رئيس معهد الدراسات العربية السابق: الحديث عن إقامة دولة فلسطينية فى سيناء أو الأردن «خزعبلات»
الدكتور أحمد يوسف أحمد
قال رئيس معهد البحوث والدراسات العربية، التابع لجامعة الدول العربية، السابق دكتور أحمد يوسف أحمد، إن خطة السلام الأمريكية المعروفة باسم «صفقة القرن» تهدف لتصفية الصراع العربى الإسرائيلى على حساب دول الجوار، والمحصلة النهائية شبه دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة، مضيفاً فى حواره لـ«الوطن» أن ما تسرب عن تفاصيل الخطة المزعومة التى تقترح إقامة شبه دولة فلسطينية فى سيناء أو اعتبار الأردن وطناً بديلاً مجرد خزعبلات لا يمكن القبول بها، مرجحاً أن تصبح هذه الصفقة واحداً من أكبر إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية.
د. أحمد يوسف: صفقة القرن تصفية للصراع العربى الإسرائيلى على حساب دول الجوار والمحصلة النهائية شبه دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة
وتابع «أحمد» فى حواره لـ«الوطن» أن إيران خطر حقيقى على المنطقة لكن «فيها اللى مكفيها» ويمكن التفاوض معها إذا أثبتنا لها أننا لسنا لقمة سائغة، وعبّر عن عدم تفاؤله بوجود تحول إيجابى للسياسة التركية تجاهنا فى ظل وجود «أردوغان المتعجرف» الذى يسعى للهيمنة على المنطقة بجماعات الإسلام السياسى... إلى نص الحوار
وفقاً لما تسرب من تفاصيل، ما الذى يميز خطة السلام الأمريكية المعروفة بـ«صفقة القرن» عما سبقها من خطط سلام تقدمت بها إدارات أمريكية سابقة؟
- هذه الخطة تختلف بشكل جذرى عن أى خطط سبقتها، فمنذ العام 1967 وهناك مشاريع لخطط سلام متعددة خصوصاً من الجانب الأمريكى، ولكن أياً كان رأينا فى هذه الخطط فقد كانت تمثل محاولات لتسوية الصراع العربى - الإسرائيلى، أما الخطة الحالية، التى لا تهدف لحل القضية بل تصفيتها وإنهائها، فتتميز أولاً بأنها تتم فى ظل أقصى انحياز أمريكى لإسرائيل منذ نشأتها فى العام 1948، هذا الانحياز كان دائماً موجوداً ويتزايد، وبداية من الألفية الجديدة تخلت واشنطن عن مواقفها التقليدية التى كانت تحترم فيها القرارات الدولية الخاصة بقضايا أساسية مثل حق عودة اللاجئين ومعارضة الاستيطان فى الأراضى المحتلة، وللرئيس جورج بوش الابن تصريح شهير فى ٢٠٠٤حين سئل: هل من العملى تفكيك المستوطنات؟ فأجاب بـ«لا»، هل من العملى تفعيل حق العودة بالنسبة للاجئين؟ فأجاب بـ«لا». وتزايد الانحياز الإسرائيلى إلى أن وصل لذروته مع الإدارة الحالية التى اعترفت بالقدس عاصمة لإسرائيل.
والمعلم الثانى المذهل لهذه المبادرة أنها أول خطة سلام تتم بعيداً عن الفلسطينيين، أنا واثق أن الإدارة الأمريكية تستمع إلى آراء بعض الفلسطينيين أو جهات على تواصل معهم، لكن الأطراف الأساسية غير حاضرة، أفهم استبعاد حماس لأنهم يعتبرونها جماعة إرهابية، لكن ماذا عن القيادة الفلسطينية الشرعية المعتدلة؟ الأغرب من ذلك أن يقال إن حضور الفلسطينيين ليس ضرورياً، لأنها صفقة إقليمية، ما هذا الكلام الفارغ؟! من أبجديات حل الصراعات أن تأخذ فى الحسبان مواقف كافة الأطراف، ولن يكتب لهذه الخطة النجاح دون إجماع فلسطينى على مباركتها.
