لم يمر على شغله للمنصب 3 أسابيع.. وإلى نص الحوار..
■ ما أبرز المعوقات التى تواجهك؟ وما حقيقة خطواتك لإزالة آثار محاولات أخونة القضاء بالإسكندرية خلال فترة حكم المعزول؟
- القضاء تأثر مثل كل سلطات ومؤسسات الدولة بفترة حكم الرئيس المعزول، خصوصاً أن النظام السابق جاء بشخصيات تنتمى إلى الفكر الإخوانى ووضعها على رأس المؤسسات، لضمان السيطرة عليها وأخونتها وتوجيهها لمصلحة التنظيم. والآن نحن نحاول إزالة آثار محاولات أخونة المؤسسة القضائية بالإسكندرية، وما ترتب عليه من أزمات أثّرت بشكل بالغ السوء على حقوق المتقاضين والمواطنين البسطاء الذين لا ناقة لهم ولا جمل فى تلك التغييرات.
■ هل كان المستشار شريف خطاب رئيس المحكمة الابتدائية بالإسكندرية السابق، هو رجل الإخوان فى المؤسسة، وعمل على أخونتها كما اتهمه قضاة وثوار؟
- لا أريد تجريح أحد بعينه، خصوصاً أنه زميل فى القضاء، وهذه ليست أخلاقياتنا، لكنى فوجئت بعد أن توليت المنصب بالعدد الكبير من أعضاء الهيئات القضائية والموظفين والفنيين والإداريين الذين كانوا تقدّموا بطلبات نقل إلى أى محافظة أخرى بسبب ما وصفوه بسوء الأداء والمعاملة، فضلاً عن تفضيل من ينتمون إلى أفكار معينة على باقى زملائهم.[SecondQuote]
■ وهل اقتصرت عمليات الأخونة على شخص واحد فقط فى المؤسسة القضائية بالإسكندرية، حتى لو كان على رأسها؟
- الأزمة الحقيقية أنه قصّر العمل فى المحكمة على 4 أفراد فقط لقربهم من أفكاره، مما أدى إلى أزمة فى صفوف القضاة، وخلق صراعاً فى المنظومة القضائية، وأضاع الاحترام والهيبة بين أعضاء المؤسسات القضائية.
■ وكيف أثرت محاولات أخونة القضاء سلباً على حقوق المتقاضين؟
- أولاً لا بد أن يتعامل القاضى مع الجميع بتطبيق القانون، وفقاً لقواعد العمل المجرّدة، على أن يكون على مسافة واحدة من الجميع، مما يجعل انتماء أى قاضٍ إلى تيار بالغ السوء على ثقة المتقاضين فيه، خصوصاً أن إثبات خطأ القاضى لا يحتاج إلى دليل مثلما تكون الحالة تخص مواطناً عادياً، بل يكفى التأثير على السمعة وحده عائقاً أمام ممارسته لمهامه. كما أن النظر إلى كيفية أخونة المؤسسة فى ظل النظام السابق، صرف نظر القائمين عليه عن التناغم المطلوب بين صفوف الدوائر القضائية، وجعلهم لا ينظرون بعين الاهتمام إلى الرضا الواجب توافره بين القضاة عند اختيارهم لتشكيل هيئة المحكمة، مما أدى إلى تأخر النقاش بين رئيس المحكمة وعضوى اليمين والشمال، وتعذر المداولة، وتعطيل المذكرات وغيره.
■ وما دورك الآن حيال الشخصيات التى تبيّن انتماؤها للإخوان من بين القضاة خلال النظام السابق؟
- أعتقد أنه من أهم المزايا التى حصلت عليها المؤسسة القضائية خلال النظام السابق هو التعرف على المنتمين إلى الإخوان بشكل واضح وصريح، وبالتالى تجنبنا خطر الخلايا النائمة التى تندس بيننا وتحاول تحقيق أجندات معينة لا تتفق مع الأعراف العريقة للقضاء المصرى الشامخ. لكنى فى الوقت ذاته لا أميل إلى الإقصاء والإطاحة بكل من اكتشفنا قربه من جماعة الإخوان، وأنا كرئيس للمحكمة علىّ أن ألعب دوراً حقيقياً فى محاولة تقويم سلوكهم وتعديله وإعادتهم مرة أخرى إلى صفوف القضاة والابتعاد بهم عما تأثروا به خلال فترة من الفترات، وبخاصة أننا كلنا بشر ومعرضون لأى اهتزازات فكرية أو سلوكية فى أوقات من حياتنا.
