قرى المسئولين: الأهالى يتباهون بالتاريخ ويتباكون على نقص الخدمات
نادى حسنى مبارك الرياضى
اكتسبت محافظة المنوفية شهرة واسعة على مر عقود طويلة، لكونها المحافظة صاحبة النصيب الأكبر فى إمداد مصر بكبار المسئولين طوال تاريخها الحديث، وعلى رأسهم الرئيس الراحل محمد أنور السادات والرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وعدد آخر من المسئولين، انتقلت «الوطن» إلى قراهم التى ولدوا بها وتحدثت إلى المواطنين فيها، للوقوف على ما قدمه هؤلاء المسئولون إلى أهاليهم فى مسقط رأسهم.
البداية كانت من قرية ميت أبوالكوم التابعة لمركز تلا، وهى واحدة من أشهر قرى المنوفية، لأنها مسقط رأس الرئيس الراحل محمد أنور السادات، ولد فيها فى نهاية عام 1918، وما زال أهلها يتذكرونه حتى الآن، وقال مصطفى ماضى، 75 عاماً، مهندس زراعى بالمعاش وأحد المواطنين الذى ولدوا وعاشوا فى قرية ميت أبوالكوم، إنه رأى فى السادات حبه الشديد للقرية وأهلها، وميله الدائم إلى جذوره، لذا كان دائم الزيارات للقرية منذ أن كان طالباً فى الكلية الحربية، وكان يأتى، حسب «مصطفى»، عقب ثورة يوليو، فيجلس بين الناس أمام «دواره» ويحكى لهم عن أخبار البلد، ما جعله يشتهر بين الناس بالتواضع، مضيفاً: «ماكانش ينفع ينزل البلد إلا لما يروح يزور الشيخ اللى علمه القرآن ويسلم عليه».
المحافظة هى صاحبة النصيب الأكبر فى إمداد مصر بـ«كبار القيادات» خلال العقود الأخيرة
كان «مصطفى» أحد جنود القوات المسلحة الذين شاركوا فى حرب أكتوبر، وكان يرفع رأسه ويشعر بالفخر بين زملائه، لأنه من بلد رئيس الجمهورية، ويتذكر لقاءاته مع «السادات» بعد انتهاء الحرب فى مضيفته التى جمع فيها حينها جميع أبناء المركز الذين شاركوا فى الحرب ليحكوا عما قدموه فيها.
«السادات عمل لقريته اللى مفيش رئيس تانى عمله» جملة قالها «مصطفى» بفخر وهو يحكى عما قدمه الرئيس الراحل لقريته، فحسب قوله، تحولت بيوت القرية فى عهد «السادات» من الطين إلى أشكالها الحديثة، بها كل المرافق من مياه وكهرباء وصرف صحى، وحتى قبل دخول الكهرباء إلى القرية، كان هناك مولد كهربائى كبير أتى به السادات على حسابه الخاص، لينير الأماكن الرئيسية فى القرية، كما أنشأ جمعية لتنمية المجتمع وبيتاً للثقافة ومركز شباب لأطفال القرية، ما زالت تعمل جميعها حتى الآن، وقال «مصطفى»: «السادات ساب لنا حاجات تخلينا نترحم عليه بيها، ومظنش إن الزمن هيجيب لنا واحد زيه تانى بالنسبة لينا إحنا هنا على الأقل مش هقول لمصر».
«عاطف»: «مبارك» رفض يعمل استراحة فى كفر مصيلحة
وعلى مقربة من شبين الكوم، عاصمة المنوفية، توجد قرية «كفر مصيلحة» مسقط رأس الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، التى أصبحت الآن أحد أحياء مدينة شبين الكوم، فى مدخلها حيث طُمست معالم القرية، وأصبحت البنايات الحديثة هى السمة الأبرز، مواطنو القرية يتذكرون تاريخ قريتهم جيداً، فهم لا ينسبون القرية إلى «مبارك» كما يظن البعض، لأنه لم يكن أهم من خرج منها بالنسبة لهم، فمن «كفر مصيلحة»، خرج عبدالعزيز باشا فهمى، الذى كان أحد أبرز شخصيات الحركة الوطنية مع سعد زغلول، وتولى رئاسة محكمة الاستئناف عام 1926، ثم تولى رئاسة محكمة النقض عندما تم إنشاؤها عام 1930، الأمر الذى كان له أثر كبير على أبناء القرية، حسب ما يقول عاطف هيكل، صاحب محل أدوات كهربائية أمام النادى الرياضى الذى يحمل اسم الرئيس الأسبق «مبارك»، إن «عبدالعزيز فهمى» هو من أسس «كفر مصيلحة» وغير فيها الكثير، بطرق مباشرة وغير مباشرة، حيث كان «فهمى» بالنسبة لأبناء قريته، قدوة يحتذى بها، دفعت الجميع إلى الاهتمام بتعليم أبنائهم حتى يكونوا مثله، ما جعلهم يشتهرون بين غيرهم من القرى المجاورة لهم باسم «كفر باريس»، حسب «عاطف»، خاصة أن «فهمى» لم ينس قريته بعدما انتقل للعيش فى القاهرة، واهتم بأمر أهلها ومشاكلهم وأنشأ المدارس ومهد الطرق، حتى اشتهر بالمثل القائل بأنه «عيّن الحمار»، بسبب واقعة تداولت بين أهل القرية عندما أراد أن يساعد امرأة تعول أطفالاً ولا تقدر على العمل، فأخذ منها حمارها وأعطاه لساعى البريد ينجز عليه عمله نظير أجر شهرى تتقاضاه المرأة من هيئة البريد كراتب للحمار.