المعلم الثالث لهذه الخطة تركيزها الشديد على ما يسمى بالسلام الاقتصادى والترويج لإمكانية تحويل غزة لـ«سنغافورة جديدة» تتمتع بقدر كبير من الرفاهية الاقتصادية بعد إنشاء مطار وميناء ومحطتى كهرباء وتحلية مياه ومشروعات استثمارية متعددة بأموال خليجية، لكن أخطر ما فى هذا الحل المشبوه وهو ما قيل عن ضرورة دعم غزة برياً بأراض تعادل 3 أمثال مساحتها تؤخذ من سيناء، على أن يتم تعويض مصر بمساحة بديلة فى صحراء النقب ونفق برى يصلها مباشرة بالأردن مكافأة لها، ما يعنى أن الحل يتم بعيداً عن الفلسطينيين من ناحية وعلى حساب الآخرين من ناحية أخرى، والمحصلة النهائية شبه دولة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة يمكن أن تكون عاصمتها أبوديس.
ولماذا أبوديس؟
- ما أفهمه أنها منطقة ملحقة إدارياً بالقدس، ما يعنى أن الفلسطينيين يستطيعون أن يزعموا أن عاصمتهم هى القدس، وهذا شىء يذكرنا بما فعله الحلفاء مع الشريف حسين بعد الحرب العالمية الأولى، وقتها وعدوه بشبه الجزيرة العربية ثم منحوه فقط منطقة شرق الأردن التى لم يكن لها أهمية تذكر سوى أنها جزء من الجزيرة العربية التى وعدوه بها، باختصار هذه الخطة تدعو لحل لا يقوم على تفكيك المستوطنات أو إعادة اللاجئين أو الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للفلسطينيين، ولكنها تصور سياسى يقوم على واقع الاستيطان والشتات الفلسطينى مع مغريات اقتصادية لأهل غزة، وزيادة فى السخافة والاستخفاف يقال إن الإسرائيليين يشترطون أن تكون هذه المزايا المتمثلة فى المنشآت الاقتصادية على تخوم غزة الجديدة مع مصر حتى تكون هناك سيطرة على الدولة الجديدة، طبعاً لا توجد كلمة واحدة رسمية عن هذه الخطة، وبالتالى يستطيع أن ينكر أى مسئول أمريكى هذه التفاصيل، لكن لدينا العديد من التقارير والشواهد والتسريبات، والأهم لدينا موقف الرئيس الفلسطينى محمود عباس، الذى وصف الخطة بـ«صفعة القرن»، ورأيى أن الصفقة المزعومة ستكون واحداً من أكبر إخفاقات السياسة الخارجية الأمريكية.
مصر كانت قائدة للدول العربية ونطمح فى استعادة هذا الدور وليس من مصلحتنا أن تهيمن أى قوة على المنطقة.. ومن المحرمات العربية.. توطين لاجئين فلسطينيين فى لبنان أو اعتبار الأردن الوطن البديل لفلسطين أو منح جزء من سيناء لإقامة دولة فلسطينية مزعومة علينا مواجهة إيران بكل السبل.. لأنها خطر حقيقى ولديها مشروع للهيمنة على المنطقة لكنها ليست كإسرائيل
هل فكرة توسيع غزة بأراض مصرية من سيناء يمكن أن تكون مقبولة فلسطينياً؟
- ربما إذا عرض هذا الحل على الفلسطينيين الذى يعانون الضنك قد يقبل به بعضهم، لكن العقل الجمعى الفلسطينى لن يقبل به، فالقبول بأرض بديلة يعنى تصفية القضية، لأنه بهذا المنطق يمكن توطين الفلسطينيين فى دول أخرى، وهو أمر مطروح وبعض دول أوروبا وأمريكا اللاتينية مرشحة لاستقبالهم، لكن الأهم هو الموقف المصرى، إذ لا يوجد فى مصر حاكم أو محكوم يمكن أن يوافق على التنازل عن شبر واحد من سيناء، هذه استحالة من الناحية السياسية، ودعنى أفترض المستحيل وهو القبول بالفكرة، أى إقامة دولة فلسطينية على قطاع غزة وجزء من شبه جزيرة سيناء، هذه الدولة ستضم ما لا يقل عن 5 ملايين فلسطينى، فهل هذا يمكن أن يكون مقبولاً أمنياً لمصر أو حتى إسرائيل؟ هل يمكن أن تقبل الدولتان ببقعة مكتظة بالسكان على حدودهما؟ وإذا قبلت إسرائيل بهذا الحل بهدف تصفية الصراع؟ فكيف يمكن أن تقبل به مصر؟ تذكر أن «شوية أنفاق مع غزة جننتنا»، فكيف يكون الحال حين تكون لديك حدود كاملة مفتوحة مع غزة الجديدة؟!
