«الكورة».. صاحبة السعادة
صاحبة السعادة
فى فيلم (الإرهابى) الذى كتبه المسرحى والسيناريست لينين الرملى وأخرجه نادر جلال.. جمعت الظروف بين البطل (عادل إمام) وصديق مسيحى للأسرة التى لجأ إليها متخفياً من أجهزة الأمن (مصطفى متولى)، وكان الاثنان يشاهدان مباراة كرة قدم لمنتخب مصر. تأخر فوز مصر طويلاً وتوترت أجواء «القعدة»، وقبل أن تنتهى المباراة بدقائق أحرزت مصر هدفاً و«هاص» الجميع، وفوجئ الإرهابى بأنه يحتضن المسيحى (الذى تصادف أنه كان يجلس إلى جواره)، ثم ذهبت السكرة وجاءت الفكرة وأفاق الاثنان (الإرهابى والمسيحى) على حقيقتيهما، فنظر كل منهما إلى الآخر وافترقا.
لحظة الانتصار فى كرة القدم تشعل فى النفس نشوة لا تسبقها سوى نشوة الانتصار فى معارك الوطن العسكرية. كرة القدم فى لحظات مجدها تذيب كل الفوارق السياسية والاجتماعية والثقافية والطبقية، وهى أضخم وأوسع حزب سياسى فى مصر، والحزب الواحد الوحيد فى دول وممالك لا تعرف أو لا تعترف بالحياة الحزبية. وقاعدة الكرة، فى مصر كما فى البرازيل وغيرهما، هى «الشارع»، بتفرعاته الضيقة، الخانقة، وميادينه، وساحاته، وأحواشه الرثة. ففى هذه الأماكن يولد «الحريفة».. يولد أصحاب المهارات ويولد عشق هذه اللعبة والشغف بها. فى هذه الأماكن وُلد جوهرة الدنيا «بيليه».. البرازيلى الأسمر الذى جعل لكرة القدم سعراً، وسوقاً لا تهدأ، وحقيبة وزارية، ووُلد «محمد صلاح»، ابن الدلتا الذى فتن الإنجليز وداعب وتراً قديماً لدى المصريين الذين لم ينسوا لبريطانيا أنها احتلت مصر لأكثر من سبعة عقود.
هل كرة القدم ابنة البيئات الفقيرة؟ هل لا بد أن تعيش طفولتك حافياً، وتتمرن على أرض ترابية، وتراوغ بأغطية زجاجات المياه الغازية، لتكون موهوباً بحق؟. ليست قاعدة، لكن الذين بدأوها هكذا، أو الذين أفلتوا من كمين الفقر، أصبحوا فيما بعد «فاكهة» كرة القدم.
حتى سنوات قليلة مضت كان هؤلاء الموهوبون حراساً لـ«سُمعة» كرة القدم وكانوا عنواناً لكل جيل، والأسماء التى يحفظها الجمهور ويحفظ لها «كراماتها» حتى لو كانت «ترقيصة» أو لعبة حلوة. ولأن كبرياء الموهبة ونظرة المجتمع المتدنية للعبة كانتا تحولان دون «ذهاب» أصحاب المواهب إلى الأندية.. اخترعت الأندية وظيفة «كشاف مواهب». لكن طوفان الاحتراف وأنهار الفلوس التى تتجمع فى غرف وبارات الفنادق الفخمة، وتجرى فى «تراكات» الملاعب.. غمرت كرة القدم بكل عناصرها. أشعلت بورصة اللاعبين، وأغرقت الساحات القديمة، وساوت بين الحريف والمجتهد، وأوقفت تصنيف مصر بين القوى الكروية عند الرقم «صفر»، وتركت فى أذهاننا سؤالاً محزناً: هل كرة القدم حرفنة.. أم بيزنس؟!