رئيس «الوطنى للتنافسية»: لب المشكلة هو الأداء الضعيف للحكومة.. ونريد وزراء «فراودة» قادرين على إحراز الأهداف
سيف الله فهمى
شدد سيف الله فهمى، رئيس مجلس إدارة المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، على أهمية مؤشرات الأداء الدولية مثل تقرير التنافسية، مؤكداً أن العالم كله يهتدى بهذه التقارير ويحدد أولوياته بناء عليها و«مفيش رئيس حكومة أو مستثمر بييجى البلد من غير ما يقراها، ومفيش حاجة مش مكتوبة فيها»، على حد قوله، وأوضح «فهمى»، فى حواره لـ«الوطن»، أن تحسين ترتيب مصر على هذه المؤشرات يجب أن يكون هدفاً لكل وزير فى الحكومة، لأن هذا التحسن يعنى زيادة إقبال المستثمرين علينا، وبالتالى زيادة فرص النمو والتنمية، فضلاً عن أنه لا توجد مقاييس أخرى للأداء سوى هذه التقارير، وأشار «فهمى» إلى أن لُب المشكلة فى مصر هو الأداء الضعيف للوزراء والمحافظين، وافتقادنا «رؤية شاملة تقوم الحكومات المختلفة على تنفيذها»، وعبر عن قناعته فى الوقت نفسه بأن السياحة هى الملاذ الوحيد الآن وفى المستقبل للاقتصاد المصرى، لأننا نتمتع فيها بمزايا تنافسية فريدة، وعوائدها تصل فوراً لأفقر واحد فى البلد، رافضاً وصف السياحة بـ«الصناعة الهشة» أمام الإرهاب، «لأن الإرهاب فى كل مكان فى العالم، والسياحة لا تتوقف إذا اتخذنا التدابير السليمة».. إلى نص الحوار:
سيف الله فهمى: العالم كله يهتدى بتقارير التنافسية ويحدد أولوياته بناء عليها.. ومفيش رئيس حكومة أو مستثمر بييجى البلد من غير ما يقراها
هل هناك علاقة بين المجلس الوطنى للتنافسية وتقرير التنافسية العالمى؟
- نعم فقد كان الهدف من إنشاء المجلس، منذ 15 عاماً، تبنى كل السياسات الاقتصادية وغير الاقتصادية التى من شأنها تحسين ترتيبنا فى تقرير التنافسية العالمى، ومعه طبعاً باقى تقارير مؤشرات الأداء الدولية، مثل تقرير «سهولة ممارسة الأعمال»، الصادر عن البنك الدولى، وغيرها، وانبثق عن المجلس مشروع «إرادة» المعنى بتنقية البيئة التشريعية، والمجلس الاستشارى للأعمال الذى نحاول إحياءه مرة ثانية.
هل هذه التقارير من الأهمية بحيث نؤسس لها مجلساً متخصصاً يتابعها؟
- العالم كله يهتدى بهذه التقارير، ويحدد أولوياته بناء عليها، لاحظ أن هذه التقارير مهمة على مستويين: الحكومات، والمستثمرين، وأى رئيس حكومة قبل أن يزورك يعرف عنك كل شىء من هذه التقارير، ونفس الأمر بالنسبة للمستثمر الذى يطالعها قبل أن يأخذ قراره بالاستثمار عندك، «مفيش مستثمر بييجى البلد من غير ما يقراها، ومفيش حاجة مش مكتوبة فيها»، باختصار هى تُعريك تمامك وتكشف حقيقة أوضاعك.
الصناعة مستقبلنا.. لكن ماذا نصنع وأى الصناعات يجب أن تشجعها الدولة وتدعمها؟ وهذه الأسئلة تحتاج لدراسة وترتيب أولويات
لكن ألا تثير سطوة هذه التقارير أى شعور بالريبة أو التحفظ؟
- ليس هناك ما يدعو للريبة، وعندما بدأنا تأسيس المجلس منذ 15 سنة، هاجمنا البعض، وقالوا كلاماً غريباً من بينه أن مؤسس تقرير التنافسية الاقتصادى الأمريكى مايكل بورتر يهودى، ولديه أهداف خبيثة نساعده فيها، وهذه معلومات خاطئة عن الرجل وعن التقرير، ومش معقول كل التقارير مؤامرة علينا، اتهام التقارير الدولية «شماعة علشان ترتيبك وحش فى التقارير، حيث تتهم التقارير بدلاً من أن تسعى لتحسين وضعك»، التحفظ الوحيد على هذه التقارير هو منهجيتها، فهى تعتمد على الجمع بين الأرقام الرسمية واستطلاعات رأى عن طريق شريحة مستهدفة مثلاً من المستثمرين، الذين يُطلب منهم ملء استمارة، والحادث أن بعض من تذهب إليه هذا الاستمارة لا يحسنون التعامل معها، وبعضهم يملؤها على عجل أو يعطيها لأحد موظفيه. هذا الخلل جار تداركه، ورئيس هيئة الاستثمار، الدكتور منى زوبع، بذلت مجهوداً كبيراً فى هذا الصدد فيما يتعلق بتقرير «سهولة الأعمال».