الأمور ستكون مختلفة إذا تحولت غزة لسنغافورة كما يقولون؟
- ومن قال إن ذلك سيحدث؟ هذه مجرد وعود لتمرير الحل لا أكثر، إسرائيل سترحب بهذا الحل لأنه كما قلت لك يعنى قبولاً بمبدأ الأرض البديلة وهذا ينهى القضية من جذورها، لكن الغالبية العظمى من نحو 12 مليون فلسطينى حول العالم لا يمكن أن تقبل بهذا الحل.
وهل يمكن عملياً تنفيذ الخطة على حساب الأردن، أى أن تتحول المملكة الهاشمية إلى الوطن البديل لفلسطين؟
- تماماً مثل مصر، لا يمكن أن يقبل الأردن بهذا الحل، الأردن ما زالت لديه مشكلة اندماج بين مواطنى شرق الأردن، الموجودين هناك قبل العام 1948، والمواطنين من أصول فلسطينية بعد انضمام الضفة الغربية الفلسطينية إلى الأردن فى ١٩٥٠، صحيح أنه باتت الآن هناك لحمة وطنية أردنية مكنته من تجاوز هذه المشكلة، لكنها لن تمكنه من التعامل مع موجات جديدة ضخمة من اللاجئين الفلسطينيين، لدينا عدة محرمات فى العالم العربى منها توطين لاجئين فلسطينيين فى لبنان أو اعتبار الأردن الوطن البديل لفلسطين أو منح جزء من سيناء لإقامة دولة فلسطينية.
جمال حمدان أكد فى «شخصية مصر» أن كل الأخطار تأتى من الشمال الشرقى.. والآن ولأول مرة فى تاريخنا يصبح أمننا القومى مهدداً من كل الجهات وكان الله فى عون حُماته
وما منطق هذه المحرمات؟
- أولا مسألة مبدأ، فهؤلاء اللاجئون لهم أرض أصلية استولت عليها إسرائيل، ثانياً من غير المتصور إضافة أعباء إضافية على الموارد المحدودة للبنان والأردن، ثالثاً تغيير التركيبة السكانية فى البلدين سيؤدى إلى مشاكل خطيرة، فسينقسم الأردن بين من هو أردنى ومن هو فلسطينى، ولبنان، بتركيبته الطائفية شديدة الحساسية، لا يتحمل مثلاً استقبال نصف مليون مسلم سنى فلسطينى، ما يعنى أن هذا النوع من الحل هو بذرة لتوتر جديد قد يتحول لصراع، ومن المهم أن نذكر أن الموقف الرسمى فى الأردن ومصر يرفض التعامل مع هذه الخزعبلات أو الإشارة إليها، وآخر قمة جمعت الرئيس السيسى بالملك عبدالله، أكدا خلالها تمسكهما بحل الدولتين والقرارات الدولية ذات الصلة.
إذا كانت مصر والأردن والسلطة الفلسطينية ترفض الخطة، فعلى ماذا يراهن الأمريكان إذن؟
- هذا سؤال وجيه، فلو كانت السياسة الأمريكية تتصف بالذكاء والرشادة لما فكرت على هذا النحو، غير أن واقع الأمر أن الإدارة الأمريكية الحالية تبنى حساباتها على غباء وسذاجة سياسية واضحة، مشاركة جميع الأطراف المعنية إحدى بديهيات حل أى صراع، ولكن من الواضح أن مجموعة الهواة الذين يديرون ملفات الشرق الأوسط فى الإدارة الأمريكية الحالية لا يعرفون هذه البديهيات، جاريد كوشنر مثلاً شاب يهودى عديم الخبرة وشديد الانحياز لإسرائيل وكل مؤهلاته أنه زوج ابنة ترامب، هل هذا معقول؟!
