الإعمار.. استعادة الأمل من تحت الأنقاض
مدينة «كوبانى» السورية
تعرضت مدينة «كوبانى» لتدمير 80% من بناياتها وعانت محنة قاسية خلال الحرب حتى بعد خروج مقاتلى التنظيم الإرهابى «داعش» منها، فقد ترك الإرهابيون وراءهم دماراً كاملاً، ولم يكن لدى المدنيين أى فرصة للحصول على الخدمات الأساسية، وخرج الإرهابيون وتركوا المدينة خارج نطاق الحياة لأنهم طبقوا فلسفتهم وهى سياسة «الأرض المحروقة»، فقد دُمرت الأسواق والمدارس والمستشفيات وشبكات الكهرباء، حتى خطوط المياه والصرف الصحى المدفونة أسفل سطح الأرض، وبعدما تحررت المدينة وحققت نصراً مؤزراً على الدواعش عاد الأمل فى الحياة لأهلها وكان لزاماً عليهم بدء الأعمار لإصلاح ما دمرته الحرب.
على بعد 150 متراً فقط من خط الحدود التركية، تبدأ حدود سوق «الهال» المحاط بسور كبير خلفه ساحة ضخمة على أطرافها محال مرصوصة، وكل منها يخرج بضائعه من الخضراوات والفواكه، هذا السوق تم تدميره خلال الحرب وانعدمت فيه حركة البيع والشراء، وكان هناك نقص كبير فى الغذاء، الذى كان يتم تهريبه بسبب تطويق الإرهابيين للمدينة، لكن بلدية المدينة وضعت السوق على رأس أولوياتها فأقامته من جديد بنظام أكثر حداثة وملاءمة لحركة البيع والشراء، وقامت بإعادة بتصميمه وتوسعته لتكون هناك ساحة كبيرة أمام المحال تسمح بحركة دوران السيارات وتفريغ وتحميل البضائع.
إدارتها الشعبية أعادت تأهيل وتوسيع السوق الشعبى.. ونقلت معارض السيارات إلى سوق كبير على أطرافها.. و«نضال»: غالبية الخضراوات إنتاج محلى وتأتينا بضائع من إيران وتركيا ومصر
أمام محله على الجانب الأيمن من السوق، وقف نضال مصطفى، 40 عاماً، يراقب عن كثب قدوم بعض المواطنين لشراء الخضراوات التى قام بجلبها إلى السوق من الأراضى الزراعية فى القرى المحيطة بالمدينة، وبسؤالنا له عن أحواله قال إن الأوضاع تحسنت كثيراً عن ما قبل الحرب بسبب التصميم الجديد للسوق الذى سمح بحركة أفضل للبيع والشراء، وتابع: «الحمدلله ماشى الحال أفضل من الأول صار خلف الباب شارع 12 متر، وبلش المزارعين يجيبوا الخضراوات والفواكه وموسم الثوم هلا بدأ»، مشيراً إلى أن البضائع الموجودة معظمها إنتاج محلى وبعض الإنتاج إذا زاد يتم إرساله للمناطق المجاورة لكوبانى، وتكون أنواعاً معينة من الخضراوات كالخيار والباذنجان.
وبالنسبة للبضائع المستوردة، أشار إلى أنها تأتى من تركيا ومن الأردن ومن إيران، كما أن البندورة -الطماطم- المصرية تأتى إلى كوبانى فى بعض الأحيان، وأنها أكثر البضائع التى تأتى من مصر عبر الساحل السورى ومنه إلى مدينة منبج ثم كوبانى، مضيفاً: ينقص بعض الخدمات التكميلية، وهى فى الطريق تحت الإنشاء، لكنها لم تؤثر على حياة المواطنين وحركة البيع والشراء تسير على نحو جيد فى ظل انخفاض أسعار السلع بسبب كثرة الإنتاج المحلى من قرى كوبانى.
وأضاف عمر عثمان، تاجر فى السوق، أن توسعة السوق تمت على نفقة التجار، حيث قام كل تاجر بدفع مبلغ من المال، والبلدية تولت عملية التوسعة فى الخارج، مشيراً إلى أن إعادة بناء السوق ورجوع حركة البيع والشراء كان حلماً للأهالى بعدما تم تدمير كل شىء فى المدينة، وتعرض السوق لخسائر فادحة وتم تدميره بشكل كبير، بسبب الاشتباكات العنيفة، موضحاً أن هذا الموسم ستزداد فيه البضائع المستوردة بسبب الفيضانات التى ضرب كوبانى وقضت على الزراعات الكثيرة بعدما أزالت الشتلات من الأرض.
