الشرقية..محارق النفايات مصدر للموت والمواطنون فى مرمى التلوث والأمراض
«عواطف» تحمل الأوراق والأشعات الخاصة بمرضها
أدخنة سامة تهاجم الأهالى ليل نهار، كابوس يعيشه الآلاف من أبناء محافظة الشرقية بسبب محارق النفايات التى تقع على مقربة من منازلهم، حتى أصبحت مصدراً للموت، يقضى على كافة مظاهر الحياة فى المناطق المحيطة بها، لم تتوقف أخطارها فقط على البشر، بل تمتد إلى الحيوانات والزراعات، وباتت الأجواء خانقة، تلاشى معها الأمل فى نسمة هواء عليل تملأ صدورهم، التى نخر فيها المرض، وتسببت فى تزايد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية، التى تحصد مزيداً من الأرواح فى كل يوم. وبمجرد أن تطأ قدم أى شخص قرية «الخضارية»، التى تبعد نحو 4 كيلومترات فقط من مدينة الإبراهيمية، تستقبله أدخنة محرقة مستشفى «كفور نجم»، وعلى مقربة منها يقوم بعض شباب القرية بتصويرها بين الحين والآخر، ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعى، آملين أن يصل صوتهم إلى أى مسئول خارج القرية.
«عايشين فى رعب ليل ونهار، خايفين من الأمراض، خاصة السرطان، بعد إصابة عدد من الأهالى بالمرض خلال السنوات الماضية»، بتلك الكلمات بدأ محمد سعيد عبدالغنى، 27 سنة، عامل زراعى، حديثه لـ«الوطن»، مشيراً إلى أن منزله لا يفصله عن المحرقة سوى مسافة قصيرة لا تتعدى المترين، وتابع قائلاً: «ابنى عمره سنتين ونصف، أصيب بأمراض الحساسية وضيق التنفس، بعد ولادته بـ3 شهور، وما زال يعانى من المرض حتى الآن، حتى أصبح لا يستطيع الاستغناء عن التنفس الصناعى».
«الصحة» تؤكد عدم مطابقة «مجمع الخطارة» للمواصفات وتأخر إنشاء مستشفى الطوارئ بسبب عدم إزالة «محرقة القرين»
وأضاف: «إحنا أكتر ناس تعانى من أضرار المحرقة، حيث يتطاير الدخان من فوهة ماسورة المحرقة، ويتسرب إلى منزلنا والمنازل المجاورة، بعد أن يتشبع به الهواء»، لافتاً إلى أن المسئولين يبررون وجود المحرقة فى المكان قبل بناء المنازل بالقرب منها، على خلاف الحقيقة، حيث يقيمون فى المنزل منذ أكثر من 15 سنة، وقبل ذلك كانوا يقيمون فى منزل قديم مجاور لمنزلهم الحالى. والتقطت عواطف أحمد على، 40 سنة، ربة منزل، وتقيم بنفس المنزل، طرف الحديث بالإشارة إلى إصابتها بمرض الحساسية قبل سنة ونصف، وأضافت أنها عندما توجهت إلى الطبيب، فى بداية شعورها بالتعب، أخبرها بأنها أصيبت بالمرض نتيجة تعرضها للتلوث، وتابعت: «زوجى عامل زراعى غلبان، بيوفر لى تمن العلاج بالعافية»، مشيرةً إلى أن لديها 5 أبناء تتراوح أعمارهم بين 4 و20 سنة، تخشى عليهم الإصابة بالمرض.