لكن يقال إن دولاً خليجية تدعم الأفكار الأمريكية أملاً فى أن تحصل فى المقابل على دعم واشنطن وتل أبيب فى مواجهة إيران؟
- أنا على وعى تام بما يقال إن دولاً خليجية أعطت الأمريكان الضوء الأخضر لصفقة القرن، وإن هذه الدول مطالبة بعشرات المليارات لدعم هذا الحل، لكن لا يوجد تصريح واحد رسمى يؤكد هذه المزاعم، أقصى تصريح فى هذا الصدد لمحمد بن سلمان أدلى به لمجلة «ذا أتلنتيك» كان «ليس لدىّ اعتراض دينى على دولة إسرائيل»، وهو لم يأت بجديد، من منا الآن يعترض على وجود إسرائيل دينياً أو على أساس غير دينى؟ المبادرة العربية فى 2002 دعت للتطبيع فى حال وافقت إسرائيل على تسوية عادلة، ثانياً ما الذى يستفيده الخليج من إهدار ثرواته على مشاريع وهمية مشكوك فى جدواها السياسية؟ ثالثاً مهما قيل عن أن دوافع دول الخليج هو حرصها على التحالف مع إسرائيل فى مواجهة إيران، فإن إخراج هذا المشروع سياسياً سيكون فى منتهى الصعوبة، وقد تترتب عليه متاعب سياسية جمة، فالتركيبة السكانية فى دول الخليج التى تضم أعداداً كبيرة من الشيعة تجعل من الصعب تمرير مخطط يستهدف إيران فى النهاية.
وهل أنت من الفريق الذى يرى إيران خطراً حقيقياً أم ممن يعتقدون أنها تهديد مبالغ فيه ويمكن التعايش معها؟
- إيران خطر حقيقى لأن لديها مشروعاً للهيمنة على المنطقة لكنها ليست كالخطر الإسرائيلى، وعلينا أن نواجه الخطر الإيرانى بكل السبل بما فيها الوسائل السياسية، وقد جرب العرب القوة المسلحة لمواجهة المشروع الإيرانى فى اليمن، لكن هناك وسائل سياسية للمواجهة، أنا من المؤمنين أن التعايش مع إيران ممكن إذا أثبت لها أن العرب ليسوا لقمة سائغة، والعرب بالفعل ليسوا لقمة سائغة بدليل ما حدث فى اليمن، وعندما تثبت لإيران أنك لست ضعيفاً سوف تتحاور معك حوار الند للند، والسيد عمرو موسى، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، لم يكن ساذجاً سياسياً حين طرح فكرة إقامة «رابطة دول الجوار»، واقترح أن تبدأ الرابطة بدول ليست بيننا وبينها مشاكل مثل تشاد، على أن يدور حوار لاحق مع إيران للوصول إلى صيغة متوازنة للعلاقات تحقق مصالح الطرفين.
لكن الواضح أن الولايات المتحدة وإسرائيل تلعبان دوراً فى شيطنة إيران بهدف إجهاض أى محاولة تقارب بينها وبين العرب؟
- إيران تملك بالفعل مشروعاً للهيمنة لا شك فى ذلك، لكن لا شك أيضاً أن واشنطن وتل أبيب تسعيان لشيطنتها أكثر، لكن ما يجب أن يفهمه الجميع أنه لا سبيل لمواجهة المشروع الإيرانى إلا بامتلاك ما يكفى من عناصر القوة، كيف حررت مصر سيناء؟ ببناء القوات المسلحة وخوض حربى الاستنزاف وأكتوبر، ما أجبر إسرائيل على الدخول فى مفاوضات أعادت لنا أرضنا، هذا ما نحتاج أن نفعله مع إيران، والوقت الآن مناسب لتحقيق شروط أفضل فى التفاوض معها لأنها هى التى تعانى من مشاكل داخلية كثيرة و«فيها اللى مكفيها».
