د. جمال حماد يكتب: المنوفية بين الأصالة والمعاصرة
د. جمال حماد
ليس تحيزاً لمحافظة عريقة تعيش بين الأصالة والمعاصرة، ولكن من منطق التأصيل التاريخى البعيد عن أى تحيز، إنها المنوفية برغم ترتيبها المتواضع فى تقارير التنمية البشرية من حيث البنية التحتية والخدمات الاجتماعية. ولكنها من المحافظات العريقة والأصيلة فى إنتاج رأس المال البشرى. فهى مصنع حقيقى لإعداد الكوادر البشرية من حيث القوة والصلابة والصبر والعلم والتحدى والرؤية، والتاريخ شاهد لأى حقبة مرت على مصر المحروسة. كان أصحاب القرار فيها شخصيات بارزة من محافظة المنوفية. سواء كان هذا القرار عسكرياً.. اقتصادياً.. سياسياً.. اجتماعياً.. ثقافياً.. تنموياً.. إلخ. والحديث عن تلك الشخصيات جدير بأن يسطر للمنوفية تاريخاً عبقرياً. ليس على المستوى المحلى فقط. وإنما على المستوى الإقليمى والدولى.. إنها الأصالة يا سادة التى تتمتع بها محافظة المنوفية عبر كل العصور التاريخية.. واسألوا قرية دنشواى التى كانت شاهدة على التضحية والفداء والكرامة الإنسانية فى ملحمة تاريخية لن ينساها العالم.. حديثى ليس عن أشخاص أو أحداث.. إنما لتبيان أن المنوفية أصيلة فى إنتاجها المعرفى لرأس المال البشرى الذى يتميز دوماً بالشجاعة والنبل والتضحية. المنوفية التاريخ والثوابت الأصيلة تعبر دوماً عن أصالتها الضاربة فى عمق التاريخ الإنسانى. واستمرت هذه الأصالة فى فرز الكثير من المعانى والخصائص التى تتمتع بها محافظة المنوفية ممثلة فى سكانها فى كل مراكزها الحضرية وقراها الريفية.. أما المنوفية فى ضوء التراث المعاصر فقد تحدت الكثير والتاريخ المعاصر شاهد إثبات بالحدث والصورة. يكفى فى العشر سنوات المنصرمة. كانت المنوفية أهم المحافظات التى أحدثت حراكاً اجتماعياً ثورياً.. منذ ٢٥ يناير وحتى هذه اللحظة. رافضة الظلم والاستبداد بكل أنواعه لتعبر فى كل مرة أنها تعيش فى عبق الأصالة باحثة عن حداثتها بخبرة ووعى أبنائها فى كل المجالات.. وما زالت هذه المحافظة بالرغم من أنها من أعلى معدلات التعليم بين محافظات مصر وأعلاها أيضاً للأسف فى معدلات الفقر المادى. وليس فقر القدرات.. لكن هذه المحافظة استطاعت أن تصنع لنفسها تنمية مستدامة برغم مواردها الاقتصادية الضعيفة.. فهى محافظة طاردة للسكان من أعلى معدلات الهجرة منها سواء الهجرة الداخلية أو الخارجية.. ولكن من هاجر منها يبحث بأمل وصبر عن فرص للمعيشة.. وبمجرد الحصول على فرصة تتحول إلى كنز للأمل والامتداد والاستدامة.. وهى عبقرية الشخص المنوفى.. الصبور.. الوفى.. المسامح.. الذى يحدّث مهاراته وقدراته فى كل وقت وحين ليعاصر التطور والتحضر.. المنوفية محافظة عريقة وثرية تمثل عروس الدلتا.. وبأهم ميزة للتنمية والإنتاج.. وهى صناعة رأس المال البشرى.. الذى يمتد لكل ربوع مصر.. ضارباً فى أعماقها بعمق التاريخ يعمل ويجتهد ويصل إلى القمة فى كل القطاعات.. ولو بحثت فى كل مكان فى مصر ستجد من بين كل القادة وكل أصحاب القرار فى كل المؤسسات يتربع على رأسها شخص منوفى.. إنها العزة يا سادة برغم كل الظروف، المنوفية تتحدى وتنتصر.. إنها عبقرية التاريخ والجغرافيا.. دامت المنوفية مضيئة وعامرة.
أستاذ علم الاجتماع المساعد - جامعة المنوفية