«متلازمة تناقضات».. إشكالية الحب والكراهية للمدينة المليونية
«متلازمة تناقضات».. إشكالية الحب والكراهية للمدينة المليونية
كان رحيل الشاب العشرينى إلى لندن عام 2016 بعد تخرجه فى الجامعة الأمريكية لدراسة الماجستير فى صناعة الأفلام، مدعاة إلى شعور تدفق من داخله بمجرد الاستقرار على قرار السفر، وظلت مشاعر الرغبة فى العودة وعدم الاستمرار بالخارج تسيطر على تفكيره، متداخلة مع شعور الرفض الدائم للعاصمة التى يقطنها منذ المهد، ولكن أمير الشناوى، مخرج الأفلام التسجيلية، لم يكن الأول فى أسرته الذى يمر بتلك المرحلة ويشعر بتلك الأزمة التى سمّاها «متلازمة القاهرة»، بل سبقه لها شقيقه «كريم»، مر بنفس المرحلة عندما قرر أيضاً الدارسة فى الخارج، وبعد الانتهاء منها، ورغم الكراهية للمدينة المليونية العملاقة، قرر العودة وداخله خليط من مشاعر الحب والبغض للحياة داخل القاهرة.
صناع أفلام تسجيلية ينتجون أعمالاً عنها: «مبادرة منا للتعبير عن المشاعر المختلطة تجاه العاصمة ومشكلاتها»
كانت تلك المشاعر التى تشارك فيها الأخوان محل نقاش دائم من الأصدقاء، فى كل مرة يتخذ فيها أحدهم القرار بالعودة يقابله فيض من الأسئلة من الأصدقاء والأهل والأقارب: «إنت رجعت ليه؟»، ودائماً كان الأخوان يبحثان عن إجابة، وفى كل مرة كانت الإجابة مختلفة، تارة الأسرة هى الإجابة وتارة أخرى تكون الرغبة فى العمل بالسوق المصرية.
«أمير» كان رده فى بعض الأحيان «إحساس بالمسئولية تجاه بلدتهم التى مرت بمرحلة زمنية تحتاج إلى توثيق بأعمالهم الدرامية»، ومرة تكون الإجابة خليطاً بين كل تلك المشاعر، ولكن تلك المتلازمة دفعت الأخوين للبحث عن آخرين مرضى بتلك المتلازمة، وصناعة منتج يعبر عنها، فقرر «أمير» أن ينتج فيلماً عن تلك المشاعر يكون مشروع تخرجه بجامعة «جولد سميث» بلندن التى درس بها صناعة الأفلام.
كانت البداية أن اشترك «أمير» و«كريم»، مع سارة فرج، صحفية، ومحمد طاهر، مدير تصوير، فى إحساس متلازمة القاهرة بمشاعرها المرتبكة بين الحب والكراهية للمدينة المليونية، وبدأوا فى الكتابة، كل منهم كتب عن أمراض القاهرة، سواء الزحمة، التحرش، ونظرة الرجل لملابس الفتاة، القمامة، إلى آخره.. لكن «أمير» وشقيقه قررا دمج أكبر عدد من الأشخاص فى التجربة والبحث عن آخرين لديهم تجارب ليصنعوا منها مادة خصبة لمحتوى الفيلم، دشنوا صفحة على مواقع التواصل الاجتماعى وطلبوا من كل أعضائها حكاية تجاربهم مع «متلازمة القاهرة»، 100 شخص شاركوا بحكاياتهم، وكانت مفاجئة وقاسية فى بعض الأحيان. أحد المشاركين أرسل فيديو يبكى بعدما تسبب زحام القاهرة فى تأخره عن جنازة جده وعدم توديعه إياه لمثواه الأخير، فتيات كثر كانت مشكلتهن البحث عن ملابس مناسبة لتلك المدينة التى تضج بالمتحرشين، وهى الأزمة المزمنة لكل الفتيات فى مدينة غير آمنة: «بقى روتين يومى من حياة كل بنت فى مصر».
كانت أكثر المشكلات التى عبر عنها المشاركون، حسب «أمير»، والتى تدفعهم لكراهية القاهرة، هى التحرش والزحام، والقمامة، والتغير العمرانى الذى طرأ بسبب هدم المبانى التراثية وظهور بنايات عملاقة بعيدة عن الذوق، الذى كانت تتمتع به القاهرة، وحلت ثقافة «الكمباوند»، التى انتشرت فى الأحياء الجديدة.. وكانت أكثر مشاعر الحب والترابط التى لا تدفعهم لهجر المدينة، هى الشعور بالمسئولية تجاه الأسرة ورغبة عدم الابتعاد عنها، ثقافة القاهرة ومشاعر عاطفية كانت هناك صعوبة لدى البعض فى التعبير عنها.
يقول «أمير» إنه رغم تلك المتلازمة، يظهر ما بين المجموعات والأصدقاء كثير من الراغبين فى الرحيل بلا عودة، وأصبح الخروج «فرصة» الكل يبحث عنها، سواء من خلال الدراسة أو العمل فى الخارج، وأصبح البحث عن فرصة للهجرة بوسائل متعددة سبيل الكثيرين من الشباب للتخلص من المدينة وأمراضها، التى زادت وتيرتها فى الآونة الأخيرة.
ويشرح «أمير» فيلمهم، الذى ينتمى لنوع من الأفلام التسجيلية يسمى «ESSAY film»، وهو مرحلة وسط بين الفيلم الروائى والتسجيلى: «المرحلة الثانية من العمل كانت البحث عن ممثلة عشرينية تكون بطلة الفيلم، لنعبر من خلالها عن طريق التعليق الصوتى، كأن الفتاة تكتب مذكراتها ولكن بالتعليق الصوتى وكتابة كل المشاعر المختلطة والأزمات التى تشعر بها بشكل يومى، وتصوير مشاهد من داخل القاهرة لتعبر عن كل تلك التجارب».
ملأت كل تجربة من دقيقتين إلى ثلاث من عمر الفيلم، حتى أصبحت مدة التجارب مجتمعة 17 دقيقة، وكان لدى الأخوين رغبة فى خروج الفيلم للجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعى، «يوتيوب وفيس بوك وفيمو»، وغيرها.
وعن رد فعل الجمهور فى لندن، بعد عرض الفيلم فى جامعة «جولد سميث»، يقول «أمير» إن الكثير فوجئ بحجم تأثير المدينة على الأشخاص، وكم المشكلات التى تعانى منها القاهرة، وأضاف: «جمهور لندن اللى شاف الفيلم منهم اللى بقى عايز ييجى يجرب العيشة فى القاهرة لفترة ومنهم اللى قرر ما يجيش أبداً».