وهل علاقات مصر شبه المقطوعة بإيران لها أسباب أخرى خلاف مراعاة اللياقة مع دول الخليج؟
- المسألة ليست لياقة ولكن مصالح، وحتى لو لم يكن بينك وبين إيران تناقضات كبيرة فحرصك على مصالحك مع دول الخليج، وهى كثيرة ومتشعبة، يكفى لأن تراعى مخاوف دول الخليج فى علاقتك بإيران، ومع ذلك، فإن الخطر الإيرانى على المنطقة كلها وليس الخليج وحده، فالدستور الإيرانى ينص على مبدأ تصدير ثورتهم وهذا يمثل خطراً علينا، لأن أى محاولة للهيمنة سواء من جانب تركيا أو إسرائيل أو إيران على الدول العربية تتناقض مع مصالحنا، نحن قوة إقليمية كانت فى يوم من الأيام قائدة للدول العربية، ولا نخفى أننا نطمح إلى استعادة هذا الدور، وبالتالى ليس من مصلحة مصر أن تهيمن أى قوة أو غير إقليمية على المنطقة.
لا يوجد فى مصر حاكم أو محكوم يوافق على التنازل عن شبر واحد من سيناء.. والدولة تفعل أكثر ما يمكنها من صواب فى ظروفنا الحالية الصعبة.. وما زال هناك أمل.. اجتاز العراق أزمة انفصال الأكراد بامتياز فما الذى يمنع تكرار نفس النموذج فى الدول المهددة بالتفتت؟
بعد أكثر من 3 سنوات من الخسائر الفادحة، هل تعتقد أن حرب اليمن كانت خياراً حتمياً أمام السعودية؟
- نعم كانت خياراً حتمياً، فقد تدخلت السعودية فى اليمن لأن الحوثيين، المدعومين من إيران، كانوا على وشك السيطرة على كل اليمن التى تمثل البطن الجنوبى للسعودية، وعندما سُئلت قيادات حوثية: كيف تقصفون جازان ونجران؟ ردوا بأنهما «مناطق يمنية». يمكن للسعودية أن تبدى مرونة فى التسوية السياسية لاحقاً، لكن لا يمكن لها أن تخرج من هذه الحرب خاسرة بقرار منها، المشكلة أن الحوثيين يفكرون بمنطق مشابه والحرب بالنسبة لهم لم تكن خياراً أيضاً وهم يعانون لكن الهدف بالنسبة لهم يستحق، السعودية تريد الحفاظ على أمنها والحوثيون لديهم فكر طائفى، أحد الكوادر الحوثية قال مؤخراً على إحدى الفضائيات ما معناه أن القضية ليست الحُديدة ولا قضية اليمن كله، بل قضية الحق والباطل وقضية على ومعاوية، وبالتالى صحيح أن تكلفة الحرب مرتفعة جداً لكن ماذا كان يمكن أن يفعل السعوديون؟ وهل كان يمكن لمصر ألا تخوض حرب أكتوبر لأن تكلفتها كانت مرتفعة؟! فى هذه الأمور القرارات الاستراتيجية تبنى على مصالح استراتيجية.
يبدو من المشهد العام وكأن منطقة الشرق الأوسط تشهد «سايكس - بيكو» جديدة، هل هذا صحيح من وجهة نظرك؟
- هذا صحيح، فالمنطقة مهددة بالتشظى، وساهمت فى ذلك عوامل مختلفة منها الاستبداد السياسى والتركيبة السكانية غير المتجانسة، بالإضافة إلى مخططات دول خارجية ستكون أكثر اطمئناناً إذا كانت هذه المنطقة فى حالة ضعف، ولتذكر أن هذه المنطقة من العالم لم تتحد يوماً إلا ومثلت خطراً على أعدائها، فقد غزت الدولة الإسلامية فى ظل الخلافة أوروبا مرتين، إحداهما عن طريق الأندلس والثانية من خلال البلقان، ودولة محمد على وإن لم يوحد كل العرب جمع ما يكفى من القوة لتهديد الدول الكبرى، فاجتمعت عليه وأوقفت مشروعه، والرئيس عبدالناصر كان يسير على الطريق نفسه، وتدخله العسكرى فى اليمن أجبر بريطانيا أن تصرح علناً فى فبراير 1966 أنها ستغادر الخليج بحلول العام 1968 ولن تحتفظ فيه بقواعد، وعبدالناصر قال فى خطاب له: «احنا قاعدين لحد بريطانيا ما تطلع» ما يعنى أن بريطانيا ستخرج وعبدالناصر سيدخل، وبالتالى كان لا بد من توجيه ضربة له قبل 1968، وقد كان، وحدث عدوان 1967، وتذكر ماذا حدث فى حرب أكتوبر حين اجتمع المال والسلاح العربى، الغرب باختصار لا يريد أن يتصور أن تقوم قائمة لهذه المنطقة من جديد.
