هنا ترقد الأسرة العلوية.. «متحف الموت» فى مرمى اللصوص
الإهمال يلاحق حوش الباشا
بوابة ضخمة وسط أزقة متقاربة ما إن تدلف إليها حتى تنقلك إلى عالم آخر لا يزال يحوى بين طياته مسحة من جمال لمقابر ملكية لها فخامة القصور، قباب مذهبة ونوافذ من زجاج ملون يعكس ألوان الطيف على تركيبات رخامية لأضرحة ملكية تحوى رفات أسرة مؤسسها محمد على الكبير.
ورغم جمال المبنى المعروف باسم «حوش الباشا» فإن أيادى الإهمال لم تتركه، وراحت المياه الجوفية تضربه والأملاح تأكل حوائطه، ما تسبب فى هبوط بأرضية المبنى وسقوط التركيبات الرخامية لعدد من الأضرحة، منها ضريح إبراهيم باشا، ابن محمد على، الذى يعتبر تحفة فنية فريدة بما يحوى من زخارف ونقوش فى تركيبة رخامية هى الأضخم من بين جميع الأضرحة، وقد صمم للقائد العسكرى الذى قاد الجيوش المصرية حتى وصل بها إلى مشارف القسطنطينية عاصمة السلطنة الإسلامية.
يتكون الضريح من ثلاثة طوابق هرمية من المرمر الإيطالى، ومنقوش بالكامل من القاعدة الأرضية وصنع الشاهد من أشكال نباتية وعربية على الطراز الإسلامى ويمثل فى بنائه وزخارفه وحدة هندسية متكاملة الشكل فى تناسق هو غاية الروعة والجمال وتسبب الهبوط الأرضى لضريحه فى سقوط جانبيه وظهور ما بداخل الضريح من رمال، لم يكن سقوط رخام الأضرحة هو المشكلة الوحيدة بقبة الباشا المهددة والقباب التى ظهرت فيها التشققات بشكل واضح فى ظل غياب المنظومة الأمنية، ما جعل الضريح فى مرمى لصوص الآثار، الذين أتوا على كل ما خف وزنه وارتفع ثمنه من ثريات نحاسية ومشكاوات وحشوات خشبية.
غياب الحراسة وراء سرقة المنقولات.. وعباس حلمى: طلبت من الدولة السماح لى بتأمين وترميم قبة أفندينا فرفضت
مصير حوش الباشا لا يختلف كثيراً عن مصير قبة شويكار هانم، التى يعتبر ضريحها تحفة فنية نادرة على شكل سرير من الرخام يكاد من ينظر إليه يعتقد أن وسائده وغطاءه أقمشة وليست رخاماً نحته لها خصيصاً الفنان الإيطالى جبريال دوناتيلو، جمال الضريح لم يشفع له لدى وزارة الأوقاف التى يتبعها، نظراً لعدم تسجيله بوزارة الآثار كأثر حتى الآن، حيث تركته لخفر حموه من اللصوص بالاستعانة بكلاب اشتروها على نفقتهم الخاصة، لكنهم فشلوا فى الاعتناء به فتحولت الحديقة إلى حظيرة للدجاج فيما تحول الضريح لمخزن لأدوات الحرس اليومية.
على بعد بضعة كيلومترات من قبة شويكار هانم تقع «قبة أفندينا» حيث مقابر أسرة الخديو توفيق، وإن كانت الأخيرة أفضل حظاً نظراً لاعتناء الأمير عباس حلمى الثانى بها فلا تزال أرضيتها يكسوها السجاد وأضرحتها الـ9 المصنوع بعضها من الخشب المطعم بحشوات من العاج والبعض الآخر من الرخام المنحوت بدقة بكامل هيئتها، كما لا تزال نوافذ القبة الجصية معشقة بالزجاج الملون تتيح تعامد الشمس على الأضرحة فى أوقات مختلفة من النهار، وإن كان اللصوص عرفوا طريقهم إليها فسرقوا الخشب المزخرف بحلية نحاسية مفرغة، هو آخر جزء نحاسى باقٍ فى المبنى، كما سطا اللصوص على المدخل الرئيسى وتركوه بلا أستار الكعبة النادرة وستار مقام سيدنا إبراهيم، الذى كان نسخة فريدة وآخر ما تبقى من كسوة كانت تصنع فى مصر، كما سرق اللصوص أيضاً أوانى نحاسية ومجموعة نادرة من الشمعدانات.