■ وفى حالة فشلك فى تعديل ذلك السلوك؟
- فى كل الأحوال أنا أعمل بكل جهدى لأوقف كل مظاهر أخونة القضاء فى الإسكندرية، التى كانت قد بدأت فى عهد الرئيس المعزول، لإعادة بناء البيت من الداخل، وتوجد لجنة الصلاحية وجهاز التفتيش القضائى التابع إلى وزارة العدل، التى من شأنها متابعة شئون كل أعضاء الهيئات القضائية للتأكد من نزاهتهم وحياديتهم وعدم انتمائهم إلى أى فصيل.
■ وهل هؤلاء القضاة المنتمون إلى الإخوان قادرون على فعل أى شىء لعرقلة عمل المؤسسة القضائية فى الوقت الحالى؟
- بالتأكيد لا، فعددهم قليل جداً، ويكفى أن حركة «قضاة من أجل مصر» التى تضمهم جميعاً، لا يتعدى عددها 75 قاضياً فقط، وتعمل لجنة الصلاحية على البت فى أمرهم فى الوقت الحالى.
■ لماذا أسرف النظام السابق فى معاداته للقضاء؟
- نظام المعزول محمد مرسى غيّر بالفعل مفاصل المؤسسة القضائية بهدف إخضاعها، وكانت نيته فى ذلك مبيتة قبل توليه الحكم، ولم ينتج عداؤه عن الأسباب التى أعلنها، آنذاك، كما حاول أن يصوّر أنصاره، وهذا يرتبط بنظرته وفكره تجاه القضاء بشكل عام، خصوصاً مع الإيمان الشديد لأعضاء الإخوان بفكرة المحاكم الشرعية والعرفية والإجهاز على المؤسسة القضائية بشكلها الحالى. ويظهر ذلك جلياً فى سيناء ومطروح والمناطق الحدودية البعيدة عن العاصمة، التى استطاعوا فيها أن يتغلغلوا بهذه الأفكار بين الأهالى وكوّنوا محاكم عرفية خاصة بهم فيها، ولا أستبعد أنهم كانوا يحاولون السيطرة على المؤسسة القضائية بغرض تحويلها إلى العمل بطريقة القضاء العرفى، كما يريدون.
■ وماذا عن تحسين أحوال قضاة الإسكندرية بعيداً عن أزمات الأخونة؟
- أحاول منذ أن توليت منصبى كرئيس للمحكمة، أن أعمل على إنشاء جيل جديد من القضاة الأكفاء الذين يتسمون بالنزاهة والحيادية، بعد محاولات التدمير التى حدثت على مدار الفترة الماضية، وأحاول إعادة التعاون مرة أخرى بين رجال القضاء والنيابة العامة، وترميم الشرخ الجائر الذى حدث فى العلاقة بين المحامين ورجال القضاء. ونعمل مع وزارة العدل على توفير وضع آدمى يليق بالمؤسسة القضائية، بداية من حاجب المحكمة والخمسة آلاف موظف الذين ينتمون إليها، وحتى أعلى رأس فيها، فضلاً عن إنشاء استراحات ومكاتب متميزة وعلى مستوى عالٍ من الجودة لتحقيق أعلى مستويات وسبل الراحة التى تساعد رجال القضاء على القيام بدورهم فى تحقيق العدالة.
■ ماذا عن الفائدة التى تعود على المواطنين والمتقاضين جراء هذه التطورات؟
- كل هذه التطورات فى مصلحة المتقاضين الذين سيجنون ثمار ذلك فى صورة أحكام صحيحة وتنتصر للحق، وتتسم بالسرعة قدر الإمكان، فضلاً عن بعض التحسينات المخصّصة لهم بشكل مباشر مثل إنشاء شاشات إلكترونية خارج قاعات المحكمة وفى غرف نقابة المحامين ليتابعوا من خلالها سير رول المحاكمات وأرقام القضايا، وإذاعة داخلية أيضاً لنفس السبب، مما يقلل التكدس والازدحام داخل حجرات القاعات، ويسهّل لهم وللمحامين الاطلاع على سير قضاياهم بكل سهولة ويسر.[ThirdQuote]
■ على ذكر الإسراع فى إصدار الأحكام، متى نرى الفصل السريع فى القضايا والنزاعات فى مصر؟
- هناك عوائق كثيرة تعرقل عمل التقاضى وتؤخر إصدار الأحكام، أهمها قلة عدد القضاة بشكل كبير، وهى أزمة فى طريقها إلى الحل، حيث من المفترض أن تأتى تعيينات من النيابة العامة إلى القضاء بحوالى 500 فرد كل سنة لتزويد أعداد القضاة، وهو أمر متوقف منذ عام 2009، ولم يدخل سلك القضاء فى العام الحالى إلا 108 فقط، مما تسبّب فى عجز كبير، وجعل القاضى الواحد لديه قرابة 1000 قضية فى الرول ليوم واحد، إلا أن مجلس القضاء الأعلى سيصدر قراراً قريباً لمعالجة هذا الأمر.