نحن دائماً فى الثلث الأخير، أو ذيل الثلث الثانى لكل التقارير، ما السبب من وجهة نظرك؟
- لب المشكلة أن أداء الحكومة ضعيف، وأنا دائماً أشبه الحكومة بفريق كرة، مجلس إدارة أى ناد يتعاقد مع مدير فنى ويترك له حرية التعاقد مع من يراه من اللاعبين، ثم يحاسبه على النتائج، هذا ما يجب أن يحدث، إذ يجب اختيار رئيس وزراء قوى جداً للحكومة الجديدة ويختار هو بدوره فريقه، وكل لاعب أو وزير يُحدد له هدفاً، وليكن تحسن ترتيبنا من المركز الـ100 إلى المركز 80 فى التقرير، ويحدد هو مطالبه لتحقيق ذلك، وإذا لم ينجح تتم إقالته، وهنا يأتى دور وأهمية هذه التقارير التى توضح لك أين أنت مقارنة بباقى دول العالم، وتحدد أنت أين تريد أن تكون. فى بعض الدول الإسكندنافية يستقيل رئيس الحكومة إذا تقدمت دولة عليهم فى ترتيب تقرير التنافسية، فليس لديك طريقة أخرى لقياس نجاحك، وبالمناسبة هذا ما تفعله كل الشركات العملاقة الناجحة، يحدد مجلس الإدارة أهدافاً، ويحاسب الرئيس التنفيذى عليها، وإدارة الدولة بمنطق الشركات الناجحة مطلوب.
السياحة هى الملاذ الوحيد الآن وفى المستقبل للاقتصاد المصرى لأننا نتمتع فيها بمزايا تنافسية فريدة.. وعوائدها تصل فوراً لأفقر واحد فى البلد
إذن أنت تقترح أن ندير الدولة بمنطق وأسلوب الشركات التجارية.
- أقترح أن نحدد للحكومة أهدافاً واضحة ونحاسبها عليها ببساطة، وتحديد الأهداف يعنى أن للدولة رؤية واضحة ثم استراتيجية فيها تفاصيل تنفيذ هذه الرؤية، وبدون رؤية واستراتيجية يمكن أن تُفلس أى شركة فى يوم واحد، وتفشل الدول، وتحقيق الأهداف يتطلب فريقاً ماهراً، لأننا فى حاجة لفريق كله «فراودة» قادرين على إحراز أهداف، ولا يمكن أن تفوز بفريق ضعيف، والوضع فى مصر مختل، لأن الحكومة ضعيفة، وعدد من يصلح من الوزراء والمحافظين للبقاء فى منصبه محدود، والغريب أن هذا يحدث بينما مصر بلد غنى بكوادره وكفاءاته فى كل المجالات.
ما المانع أن تكون للحكومة رغبة فى وضع أولويات أخرى بعيداً عن هذه المؤشرات؟
- ممكن، لكن لا أحد فى العالم يعمل بهذه الطريقة، الكل يستعين بهذه التقارير، لأن فيها كل شىء، ثم أن الحكومة لم تقل إنها متحفظة على هذه التقارير، ونظرياً هى مهتمة بها، وقد شكل الرئيس مؤخراً مجموعة وزارية لمتابعتها، لكنها اجتمعت مرة واحدة، ولم يتم إشراكنا فيها، فقط دعوة ودية للحضور والمتابعة، وهذه التقارير يجب أن تكون أداة لتحسين أداء الحكومة، وبالتالى تحسين ترتيب مصر فى هذه التقارير، وعندما يتحسن ترتيبنا تزيد قدرتنا على اجتذاب الاستثمارات، وبالتالى النمو والتنمية.. إلخ، وبالمناسبة استراتيجية مصر 2030، كانت نتاج الاهتمام بتقرير التنافسية، فقد كانت هناك 5 جهات مختلفة من المجتمع المدنى مع الحكومة تعمل على وضع تصورات مختلفة، فجمعناهم فى مؤتمر المجلس الوطنى المصرى للتنافسية، بحضور وزير التخطيط السابق الدكتور أشرف العربى، وانتهى الاجتماع باستراتيجية 2030.
بعض المسئولين يفتخرون بتصدير منتجات زراعية بمليارات ولو حسبوا تكلفة المياه لخرجنا خاسرين
هل 2030 استراتيجية أم رؤية؟
- كان المفترض أن تكون رؤية لكنها تحولت لاستراتيجية.
