«الفخار».. حرفة الذوق الرفيع تتحدى الاندثار
سيد فؤاد ما زال متمسكاً بحبه لصناعة الفخار
منظر مبهج وأشكال مختلفة من الفخار تم رصها على أسوار مدينة الفسطاط لتخطف العيون بمجرد النظر إليها منذ اللحظة الأولى لزيارة المدينة فى حى مصر القديمة، أو حتى عند الوصول إلى منطقة الورش التى يتم تصنيع الفخار بها، حيث الحرفية الكبيرة والدقة المتناهية.
سيد فؤاد، رجل أربعينى، جلس بوجه بشوش وعينين ثاقبتين، أمام دولابه دون كلل إلى جانبه أدوات بسيطة من «الطين وجردل مياه»، يعكف بحركة يده الخفيفة وقدمه التى لا تكف عن تحريك الدولاب، على تصنيع مختلف الأشكال والأوانى الفخارية من الفوانيس وقصارى الزرع وأطباق الشرب الخاصة بالحمام داخل العشش.
«سيد» لم يكن مثل باقى الأطفال عندما كان عمره 8 سنوات، فقد كان يستمتع بمراقبة والده بدقة وهو يقوم بعمله فى صنع الأوانى الفخارية المختلفة، ولم يكتف بالمشاهدة فقط، وقرر أن يرث المهنة عنه، ليصبح مع مرور الوقت من أشهر وأقدم صانعى الفخار بحى مصر القديمة.
«سيد»: «كان عندنا 300 صنايعى محترف بقوا 20 بالعافية.. وحرام مهنة زى دى تنقرض»
«اتعلمت المهنة دى بالممارسة، والدى كان بيعمل من 100 لـ200 قطعة وكنت ممكن أعمل 5 قطع يتوهوا وسط ما يصنعه والدى، وأول حاجة عملتها بإيدى من أولها لآخرها كانت طبلة ووقتها كنت سنى11 سنة ووالدى فرح بيا»، هكذا تحدث إلينا «سيد»، موضحاً أن عملية صناعة الفخار بها درجة من الصعوبة لأنها تعتمد على توافق عضلى عصبى بين المخ واليد والقدم ويكون التركيز فيها عالياً، كما أنها مهنة متنوعة وترجع أصولها لقدماء المصريين لأن الفراعنة كانوا من أوائل الناس اللى عملت أوانى الشرب والأكل من الفخار، وزمان كان مجالاتها كتير، وممكن تتعمل منها القلل ومواسير المجارى.
وعبر «سيد» عن حزنه من الحالة التى وصلت إليها المهنة بسبب عدم الاهتمام بتهيئة الأماكن لها كما ينبغى قائلاً: «لما عملوا أماكن جديدة لتصنيع الفخار بدل الأماكن القديمة ما راعوش المساحة وللأسف ده بييجى علينا فى الشغل وما بنقدرش نخزن الطين ولا نصنع كميات كبيرة زى زمان»، مضيفاً أنه مع تغير الزمن تعرضت الحرفة للكثير من العوامل التى جعلتها عرضة للاندثار فبعد أن كان يعمل بها أكثر من 300 عامل أصبح الآن العدد 20 عاملاً.
«زمان كانت الأطفال بتتعلم من سن 15 سنة وكان فيه انضباط وشغف للمهنة، دلوقتى قليل اللى عايز يتعلم، بجانب التجار اللى كانت بتيجى من أجل الحصول على الأوانى الفخارية وبيعها أو تصديرها للقرى السياحية وشهد الوضع فى الآونة الأخيرة اختفاء بعض أشكال الفخار ومنها القلل مبقاش حد بيعملها لأنها بتاخد وقت وأغلب الأماكن اللى موجودة فيها دلوقتى الريف وبقا الشغل كله مقتصر على أشكال وزخارف بتستخدمها القرى السياحية للديكور»، هكذا وصف «سيد» الحال الذى وصلت إليه المهنة.
ولم يكتف «سيد» بكونه صانعاً للأوانى الفخارية، لأنه يعمل أيضاً بالمركز القومى لثقافة الطفل التابع لوزارة الثقافة إيماناً منه بضرورة تعليم هذه الحرفة للصغار حتى لا تندثر مشدداً على أهمية وجود اهتمام أكبر من الدولة لتعليم هذه الحرفة، معللاً ذلك بقوله: «حرام حرفة زى دى تنقرض».