■ لكن التأخر فى إجراءات التقاضى لم يبدأ منذ 2009، بل إنه أمر قديم فى القضاء المصرى، فما الحل؟
- أرى ضرورة بحث العمل بالنظام الإلكترونى فى الإجراءات، على أن تبدأ من أولى الخطوات حتى آخرها بنفس النظام، على الرغم من أن ذلك يتطلب مجهوداً كبيراً لتأسيسه، فإنى أحمّل جزءاً من الأزمة إلى شخصية المواطن الذى لديه «لدد» فى الخصومة ولا يتساهل فى حقوقه لتبسيط الإجراءات.
■ وما استعدادات رجال القضاء بالإسكندرية للإشراف على الاستفتاء على الدستور والانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقبلة؟
- نحن على أتم الاستعداد للإشراف بكل حيادية ونزاهة على أى استحقاقات انتخابية، وهذا هو حق الوطن علينا، وفى الوقت المناسب سوف تجمعنا لقاءات مع وزير العدل وقائد المنطقة الشمالية العسكرية للإعداد الجيد للاستحقاقات والتأكد من تأمين القضاة وإعطائهم كل سبل الإشراف على العملية الانتخابية بكل أمانة، ونحاول الآن الانتهاء من أكبر عدد ممكن من القضايا حتى لا نعطّل مصالح المتقاضين أثناء الاستفتاء والانتخابات المقبلة.
■ ما الفرق بين تعامل الجمعية التأسيسية لوضع الدستور فى عام 2012 ولجنة الخمسين فى 2013 مع القضاة؟
- لجنة الخمسين تستمع إلى آراء الهيئات القضائية بصدق لتحقيق أكبر استفادة حقيقية منها لمصلحة الوطن، كما أن رجال النيابة والقضاء من المحاكم الابتدائية وحتى الاستئناف والنقض، قالوا آراءهم بكل حرية وموضوعية فى التعديلات المقترحة أثناء جمعيات عمومية وجلسات استماع إليهم، وجمعت تلك اللقاءات بين حماس الشباب وخبرة الشيوخ لوضع أحسن نصوص ممكنة لخدمة المؤسسة القضائية الشامخة، بعكس ما حدث مع دستور 2012، الذى اقتصر فيه الأمر على سماع شخصيات بعينها لا جموع القضاة.
■ ما رأيك فى المطالب الحالية بإلغاء انتداب رجال القضاء فى الوزارات والمصالح الحكومية؟
- أنا مع تقنينها لا إلغائها، لأنه فى بعض الحالات يكون من المهم جداً الاستفادة بالخبرات القانونية الفذّة للقضاة فى بعض المواقع، لكنى أرى ضرورة أن يتقاضى المنتدب راتبه من جهة انتدابه فقط وألا يعمل قاضى منصة أثناء فترة انتدابه، ولا ننسى أن القضاة هم ثروات قومية لهذا الوطن، وأن الدول العربية كافة، تستعين بهم لإصلاح مؤسساتها القضائية أو إنشاء أجهزة جديدة فيها.
■ هل صحيح أن إلغاء الانتداب كان من أبرز أسباب الخلاف بين القضاة والمعزول محمد مرسى؟
- غير صحيح، ونحن ذكرنا أسباب الخلاف الحقيقية، كما أن وزارة المالية فى عهده جعلت من أعضاء حركة «قضاة من أجل مصر» مستشارين لكل الجهات الحكومية، فهو لم يكن مع إلغاء الانتداب من الأساس.