الشيخ على محمود.. «تِهْ دلالاً فأنتَ أهل لذاكا»
الشيخ على محمود
فى حارة درب الحجازى، بمنطقة الجمالية التابعة لحى الإمام الحسين بالقاهرة، وُلد الطفل وسط أسرة ميسورة الحال، ظل يلهو ويلعب مع الأطفال لكنه لن يكون مثلهم، فرغم تعرضه لحادث أفقده بصره، فإنه دخل التاريخ من أوسع أبواب فن التلاوة والإنشاد الدينى، إنه الشيخ على محمود صاحب مدرسة عمالقة التلاوة والإنشاد.
تميز على محمود بصوت عذب مميز، فلم تظهر مواهبه إلا بعد التحاقه بالكتاب، حفظ القرآن الكريم ودرس علومه منذ نعومة أظافره، أتم حفظ القرآن على يد الشيخ أبوهاشم الشبراوى بكُتاب مسجد فاطمة أم الغلام فى الجمالية، ثم جوّده وأخذ قراءاته على الشيخ مبروك حسنين، ودرس الفقه على يد الشيخ عبدالقادر المزنى.
عندما ذاع صيت القارئ الشاب «على»، أصبح قارئاً فى مسجد الحسين ليصبح من أشهر قراء مصر على الإطلاق فى ذلك العصر، وأقصد بدايات القرن العشرين.
لم يكتفِ الشيخ بدارسة القرآن الكريم، وإنما درس الموسيقى أيضاً على يد الشيخ إبراهيم المغربى، وسلك مسالك التلحين والعزف وحفظ الموشحات، كما درس الموسيقى على الشيخ محمد عبدالرحيم المسلوب، وتابع تطورات الموسيقى على الشيخ عثمان الموصلى، واطلع من خلاله على الموسيقى التركية وخصائصها.
موهبة الشيخ على محمود الفذة، التى صقلها بالدراسات المتنوعة، جعلت منه أحد أشهر أعلام مصر فى القراءة والإنشاد والطرب أيضاً، ويقال إنه كان يؤذن للجمعة فى مسجد الحسين كل أسبوع أذاناً على مقام موسيقى لا يكرره إلا بعد سنة كاملة، وأصبح الشيخ على أيضاً منشد مصر الأول، ونجح فى تطوير وابتكار عدة أساليب وأنغام لم تكن مألوفة فى عصره.
ويكفى أن تعرف أن عدداً لا بأس به من نوابغ وعباقرة التلاوة والموسيقى والإنشاد والغناء كانوا تلاميذ للشيخ على محمود، ومنهم من عمل معه فى بطانته، فقد اكتشف قيثارة السماء الشيخ محمد رفعت، الذى استمع إليه الشيخ على وتنبأ له بمستقبل باهر وبكى عندما عرف أنه كفيف، واستفاد الشيخ رفعت فى بداياته كثيراً من الشيخ على محمود، قبل أن يصبح سيد القراء فيما بعد.
والعبقرى طه الفشنى الذى تربع من بعده على عرش فن الإنشاد، ومنهم الشيخ كامل يوسف البهتيمى القارئ والمنشد الفذ، وكذلك الشيخان محمد الفيومى، وعبدالسميع بيومى.
وفى الموسيقى العبقرى الشيخ زكريا أحمد. وبعد رحلة عطاء متنوعة وثرية، صعدت روح الشيخ على محمود إلى بارئها فى 21 ديسمبر 1946، بعد أن ترك لنا عدداً محدوداً من التسجيلات القرآنية والابتهالات والتواشيح والأغانى، لكنها كنوز ثمينة تنوء بحملها العصبة أولو القوة.
والتسجيلات القرآنية التى وصلت لنا بصوت الشيخ على محمود هى تلاوات من سور: «الأنفال ويوسف والكهف ومريم والأنبياء والقيامة وقصار السور.
كما ترك الشيخ على عدداً من الأناشيد والموشحات والأغانى، منها: «أشرق فيومك ساطع بسام»، و«أدخل على قلبى المسرة والفرح»، و«ته دلالاً فأنت أهل لذاكا».