«مبارك» و«عبدالعزيز باشا فهمى» خرجا من «كفر مصيلحة».. ومواطنو الباجور: «الشاذلى عمل خدمات عامة كويسة.. لكنه كان بيخدم المقربين له من العائلات التى تمثل قوة تصويتية كبيرة فى الانتخابات»
وعن خروج الرئيس الأسبق «مبارك» من كفر مصيلحة، يرى «عاطف» أن العائد الوحيد لذلك كان معنوياً وليس مادياً، فهو «من بلد الريس»، أما غير ذلك لم يقدم «مبارك» شيئاً لقريته، حسب عاطف، الذى أضاف قائلاً: «يا ريت السادات كان من عندنا لأنه أفاد الناس فى قريته معنوياً ومادياً وكان بيحسسهم إنه واحد منهم لكن ده مكانش بيحصل من مبارك، وسمعنا إنه اتعرض عليه يتعمله استراحة هنا ييجى يقعد فيها لكنه رفض»، واتفق معه فى الرأى إبراهيم رزق، محام من أبناء القرية، ورأى أن خروج «مبارك» من قريته كان شيئاً شرفياً لأبناء القرية، فكان يكفيه احترام الآخرين له فى المحافظات الأخرى عندما يذهب إليها أو حتى البلاد العربية التى سافر للعمل بها، إلا أنه كان يريد إلى جانب ذلك شيئاً آخر لم يتحقق: «كان نفسى يكون لسه موجود فى البلد لحد دلوقتى أو يكون ليه مرجع هنا».
«مصطفى»: «السادات عمل لميت أبوالكوم اللى مفيش رئيس تانى عمله»
وإلى جانب الرؤساء هناك قرى أخرى فى محافظة المنوفية خرج منها مسئولون وسياسيون كان لهم تأثير كبير لأعوام طويلة، من بينهم عضو مجلس الشعب السابق كمال الشاذلى، ابن مدينة الباجور، الذى ظل عضواً فى المجلس منذ أن دخله شاباً عام 1964، ليظل نائباً حتى وفاته عام 2010، وفى مسقط رأسه لم يختلف المواطنون على الخدمات العامة التى قدمها لهم على مر عقود طويلة مضت، كما يقول محمد عفيفى، صاحب محل حلاقة، إنه بعيداً عن تأييد الشاذلى أو معارضته، فمدينة الباجور فى عهده دخل لها العديد من المرافق الأساسية على عكس الكثير من القرى والمراكز الأخرى، إلا أن «عفيفى» كان يتمنى منه ما هو أكثر من ذلك: «كنت أتمنى إنه يعمل مصنع لأهل الباجور يلم فيه الشباب اللى مش لاقية شغل دى، لأن أغلب شباب البلد بيسافروا القاهرة وييجوا كل يوم عشان مفيش مصدر رزق ليهم هنا».
ولم تكن الخدمات العامة وحدها كافية من وجهة نظر المحامى مصطفى شعيب، وأحد أبناء مدينة الباجور، رغم استفادته من هذه الخدمات على المستوى الشخصى: «كانت البطاقة تكفى إن مكتوب فيها الباجور، ولو وقفت فى كمين ولا حاجة كان يعدينى من غير ما يبص فى باقى البيانات، وكان يقولك انت تبع الباشا»، إلا أن «الشاذلى» لم يكن عادلاً فى ما يقدمه من خدمات خاصة، حسب قول «شعيب»: «كان بيخدم المقربين ليه بس من العائلات اللى كانت بتمثل قوة تصويتية كبيرة فى الانتخابات».
تمثال لـ«السادات» فى بيت الثقافة
إحدى صور كمال الشاذلى على الحوائط فى مسقط رأسه