ما الفرق بين الاستراتيجية والرؤية من وجهة نظرك؟
- الرؤية هى حلم دولة، وتتم صياغتها بعد حوار مجتمعى، ويوافق عليها البرلمان، لأنها مصير شعب، ودور الحكومات المتتابعة أن تحقق هذه الرؤية من خلال استراتيجية، أى خطة طويلة الأجل فيها أهداف وتوقيتات محددة للإنجاز. وبهذا المفهوم «2030» ليست رؤية طبعاً، ولديها أوجه خلل كاستراتيجية، وجار الآن إدخال تغييرات جذرية عليها من قبل وزارة التخطيط، وما زال رأيى أن تستعين الحكومة ببساطة بمؤشرات الأداء الدولى، وتستهدف تحسين ترتيبها فيها.
تحسين ترتيبنا فى هذه التقارير تبدو عبارة سهلة، لكن عملياً هذا يعنى تحسين نظام التعليم والرعاية الصحية وثورة فى التشريعات.. إلخ، أليس كذلك؟
- هذا صحيح، هناك أمور كثيرة مهمة يجب أن تتم بالتوازى وليس بالتوالى، لكن من المهم أن يسبق كل ذلك تحديد الأولويات، رؤية قومية تجيب عن أسئلة بسيطة «إحنا مين»؟، أقصد هل نحن دولة مصدرة للملابس الجاهزة؟ أم دولة زراعية، أم سياحية؟ ما ميزتنا التنافسية فى العالم؟ ثم نضع الخطة التى نصل بها لهذا الهدف، ومرة أخرى نحن نحتاج للرؤية والاستراتيجية، والأمر واضح جداً بالنسبة لى، ولا أعرف لماذا هو مبهم للحكومة.
وما الإجابة من وجهة نظرك عن هذه الأسئلة البسيطة؟
- الملاذ الوحيد الآن، وفى المستقبل، للاقتصاد المصرى هو السياحة، لأنك تتمتع فيها بمزايا تنافسية فريدة، وعوائدها تصل فوراً لأفقر واحد فى مصر.
لكن السياحة صناعة هشة، وأى عملية إرهابية يمكن أن تضربها؟
- هذا مفهوم شائع وخاطئ، العمليات الإرهابية تضرب السياحة عندنا، لكنها لا تضربها فى دول العالم الأخرى مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، هناك تدابير تعيد السياحة فى يوم وليلة بعد أى عملية لا قدر الله، والقتلى فى نيويورك أكثر منا بكثير، والسياحة عندهم لا تتضرر، من هذه التدابير أن تدفع مثل باقى دول العالم لمحرك البحث «جوجل» لمساعدتك فى الترويج لك، فحين تكتب مصر تظهر أمامك المقاصد السياحية التركية وتظهر لك حوادث إرهابية عن مصر. وقد نصحنا أولى الأمر أن يروجوا لمقاصد بعينها مثل شرم الشيخ والأقصر، وغيرهما، تجنباً للدعاية المضادة ضد اسم مصر.
لكل دولة رؤية شاملة تمثل حلم الشعب.. والحكومة مسئولة عن تنفيذها و«مصر 2030» معيبة وجارٍ إدخال تعديلات جذرية عليها
إذن أنت ترى أن الأولوية رقم واحد هى السياحة، وماذا عن الصناعة والزراعة اللتين تمثلان مصادر الإنتاج الحقيقى؟
- أكبر مصادر النقد الأجنبى لمصر، بعيداً عن قطاع الطاقة، معروفة، وهى تحويلات المصريين من الخارج، ثم السياحة، ثم منجم الذهب الذى يسمى «محور قناة السويس»، وكل هذه المصادر يمكن التوسع فيها وتعظيم عوائدها، ثم التصدير، والتصدير يشمل الصناعة والزراعة. والصناعة مستقبلنا، لكن ماذا تصنع؟ هذا هو السؤال، وأى الصناعات يجب أن تشجعها الدولة وتدعمها؟ هذا سؤال آخر، وهذه الأسئلة تحتاج لدراسة وترتيب أولويات، بعض المسئولين كانوا يفتخرون لأنهم نجحوا فى تحقيق صادرات زراعية بمليارات الجنيهات، وهو أمر من وجهة نظرى لا يستحق الاحتفاء، لأنهم لم يحسبوا قيمة المياه، ولو أدخلوها فى الحسبة لخرجنا خاسرين، لأننا ببساطة نصدر مياهاً غالية للخارج.
قلت يمكن مضاعفة عوائد المصريين فى الخارج؟
- طبعاً ما علينا إلا مراجعة تجارب الدول الأخرى، كالهند وغيرها، ويمكن مضاعفة الرقم ببساطة بتقليل عمولة البنك أو إلغائها نهائياً، وهذا ما سيحدث مستقبلاً مع التوسع فى تكنولوجيا «البلوك تشين»، وفى هذه الحالة البنك لن يكون طرفاً فى العملية.