داخل القبة التى تصل إليها بعد اجتياز بوابتين وسور ووسط تأمينات من خفر يحرسهم كلاب لا تتوقف عن النباح ومقاعد وطاولات وأريكة من الأرابيسك مطعمة بالعاج والأبانوس والصدف، قال عنها محمد كمال، وكيل أسرة عباس حلمى، إنها مقاعد نادرة استخدمت أثناء الاحتفال بافتتاح قناة السويس خلال حكم الخديو إسماعيل والد الخديو توفيق، وأضاف «كمال» لـ«الوطن» أن «الضريح تعرض لعدة محاولات سرقة، فقد سُرقت بعض التحف وتم استرجاع بعض المسروقات، ثم عرض علىَّ أحد تجار الآثار شراء كسوة الكعبة وستار قبر إبراهيم الخليل، واستبدالها بنسخة طبق الأصل ورفضت بشكل قاطع على الرغم من إغراءات المبلغ الضخم، ولكن بعد ثورة 25 يناير نجح اللصوص فى مساعيهم».
من جهته، قال الأمير عباس حلمى، نجل الأمير محمد عبدالمنعم، آخر وصى على عرش مصر، إن «قبة الخديو التى تحوى رفات الخديو توفيق وزوجته وبمبة قادن والأمير محمد على والأمير عبدالقادر، ورفات عدد من الأميرات، وأغلب مقتنيات القبة من سجاد ومشكاوات وثريات ومقاعد، استخدمت فى احتفال افتتاح قناة السويس، وهى تتميّز بطراز معمارى فريد، وتبعد قليلاً عن قبة الأميرة شويكار، التى تعرّضت أيضاً للسرقة، ونزل اللصوص إليها عبر زجاج القبة، وحتى الآن لم تعد».
وأضاف «حلمى»: «للأسف، فإن وزارتى الأوقاف والآثار لا تقومان بحماية الأضرحة بالشكل الأمثل، فرغم تسجيل قبة أفندينا (الخديو توفيق) أثرياً فى 2001، وتسجيل قبة الأميرة شويكار فى العام الماضى، إلا أن القائمين على وزارة الآثار لديهم الرد الجاهز دائماً، وهو: نحن جهة تتولى الإشراف فقط، ومسألة حماية الأثر تقع ضمن مسئولية الأوقاف، علماً بأن موظفى الأوقاف غير متخصصين، لا فى حفظ الآثار، ولا فى حمايتها، وهم غير مسلحين، ليواجهوا العصابات المسلحة التى تستهدف هذه الكنوز، كما عرضت أن أتولى تركيب شاشات مراقبة وكاميرات لحماية الأثر، ولكن طلبى قوبل بالرفض.
فى المقابل، عقب محمد عبدالعزيز، المشرف العام على مشروع القاهرة التاريخية، مؤكداً أن «حوش الباشا» يخضع لمشروع دراسات وأبحاث أعمال ترميم وسنقوم بتركيب التركيبات التى سقطت بشكل مؤقت ضمن مشروع درء الخطورة ثم ترميمه بشكل نهائى عند انتهاء المشروع. وتابع أن الدراسات تتضمن أعمال الرفع المساحى للموقع العام للحوش والمنطقة المحيطة به بالإضافة إلى أعمال الرصد المساحى للميول والشروخ وأعمال التوثيق الفوتوغرافى والفيديو، والدراسات التحليلية لمواد البناء، وأعمال ودراسات ميكانيكا التربة والأساسات ودارسة حركة المياه تحت السطحية وانعكاساتها على الأساسات وبيان مدى تأثيرها على حالة الحوش الإنشائية، وتقديم المقترحات المناسبة لتخفيض منسوب المياه بالحوش ودعم التربة والأساسات.
وأضاف «عبدالعزيز» أن الأعمال تهدف أيضاً إلى إعداد الدراسات اللازمة لتحديث وتجديد أعمال الكهرباء لإضاءة الأثر بالشكل الفنى الأثرى المناسب له وسحب المياه الجوفية بالتعاون مع وزارة الإسكان نظراً لأن أعمال البنية التحتية تحتاج لجهات أخرى، وإعداد وضع نظام مراقبة كامل بالكاميرات، ووضع أجهزة إنذار للحريق كما سوف يتم تقديم الدراسات اللازمة لأعمال ومتطلبات الترميم الدقيق لكافة الوحدات والعناصر الأثرية والخزفية بالأثر. وأكد أن المشروع لن يتوقف عند الحجر بل سيتخطاه للبشر وسنرفع من كفاءة المنطقة صحياً وتعليمياً وثقافياً ونؤسس لمشاريع حرفية لتكون المقابر مصدراً للحياة.