إذن أنت مقتنع بوجود مخططات لتفتيت المنطقة؟
- بكل تأكيد ولأسباب مختلفة منها حماية أمن إسرائيل وكلنا يذكر خرائط ومقترحات برنارد لويس التى تقسم مختلف دول المنطقة لدويلات صغيرة، وهذه المخططات تجاوزت مرحلة السيناريوهات إلى التنفيذ، فاليمن وليبيا وسوريا باتت مقسمة عملياً، لكن هل تكتمل هذه المخططات وتنجح أما لا، هذه قصة أخرى، وأنا دائماً فى التفكير المستقبلى أقول لا تسألوا عن السيناريوهات المستقبلية، ولكن اسألوا عن السيناريو المرغوب واعملوا له، وما زالت هناك مساحة للأمل، فأنا واحد من الناس الذين اعتبروا أن استقلال الأكراد منذ نحو عام بات واقعاً لا محالة، فإذا بالعراق يجتاز أزمة الانفصال بامتياز، ما الذى يمنع تكرار نموذج العراق فى دول عربية أخرى مهددة بالتفتت؟
كيف ترى السياسة الخارجية المصرية فى عهد الرئيس السيسى؟
- أعتقد أن الدولة المصرية تفعل أكثر ما يمكنها من صواب فى ظروفنا الحالية الصعبة اقتصادياً وأمنياً، يكفى أن الدولة لديها سياسة متماسكة تجاه الصراعات العربية، تتمثل فى انحيازها للدولة الوطنية العربية وجيوشها النظامية، حدث ذلك فى ليبيا وسوريا العراق، رغم أن دولاً صديقة مثل السعودية لم تكن تتفق معنا، وتجاوزنا هذا الخلاف بمنتهى الدبلوماسية معها.
ما أكثر ما تخشاه على الأمن القومى المصرى؟
- لأول مرة فى تاريخنا يصبح الأمن القومى المصرى مهدداً من كل الجهات، وكان الله فى عون حماته، أنا من جيل كانت فيه إسرائيل تمثل الخطر الوحيد: انظر إليها واحذر منها تحمى أمنك، وجمال حمدان لخص فى كتابه «شخصية مصر» كل الأخطار فى اتجاه واحد وهو الشمال الشرقى، الآن، بالإضافة لإسرائيل التى ستبقى تهديداً، أياً كانت الظروف، هناك تهديد من غزة، والإرهاب يهددك من حدودك الغربية والجنوبية مع ليبيا والسودان، اللتين تسعى تركيا المعادية لك إلى الوجود فيهما، ومداخلك الجنوبية الشرقية مضطربة مع وجود الحوثيين على الساحل الغربى لليمن، وأنت فى حاجة لليقظة الشديدة لحماية آبار الغاز الواعدة فى شرق البحر المتوسط.
بمناسبة الحديث عن تركيا، هل تعتقد أن أردوغان الذى وعد الشعب التركى بتدارك أخطائه، قد يسعى للتصالح مع مصر؟
- لست متفائلاً بوجود تحول إيجابى للسياسة التركية تجاهنا، أردوغان شخص متعجرف، وتذكر كيف كان يخاطب رئيس الوزراء العراقى حيدر العبادى الذى طالبه فى أكتوبر 2016 بالخروج من الأراضى العراقية التى دخلها، فإذا به يرد عليه بما معناه: «إنك لست نداً ولست بمستواى، وصراخك فى العراق ليس مهماً بالنسبة لى على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء، وعليك أن تلزم حدك»، ويخاطب المسئولين فى اليونان بنفس الطريقة و«يبلطج» على قبرص ويحذرها من التنقيب عن الغاز فى مياهها الإقليمية، لكنه رجل داهية فقد أسقط طائرة روسية ثم تحالف مع بوتين ويعادى إسرائيل، ولو شكلياً، لكنهم يعملون له حساباً، وتطاول على قيادات أوروبية ولم تجرؤ على عقابه، واشترى سلاحاً روسياً وهو عضو فى الحلف الأطلسى ويعارض بعض سياسات أمريكا لكنه يدير علاقاته معها بشكل جيد.