23 يوليو بقلم "هيكل".. تفاصيل آخر ليلة حكم لأسرة محمد علي
الملك فاروق
ساعات فارقة في تاريخ مصر الحديث، شهدتها ليلة الثلاثاء 22 يوليو 1952، كشفها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه "سقوط نظام.. لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة؟"، والذي تحدث في فصله الأخير، الذي حمل عنوان "ساعة سقوط الملكية في مصر" عن تفاصيل سقوط النظام الملكي في مصر وخلع الملك فاروق من سدة الحكم، وأصدائه على العالم.
يحكي "الأستاذ" في كتابه، أنه في تمام الساعة العاشرة والنصف من مساء يوم الثلاثاء 22 يوليو 1952، كان يجلس بمنزله ينتظر مكالمة تليفونية من الصاغ سعد توفيق ليبلغه برسالة من البكباشي "جمال عبدالناصر حسين"، ولم يكن يعرف ما تحمله الرسالة، ولكن بالطبع كان متأكد بأنها لها علاقة بالمشهد السياسي العام بمصر، وحين وصلت الساعة إلى الحادية عشر إلا ربع دق جرس الهاتف، لكن لم تكن المكالمة التي ينتظرها هيكل وانما كانت لـ"فريد زعلوك وزير الدولة" ويتكلم بصوت مشحون يحمل نبرة القلق ويسأل هيكل: "هل عرفت أن الجيش نزل الشارع؟"، وبأن لدى "القصر والوزارة" معلومات أن هناك حالة عصيان في الجيش، ليرد هيكل بأن الحواس الصحفية تخبره أن أمرا ما يجري الأن، وأنه كان لا يعرف على وجه اليقين شكله أو حجمه أو اتجاهه، ليرد فريد زعلوك بأنه سيكلمه مرة أخرى.
وجاء الاتصال الذي ينتظره هيكل من الصاغ سعد توفيق، يخبره بلقاءه عند الثالثة فجرا في كوبري القبة، وكان بين الحادية عشرة والثالية فجرا وقت طويل والقلق يكاد يفتك بهيكل ولو ذهب الي "أخبار اليوم" لن يفيد بالغالب في شئ سوى البقاء، كانت الدقائق تمر ببطء وقليلين يعرفون ما يحدث، وان كان حقا الجيش قد نزل الشارع فلابد أن اللواء محمد نجيب يعرف شيئا.
يواصل "هكيل" سرده للأحداث، وأنه لم يتحمل الانتظار حتى وجد نفسه أمام منزل اللواء محمد نجيب، ليدخل المنزل، ويجده جالس الى مكتبه يتمتم ببعض الكلمات في التليفون، "حتي عندي هنا الأستاذ هيكل من أخبار اليوم نعم .. نعم"، ويعطي نجيب الهاتف لهيكل ويهمس، "هذا مرتضى المراغي وزير الداخلية"،كان هيكل يعلم خطورة هذا الرجل وبأنه أقوى رجال الملك وحين سأل هيكل عما يحدث؟، أخبره بأنه لا يعرف شيئاً سوى ما أخبره به زميله "فريد زعلوك" من خروج ضباط الجيش الى الشارع، وبأنه قرر أن من الأفضل الذهاب لمنزل اللواء محمد نجيب لعله يعرف شيئا ووجدته يتحدث إليك ليقول المراغي "في عيال مجانين ضباط جيش تركوا ثكناتهم وخرجوا في حالة عصيان هتوديهم في ستين داهية، وهذا الجنون يجب أن ينتهي قبل الصباح، وأنا كلفت اللواء نجيب أن يتصرف بما يراه مناسبا، ويقنعهم بفض اعتصامهم والذهاب الي منازلهم وبأن أحد لن يتعقبهم وسيعتبروا الأمر طيش شباب دفعهم الى الحماسة الزائدة".
ويذكر هيكل في كتابه، أنه عند الساعه الواحدة والنصف بعد منتصف ليلة 23 يوليو عرف اللواء محمد نجيب بصورة قاطعة، أن حركة الجيش بدأت مبكرة جدا عن الوقت المتفق عليه إذ عجلوا بها شهرا عن الموعد الذي أبلغوه به.
وعند الساعة الرابعة إلا ثلث فجرا، وصل هيكل إلى مبنى "رئاسة هيئة أركان الحرب" وكان قد وصل قبله محمد نجيب واستقبله عبدالحكيم عامر ليبلغه بأن القاهرة تحت السيطرة، ليسأل نجيب عن موقف الفرقة الأولى مشاة العريش وتعتبر قوة رئيسية في ذلك الوقت ليطمئنه عبدالحكيم بأن "تأييد الفرقة للمعركة مضمون وفي الطريق" ووجد جميع مجلس قيادة الثورة هناك، وأكد سعد توفيق لهيكل بأن القيادة كلها داخل مكتب رئيس هيئة أركان الحرب مجتمعين باللواء محمد نجيب وبعد عشر دقائق خرج جمال عبد الناصر من مكتب رئيس الأركان وكانت تعلوا وجهه نصف ابتسامة، وقال أمامنا اجتماع آخر لم يبق منه الكثير نصف ساعة على الأكثر وسأعود، وكان يقف خلفه عبد الحكيم عامر ليطمئن هيكل لا تخف كل شيء يسير بالضبط كما رسمنا.
وفي الساعة السادسة وخمس دقائق، دعى سعد توفيق إلى غرفة اجتماع القيادة لأقل من دقيقة وعاد ومعه ورقة هي صورة من بيان سوف يعلن بعد قليل "الساعة السابعة" من اذاعة القاهرة وهذا ما تم بالفعل لأن قوات الجيش قد سيطرت على استديوهات الاذاعة في الشريفين، وناول سعد توفيق الورقة لهيكل هل لديك ملاحظة أو رأي؟، وكان "البيان رقم 1 من قيادة حركة القوات المسلحة".
ويؤكد هيكل في كتابه بأن الوثائق البريطانية والأمريكية والفرنسية تمثل أكثر المصادر حيدة واطلاعا على لحظات سقوط أسرة محمد علي، وفي صباح يوم الأربعاء 23 يوليو كان محمد أنور السادات باستوديوهات الإذاعة المصرية محاطًا بمجموعة من الضباط وقال للإعلامي فهمي عمر "أريد إذاعة هذا البيان على الشعب المصري في اللحظة الأولى، التي تبدأ فيها فقرة الإذاعة الصباحية"، ليبزغ فجر 23 يوليو منذ تلك اللحظة.