صناعة الجريد: 25 ورشة ما زالت مُحافِظة على مهنة الأجداد
قرية «شنوان» تشتهر بصناعة الجريد
شارع صغير يطل على الطريق الرئيسى لقرية «شنوان» التابعة لمركز شبين الكوم، على يمين ويسار الداخل فيه تراصت ورش مبنية من الجريد تشبه الأكواخ، يخرج منها أصوات طرق خفيفة كانت هى السمة الغالبة على المكان كله، وأمام هذه «الأكواخ الخشبية» كانت أكوام من بقايا الجريد المُصنع، وأخرى من جريد لم يتم تصنيعه بعد، وفى الداخل كان العمال ينهمكون فى عملهم.
محمد البنبى، خمسينى يملك ورشة من بين ورش «شنوان» لصناعة الجريد، جلس بين عماله، منذ أن جاء فى السادسة صباحاً يعمل بيديه، فى مهنته التى ورثها عن آبائه وعرفها منذ كان فى الثامنة من عمره، يحكى عن تاريخ المهنة التى أصبحت تعانى العديد من المشكلات، حسب قوله، ففى محافظة المنوفية، كانت قرية «شنوان» هى الرائدة فى صناعة الجريد على مدار أعوام طويلة، حيث يوجد فى القرية ما يزيد على 25 ورشة، تعتمد جميعها فى الحصول على الجريد من مكانين فقط، الأول من مناطق محددة فى محافظة الجيزة مثل كرداسة والبدرشين والحوامدية، إضافة إلى مدينة رشيد التابعة لمحافظة البحيرة، ويختلف سعر الجريد حسب نوع وحجم الجريدة، حيث تبدأ من جنيه واحد وحتى 3 جنيهات للجريدة الواحدة، حسب «محمد»، الذى أضاف قائلاً: «الجريد ده لازم يكون طالع من النخل البلدى طراح البلح، ومينفعش يكون من نخل الزينة».
«البنبى»: «الاهتمام بزراعة النخل هيدخل ملايين الجنيهات للبلد ونطالب بنقابة تؤمن لأصحاب المهنة معيشتهم»
بجوار «محمد» كانت بعض الأدوات التى يتم استخدامها فى تصنيع الجريد، فكان فى يديه «السلاح»، وهو نوع معين من السكاكين، يتم استخدامه فى تقطيع الجريد الأخضر، وهو يختلف عن «السكينة» التى يستخدمها فى تقطيع الجريد الناشف، بالإضافة إلى «اللقط»، الذى يستخدم فى ثقب الجريد حسب الحاجة، وفى مرحلة تجهيز الجريدة للتصنيع يقوم «محمد» بتقسيمها إلى ثلاثة أقسام، «المخ»، وهو الجزء السفلى، و«التونى» وهو الجزء الأوسط، و«الطوالى» وهو أطراف الجريدة، ولكل من هذه الأجزاء استخدام يختلف عن الآخر فيما يتم تصنيعه.
منتجات مختلفة من الجريد يقوم «محمد» بتصنيعها فى ورشته، تمثلت فى أقفاص الخضر والفاكهة والطماطم، وهى أكثر ما ينتج، إضافة إلى أقفاص العيش والكراسى وبعض المنتجات الأخرى، تحتاج جميعها إلى نوعين من الجريد، الأخضر، وهو الذى لا يمر أسبوع على قطعه من النخل، يتم تخزينه هذا الأسبوع لتصفية ما فيه من مياه، والنوع الآخر هو الجريد الجاف، وهو ما يتم تخزينه لشهور، ولكل نوع منهما استخدام، ولا يمكن الاعتماد على نوع واحد دون غيره، الأمر الذى يسبب بعض المشكلات لصانعى الجريد، حسب «محمد»: «فى الصيف يعتبر بنخسر، على عكس الشتا، مكسبى فيه بيكون كبير، لأن النخل بيتلقح فى بداية الصيف، وفى الوقت ده محدش بيقطع جريدة واحدة من النخل بتاعه، وطبعاً مبعرفش أشترى جريد أخضر فى الفترة دى».
الاهتمام بزراعة النخل فى مصر أمر فى غاية الأهمية حسب «محمد»، من خلال استغلال الأراضى الجديدة التى يتم استصلاحها، فزراعة النخل بها لن يكلف الدولة شيئاً وسيدر عليها دخلاً كبيراً، من وجهة نظر «محمد»: «أنا بهلك فى الأسبوع 3 آلاف جريدة، وفيه ناس كتير زيى، والدولة لو زرعت النخل ده هتبقى هى أولى بدل ما نروح نشترى من بره هيدخل لها ملايين، خاصة إن كل حاجة فى النخل بتتباع»، ولم تكن مشكلة توفير الجريد هى الوحيدة بالنسبة لـ«محمد»، وإنما هناك أزمة أخرى يعانى منها العمال فى هذه المهنة، وهى عدم وجود نقابة لهم، وهو ما يجعلهم فى قلق دائم: «الصنعة دى بتعتمد على الصحة ولو مفيش صحة مش هنشتغل، لأن الواحد طول النهار بيكون قاعد مقرفص وده بيأثر على كل حاجة فى جسمه، وطالبنا كتير إن المهنة دى يكون ليها نقابة عشان تأمن حياة اللى شغالين فيها بعد كده بس مفيش فايدة ومحدش بيهتم».