وبجوار المحرقة من ناحية اليسار، وداخل منزل بسيط مكون من دور أرضى، تغطى واجهته طبقة من الأسمنت، يفصله شارع ضيق عن المحرقة، لم تتوقف مها إبراهيم، 25 سنة، عن الحركة، تحاول البحث عن جهاز التنفس الصناعى لإنقاذ طفلها «عمار»، سنتان ونصف، من أزمة التنفس التى يعانى منها بشكل متكرر، عبرت عن قلقها على حياة ابنها الصغير قائلةً إن الدخان يتطاير من المحرقة ليهاجمهم داخل المنزل، تحاول جاهدة إغلاق الأبواب والنوافذ، ولكن الدخان يمكنه التسلل إلى داخل المنزل، واختتمت حديثها لـ«الوطن» بقولها: «ابنى عايش بجهاز التنفس الصناعى، مثل العديد من أطفال القرية، محدش بيسأل فينا من المسئولين، وكأنهم منتظرين وباء يتفشى بين الأهالى أو نموت علشان يتحركوا». وأكد أحمد زين العابدين، 35 سنة، إخصائى اجتماعى بمجمع مدارس القرية، أن أضرار المحرقة تصل إلى الطلاب داخل الفصول، مشيراً إلى أن المجمع يقع على مقربة من المحرقة، من جهة اليسار، ويعمل المجمع على فترتين، ويقصده آلاف التلاميذ والطلاب بجميع المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية التجارية، مشيراً إلى أن عدد الفصول فى المجمع يبلغ 47 فصلاً، ومتوسط الكثافة يصل إلى 65 طالباً بكل فصل، كما توجد مدرسة ابتدائية على الجانب الآخر من المحرقة، يعانى تلاميذها أيضاً من الأدخنة المتصاعدة، التى تتطاير يميناً أو يساراً بحسب اتجاه الرياح، ما يتسبب فى حدوث أضرار صحية جسيمة للتلاميذ، دون أى تحرك من المسئولين لإنقاذهم.
وعلى بعد خطوات قليلة من مدخل مستشفى أبوكبير المركزى، توجد محرقة النفايات الطبية الخاصة بالمستشفى، وبجوارها مباشرة مبنى يضم طابقاً للحضانات، وطابقاً آخر مخصصاً لحجز مرضى الباطنة من الأطفال والكبار، وبمجرد تشغيل المحرقة سرعان ما تهاجم الأدخنة والأتربة الملوثة المنبعثة منها المرضى داخل غرفهم، الأمر الذى يضاعف معاناتهم مع المرض.
وداخل إحدى الغرف المخصصة لحجز الأطفال، وقفت «نادية. م»، 45 سنة، ربة منزل، مرافقة لطفلها الذى يعانى التهاباً رئوياً، تحاول إغلاق النافذة الوحيدة فى الغرفة، تحدثت لـ«الوطن» قائلة: «ابنى محجوز فى المستشفى من يومين، وعند تشغيل المحرقة تهاجمنا رائحة الدخان داخل الغرفة، ما يدفعنا إلى إغلاق النافذة، ولكننا لا نستطيع إغلاقها لوقت طويل، خاصةً أنها المنفذ الرئيسى لتغيير الهواء فى الغرفة، التى تضم عدداً كبيراً من المرضى»، بينما قالت ممرضة، رفضت ذكر اسمها، إن قسم الباطنة للأطفال يتم فيه حجز 4 أطفال، بينما قسم الكبار يتم فيه حجز 8 حالات، وتتراوح مدة بقاء كل حالة ما بين 4 و10 أيام، وأكدت أن القسم من أكثر أقسام المستشفى التى يتعرض المرضى فيه للضرر بسبب الأدخنة المتصاعدة من محرقة النفايات الطبية، التى تضاعف آلامهم ومعاناتهم، كما تتسبب فى إصابة المرافقين للمرضى بأمراض الصدر والحساسية، أثناء وجودهم بالمستشفى.
من جانبه، قال مدير مستشفى أبوكبير المركزى، الدكتور عبدالمنعم شوالى، إن المحرقة تخدم 5 مستشفيات أخرى، بالإضافة إلى عدد كبير من العيادات والمستشفيات الخاصة، وأكد فى تصريحاته لـ«الوطن»، أن المحرقة تُعد «صديقة للبيئة»، ولا يتصاعد الدخان منها إلا خلال الفترة التى تتخلل عمليات الحرق، وتكون لدقائق محدودة، وقال إنها لا تمثل خطورة على الأطفال.