عودة الحياة بدأت بجمع جثث التكفيريين من الشوارع ودفنها خارج المدينة ومنظمات إنسانية ساعدت فى إخراج الجثامين المطمورة أسفل المنازل
لم يكن هذا السوق فقط هو الذى تمت إعادة تصميمه، بل إن أسواقاً أخرى فى المدينة اختير لها شكل مختلف فتم نقل أسواق كاملة خارج مركز المدينة، كسوق السيارات الذى قررت البلدية إنشاءه بعيداً عن مركز كوبانى، وأقامته على طرف المدينة بعيداً عن الكثافة السكانية والشوارع الضيقة، وأنشئ السوق بعد مدخل المدينة فى منطقة صحراوية فارغة وتم تمهيد الطريق له، ويضم السوق 104 مكاتب للسيارات مساحة كل مكتب 112 متراً وكل مكتب أمامه ساحته، وموزعة على 13 مبنى لكل مبنى 8 مكاتب، حسب قول أحمد حمدان، وكيل أحد المكاتب الذى تعاقد وتسلم مكتبه، مشيراً إلى أن مكاتب ومعارض السيارت كانت عشوائية داخل المدينة، لذلك أخرجوها إلى الأطراف، وهذا السوق بدأ إنشاؤه فى الأول من مايو العام الماضى، وعلى وشك الافتتاح الفعلى ونقل السيارات بشكل كامل، وفتحه أمام الجمهور، وستقام على مقربة منه منطقة صناعية تضم المصانع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة.
من جانبها قالت روشن عبدى، الرئيسة المشتركة لبلدية كوبانى، إن حقبة الإعمار بدأت فى عام 2015 بعدما تحررت كوبانى بشهر واحد، حيث عاد المواطنون لإعادة إعمار منازلهم، وتشكلت لجنة بالبلدية وجهت نداءها إلى كل المهندسين والفنيين وكل من على علم وخبرة بمجال الإعمار ليدرسوا حجم الدمار الذى لحق بالمدينة وما تحتاجه من إمكانيات ودعم، مشيرة إلى أن 100 شخص من أبناء كوبانى لبوا النداء رجعوا إليها وبدأوا فى دراسة إعادة الإعمار التى خرجت بأن المدينة تدمرت بنسبة 80% من البنية التحتية فوق الأرض وتحت الأرض، وأن مواسير مياه الشرب والصرف الصحى وكل التوصيلات الخدمية المدفونة تحت الأرض أصيبت بضرر بالغ نتيجة السيارات المفخخة وصواريخ الطائرات وقذائف المدفعية الثقيلة.
رئيس البلدية: الدواعش قطعوا خطوط الكهرباء المدفونة خلال حفر الأنفاق وبدأنا بإصلاح مرافق الخدمات العامة
وأضافت أن الإرهابيين قطعوا خطوط الكهرباء المدفونة أسفل سطح الأرض، بعد حفرهم الأنفاق، منوهة بأن الدراسة أفادت أن هناك دماراً كاملاً للمبانى ودماراً جزئياً لمبان أخرى، فبدأت البلدية عملها بترحيل الجثث التى كانت منتشرة فى الطرقات وأسفل المبانى خارج المدينة لدفنها، وفى هذه المرحلة جاءت وفود من الإدارة الذاتية -التى تحكم فى شمال سوريا- لأن البلدية لم يكن لديها الإمكانيات التى تمكنها من استخراج الجثث من أسفل المبانى لدفنها فى الخارج فجاءت مساعدات من منظمات عربية وأجنبية فى الخارج لترحيل الأنقاض، وإعادة الإعمار فى المدينة، موضحة أن إعادة الإعمار بدأت بتأهيل المدارس والمستشفيات والأماكن العامة كخطوة أولى، وتابعت: «بعد إعمار المستشفيات والمدارس لجأنا لمن تضرر جزئياً أولاً لأنه الأسرع فى العودة إلى الحياة، والمنظمات اللى أجت كلها إغاثة إنسانية ومنظمات غير ربحية وقدمت مساعدات بسيطة، وبعض المنظمات كانت تيجى ترمم مدرسة واحدة، أو تزرع أشجار فى حديقة أو تمد خطوط صرف حى كيلو واحد أو 500 متر فقط»، مؤكدة أن الدعم الأكبر كان من الإدارة الذاتية، حيث أقيم أيضاً مركز للأسايش -قوات أمن داخلى- لافتة إلى أن بداية التحرير كانت صعبة بسبب وجود الدواعش على مسافة تمكنهم من قطع الطريق على الجهات الأخرى التى تساعدنا، ولم يكن هناك سوى الجهة التركية فقط أمام بلدية كوبانى، ولم ينفك الحصار بشكل كامل إلا بعد تحرير مدينة تل أبيض التى تقع إلى الجنوب من كوبانى وتتبع محافظة الرقة.
وأوضحت المشترك لبلدية كوبانى، أن المدينة قبل الحرب كانت مهمشة لأنها منطقة كردية وبعيدة عن العاصمة ونائية على الحدود التركية، ولم يكن بها الخدمات والبنية التحتية لم تكن جيدة، مشيرة إلى أن البلدية بدأت بترميم مدارس فى منطقتى «كونية كردان وبوطان غربى»، ومدت خطوط صرف صحى بمسافة 7٫5 كيلو، وتتلقى حتى الآن عشرات الطلبات يومياً وتقوم البلدية بفحصها لتلبيتها.