تقول إن برنامج الإصلاح الحالى فى حاجة لحزمة من المكاسب السريعة، فماذا تقصد؟
- إحدى الوسائل المتبعة للتخفيف من قسوة برامج الإصلاح، قيام الحكومة بعدة إجراءات سريعة قادرة على إشاعة الرضا بين الناس لتعوضهم عن متاعب الإصلاح، منها مثلاً تحسين المرور الذى ينغص حياة الناس، أو تنظيف الشوارع من القمامة، لكن الحكومة لم تفعل ذلك، وحتى الإنجازات التى حققتها لا تشعر الناس بالرضا، ولا تساعدنا كثيراً فى تحسين ترتيبنا فى المؤشرات الدولية.
هناك قرارات وتشريعات خرجت إلى النور كنا ننتظرها منذ 20 عاماً والحكومة لم تنجح فى تسويقها
لماذا فى رأيك؟
- لأننا نفتقد مفهوم وآليات «التسويق السياسى» لقراراتها، فالحكومة حققت فعلاً بعض الإنجازات، وهناك قرارات وتشريعات ننتظرها منذ 20 سنة خرجت أخيراً، ولكن الحكومة لم تنجح فى تسويقها، فلم يشعر بها أحد فى الداخل أو فى الخارج، خذ عندك، مثلاً، مشروع كبير مثل «العاصمة الإدارية»، كان يمكن أن يكون محل سعادة من المصريين فى الداخل، وابتهاج للمستثمرين فى الخارج، لو تم الترويج لمزاياه الحقيقية، وهى كثيرة، لكن ذلك لم يحدث، ربما تكون الحكومة فى حاجة لبيت خبرة فى التسويق السياسى على غرار مكتب «nudge»، التابع لمجلس الوزراء البريطانى، والمعنى بتسويق قرارات الحكومة هناك داخلياً وخارجياً.
لكن ألا يعد ذلك نوعاً من التجميل؟
- لا تجميل ولا خداع، المسألة أن هناك قاعدة، حتى أثناء إعداد مؤشرات الأداء الدولى، فحواها أن «perception is reality» أى إن تصورات الناس عن أى شىء تصبح الحقيقة، وأنت فى حاجة لعرض وجهة نظرك بشكل جيد، فبدون تسويق جيد لا يمكن للحكومة الاستمرار فى اتخاذ قرارات جريئة.
هل تحسنت الأوضاع بعد قانون الاستثمار الجديد؟
- الأثر لم يظهر بعد.
البعض ما زال يشكو من كثرة إجراءات التقاضى وتضارب القوانين؟
- إصلاح التشريعات غير موجود حتى الآن على «رادار» الحكومة، رغم أهميته، ولم تحقق أى دولة نهضة بدون قضاء جيد وناجز، فالعدل أساس الملك، وإذا حسنت نظام القضاء مشاكل كثيرة ستختفى فى يوم وليلة، وسنتمكن من تحقيق قفزة عملاقة.
مشروع «إرادة» كان خطوة مهمة فى هذا الاتجاه، لماذا تم تجميده؟
- بدأنا هذا المشروع الطموح فى 2004، وأعاننا فيه وزير الصناعة وقتها، رشيد محمد رشيد، وكان الهدف منه تنقية التشريعات وتبسيطها، لأن إحدى مشاكلنا الكبيرة هى كثرة القوانين وتضاربها، وبعضها يعود لعهد محمد على، وأحد أسباب هذه الظاهرة هو كثرة القرارات الوزارية التى لها قوة القانون، والنتيجة لدينا عشرات الآلاف من القرارات الوزارية، وقد بدأنا بغربلة هذه القرارات وحققنا نجاحاً كبيراً، وكان المشروع يضم ممثلين لـ13 وزارة مقرها مبنى مجلس التنافسية، لكن مع انتهاء التمويل الذى كان يأتى من مصادر غربية مختلفة، مثل الاتحاد الأوروبى، لم تموله الحكومة، وما زال المشروع قائماً ويتبع وزارة المالية، لكنه غير فعال، ووزير الصناعة الحالى، طارق قابيل، غير متحمس له، لأسباب لا أعرفها.
ربما السبب التكاليف؟
- التكاليف لا تذكر مقارنة بالعائد، ثم إن المشروع يعتمد على برنامج ثمنه «3 تعريفة» قادر على دراسة الأثر التشريعى لأى قانون أو قرار جديد، ما على صانع القرار إلا أن يضع القانون الجديد على البرنامج، والبرنامج يحدد بسهولة مدى تعارضه أو تكراره مع قوانين أخرى.
«فهمى» خلال حواره مع «الوطن»