محمد نوح.. دنيا وكل من جاها مشى
فى جلباب فلاحى يخطو بقدميه إلى خارج الغرفة التى يتمدد بداخلها شقيقه العمدة عتمان.. الأسى يغرق وجه الفلاح الشاب علوان، الذى سيشغل منذ الآن منصب عمدة القرية خلفاً للشقيق الذى توفى دون أن يترك وراءه ذرية، يتجمع الفلاحون حول عمدتهم الجديد وهم يذكرونه بمظالمهم لدى شقيقه، يعدهم بأن يرجع كل شىء إلى أصله، تبتعد الكاميرا تدريجياً، فيما صوت فنان صندوق الدنيا ينساب فى خلفية المشهد: «دنيا وفيها كل إشى، وكل من جاها مشى».
هكذا تنتهى الحياة، ويسدل الستار على شريط العمر، وهكذا يودع محمد نوح منزله وأهله وينهى مشوار كفاح بدأه قبل أكثر من 75 عاماً؛ فيغدو مجرد جسد ملفوف فى كفن أبيض، وتغدو حياته كلها مجرد ذكريات يسردها أحباؤه ومعجبوه. هو المولود بمدينة طنطا عام 1937، تخرج فى كلية التجارة جامعة الإسكندرية، ثم التحق بمعهد الموسيقى العربية، الذى دخله هاوياً للموسيقى، وخرج منه محترفاً ليلعب دور البطولة فى مسرحية سيد درويش، قبل أن يختاره صلاح أبوسيف عام 1966 لفيلم الزوجة الثانية، ولم يكد يتم الثلاثين من عمره.
يطل نوح فى الفيلم للمرة الأولى على جماهير السينما، اختاره المخرج صلاح أبوسيف ليجسد دور علوان، الشقيق الأصغر للعمدة عتمان، الرضا والقناعة فى مواجهة الطمع والجشع، رمزية برع فيها مخرج الواقعية، أن يدير صراعاً بين الأخلاقيات والمثل على الشاشة فى صورة شخوص من لحم ودم، ولأن علوان يمثل الجانب المثالى فى القصة، فيجب أن يؤدى دوره شاب صغير يمتلك وجهاً بريئاً لا يخلو من وسامة، بالإضافة إلى بنيان جسدى جذاب يشى بحيوية دافقة كعادة نجوم السينما فى ذلك الوقت، فكان محمد نوح.
كان الفيلم هو الأول، لكنه لم يكن الأخير، شارك بعده فى عدة أفلام كان أهمها «السيد البلطى» لتوفيق صالح فى 1969، و«المزيكا فى خطر» لمحمود فريد فى 1976، غير أن مشروعه الفنى الذى ارتكز فى الأساس على الموسيقى غناءً وتلحيناً دفعه للغوص أكثر فى ذلك الفن، فكوّن فرقة النهار، ثم أسس مسرحاً يحمل الاسم نفسه فى فترة السبعينات قبل أن يتم إغلاقه فى مرحلة لاحقة، وفى نفس الوقت لحن وغنى عددا كبيرا من الأغنيات كان أشهرها على الإطلاق أغنية «مدد شدى حيلك يا بلد»، بالإضافة إلى عدد كبير من المقطوعات الموسيقية استخدمت كموسيقى تصويرية لعدد من الأفلام.
مشوار طويل تواصل ليكوّن نوح فى التسعينات فرقة جديدة من ابنتيه سحر ومريم وابنه الوحيد هاشم، منحها اسم «رباعى نوح»، وشارك بها فى حفلات ليالى التليفزيون وأضواء المدينة. حققت الفرقة نجاحاً، وذاع صيت الأبناء الذين بدوا أنهم فى طريقهم على خطى الأب، غير أن الفرقة أنهت عملها، وأعلن نوح اعتزاله منذ أكثر من عشرة أعوام ليلزم بيته وسط آلاته الموسيقية، قبل أن توافيه المنية مساء أمس الأول.