«الطوق والإسورة»: فتيات الصعيد يتحدّين التقاليد.. تمثيل وغناء
المشاركة النسائية لا تغيب عن عروض قصر ثقافة أسيوط
لم تنسَ تلك الفتاة الصعيدية التى عشقت التمثيل يوم هرول وراءها الأطفال وقذفوها بالحجارة مرددين: «الغازية اهيه.. الغازية اهيه»، كانت نادية صلاح، بنت مدينة أبوتيج، تقوم بدور راقصة فى مسرحية عُرضت فى أحد قصور الثقافة بأسيوط، وبعد إتقانها لدورها وإجادتها كانت تنتظر أن تسمع أصوات التصفيق الحاد، لكنها نالت حظها من الحجارة والسباب بمجرد خروجها من باب المسرح، تلك هى ثقافة جنوب مصر وصعيده، أن المشاركة فى الفنون عار لا يُغتفر.
لم تستسلم «نادية»، التى صارت اليوم سيدة تحترف التمثيل والغناء فى مسارح قصور الثقافة، بل أصرت أن يكون لها شأن فى الفن رغم أنف الجميع، تقول لـ«الوطن»، إن الرجال فى الصعيد لا يميزون بين الممثلة والراقصة، وليس لديهم علم بالمعنى الحقيقى للفن، مشيرة إلى أن رواية «الطوق والإسورة» رائعة الروائى يحيى الطاهر عبدالله، ما زالت حاضرة بوقائعها القائمة على العادات والتقاليد البالية الضاربة فى عمق المجتمع الصعيدى، رغم التطور الرهيب فى التكنولوجيا، ولكنها لا تزال تعشش فى رؤوس الصعايدة.
«نادية»: القيود التى صاغها يحيى الطاهر عبدالله فى روايته لا تزال حاضرة
بدأت «نادية» التمثيل منذ سن 18 سنة فى مركز ثقافة أبوتيج، كانت موهبتها جلية، ولكن العائلة رفضت الأمر فى البداية، شاركت فى فرقة المسرح بدون علمهم، تدربت وطورت من نفسها سريعاً، حتى جاء وقت عرض أول مسرحية من بطولتها، طالبت والدها بالحضور، كانت تراقب عينيه طيلة عرض المسرحية، تتابعه وهو يرمقها فى سعادة وفخر، خرج من المسرحية ليقول لها: «خلاص يا بنتى براحتك، بس خدى بالك من نفسك»، وتبدّلت قناعة والدها بعدما كان يعتقد أن أهل الفن «ديابة» وأن ابنته وسطهم غير آمنة.
«تلك هى الضريبة»، تقول نادية، حيث تعتقد أن مجابهة المجتمع بتقاليده وعاداته البالية والجهل المستشرى فى القرى الفقيرة، هى ضريبة بسيطة تدفعها من أجل نشر الفن والإبداع الذى إذا انتشر وآمن به العامة سيقضى على كل تلك التقاليد والجهل.
الفتاة التى تركت المدرسة ولم تكمل تعليمها بسبب الفن، تظهر لكل المخرجين من هواة انتقاء المواهب من القرى والمدن فى أسيوط، تنقلت من مسرح لآخر حتى جابت كل المدن المصرية، وتعرفت على زوجها الحالى، وهو ممثل فى أحد المسارح بمحافظة المنيا، ورغم أميتها فإنها عُينت موظفة بقصور ثقافة أسيوط.
ورغم كل ذلك النجاح فإنه لم يشفع لها عند جيرانها وأهل المجتمع فى أسيوط: «ألاقى واحد يقول لى: إنتى مش بتمثلى ما تقومى ترقصى لنا»، فترد عليه: «والله لسه ماتعلمتش الرقص»، ورغم كل ذلك تقول: «أنا عشان أعرف أعيش وولادى يبقوا كويسين لازم أمثل ومش هسيب التمثيل»، بخلاف الأسئلة التى تنطوى على إساءة للسمعة مثل: «هو النور لما بيتطفى فى المسرح بتعملوا إيه؟!». ولم تقف «نادية» عند هذا الحد، ولكن قررت أن تساعد ابنتها التى عشقت الغناء، فساعدتها فى الالتحاق بمعهد الموسيقى، وتنتظر أن تكون أحسن مطربة فى مصر كلها، مؤكدة على أهمية وجود توعية للأهالى فى القرى والنجوع، لمساعدة المبدعين والشعراء.
روحية أحمد، من مدينة أبوتيج، مشتركة فى فرقة الغناء التابعة لقصور ثقافة أسيوط من أربع سنوات، تغنى منذ كان عمرها سبع سنوات، وتقول إن عائلتها وهى صغيرة كان الأمر بالنسبة لهم: «طفلة بتلعب»، ولكن مع تقدم سنها وبداية تعلقها بالأمر بدا رفضهم لفكرة أن تكون ابنتهم «مغنية»، كان الأمر صعباً، كانت الفتاة ذات التسعة عشر عاماً، متعلقاً قلبها بالغناء، وبدأت فى طريقها من خلال التدريب مع قصور الثقافة وسط معارضة شديدة من والدها ووالدتها.
ولكن رغم ذلك لم يتركها رئيس الفريق الغنائى بقصر ثقافة أسيوط، توجه لأسرتها وحاول معهم ودعاهم لإحدى الحفلات ليشاهدوا ابنتهم وهى تغنى، يقول: «لم نصل لمرحلة تقبُّل المجتمع الصعيدى لمشاركة الفتيات فى الفنون بسهولة، نُجرى الكثير من المحاولات معهم لإقناعهم بالمشاركة فى الفنون لأن للفن دوراً راقياً ومحترماً».
وإلى جانبها تجلس «منى شعبان»، ببشرتها السمراء وجسدها النحيل، التحقت بفريق الغناء منذ عام ونصف، ورغم أنها ما زالت فى الثانوية العامة فإنها تصر على التدريب على الغناء بجانب الدراسة، وهو ما يُغضب والدها ووالدتها، بسبب خوفهما الشديد عليها: «بنت بتغنى فى فرقة موضوع صعب»، ولكنها تجد أن حياتها فى المدينة نفسها وليس فى القرى والمدن الأخرى، جعلت الأمور أسهل من قريناتها.
الفتاة التى تدرس فى الأزهر، لم يعارض والدها غناءها، ولكن كان دائماً تساوره المخاوف، ولكن مع حضوره لأكثر من عرض والتدريبات بنفسه، تبدّد ذلك الخوف رويداً رويداً، ولكن بقيت نظرة المجتمع لهن كما هى.
محرر «الوطن» يتحدث لفتيات قصور ثقافة أسيوط
نادية
منى