أما الدكتور عاطف عامر، أستاذ ورئيس قسم الكيمياء بكلية العلوم جامعة الزقازيق، فأكد ضرورة مراعاة المواصفات القياسية عند إقامة المحارق، لتكون فى مناطق تبعد عن الكتل السكنية، وتكون أيضاً بعيدة عن مبانى المستشفيات بمسافة لا تقل عن 25 متراً، وأن تكون مدخنة المحرقة بارتفاع أعلى من المبانى القريبة منها، وأضاف أن وجود المحرقة بالقرب من مبانى المستشفيات، خاصة المخصصة للأطفال، من شأنه أن يلقى بتأثيرات سلبية على صحة الأطفال، كما أكد أن أجهزة التكييف لا تمنع تسلل الهواء المحمل بالملوثات إلى داخل غرف المرضى.
أما بالنسبة لمحرقة النفايات الطبية بمدينة القرين، فقد أصدر محافظ الشرقية، اللواء خالد سعيد، ووكيل مديرية الصحة بالمحافظة، قراراً قبل نحو 7 شهور، بنقلها إلى مجمع محارق النفايات بمنطقة «الخطارة»، التابعة لمركز فاقوس، على أن يتم إنشاء مستشفى للطوارئ، تابع لإدارة مستشفيات جامعة الزقازيق، مكان المحرقة، إلا أنه لم يتم تنفيذ قرار إزالة المحرقة إلى الآن، وبالتالى تعطل إنشاء المستشفى، رغم تعهد الأهالى بتدبير كافة نفقات إنشاء وتجهيز المستشفى بالجهود الذاتية. من جانبه، قال وكيل وزارة الصحة، الدكتور هشام مسعود، إن المديرية وضعت خطة لنقل كافة محارق النفايات الطبية إلى مجمع «محارق الخطارة»، فى الظهير الصحراوى بمنطقة الصالحية الجديدة، مشيراً إلى أنه تم بالفعل نقل محرقة مستشفى الصالحية العام إلى المجمع، وخلال الفترة المقبلة سيتم نقل محرقة القرين، إلا أنه أكد أن هناك بعض الإجراءات الجارى استكمالها، لتهيئة مجمع المحارق بشكل كامل، حتى يكون مطابقاً للمواصفات بشكل كامل، لافتاً إلى أن مجمع المحارق يقع فى منطقة صحراوية، ويتطلب ذلك إنشاء سور حوله، والتعاقد مع إحدى الشركات لتوفير أفراد أمن لتأمينه، تجنباً لتعرض المحارق أو النفايات للسرقة. وأضاف أنه يجرى أيضاً مراجعة بعض السلبيات، التى تم رصدها خلال زيارته لمجمع المحارق، موضحاً أنه قرر إحالة القائم على المجمع إلى الشئون القانونية، نظراً لتسلمه دون مطابقته للمواصفات الفنية، حيث تبين أن مساحة غرفة تجميع النفايات غير كافية، وأنه لا بد من إنشاء غرفة أو غرفتين أخريين، موضحاً أنه وجه كلاً من المشرف على المحرقة المُكلف منه، ومسئول التخلص الآمن من النفايات، ومدير الإدارة الهندسية بالمديرية والتموين الطبى، بإجراء الدراسة اللازمة للانتهاء من المشروع، والبدء فى أعمال إنشاء السور، وزيادة مساحات غرف تجميع النفايات الطبية الخطرة، كما وجه بإصلاح العيوب الفنية للمحرقة، الموجودة حالياً، واتخاذ كافة الإجراءات الإدارية والقانونية حيال ما سبق.
«نادية» برفقة ابنها أمام المستشفى لعلاجه من الربو
اقرأ المزيد:
-
شركة وطنية
-
شركة لإدارة المخلفات
-
شركات النظافة الأجنبية
-
خطة وطنية
-
الاستثمار فى القمامة
-
مقالب القمامة العشوائية
-
رئيس جهاز تنظيم المخلفات
-
جهاز تنظيم المخلفات
-
جمع المخلفات والقمامة
-
إعادة التدوير
-
تنظيم المخلفات
-
الزبالين
-
هيئة نظافة الجيزة
-
العاملين بالنظافة
-
رفع القمامة من الشوارع
-
المدفن الصحي
-
الزبالة
-
النفايات
-
محارق النفايات