"الوطن" تواصل نشر وثائق الاستخبارات الأمريكية عن معاهدة «كامب ديفيد»
رصدت أكثر من وثيقة، من وثائق المخابرات الأمريكية، التى أفرج عنها مؤخرا، قرار حكومة ممدوح سالم يوم 7 يناير 1977 برفع الدعم بشكل مفاجىء عن كثير من السلع الأساسية، وما تلى ذلك من انفجار لانتفاضة شعبية بلغت ذروتها يومى 18 و19 يناير من نفس العام. وتشير أكثر من وثيقة لانزعاج الإدارة الأمريكية من هذه الاحتجاجات، التي سماها السادات لاحقا بـ"انتفاضة الحرامية"، واعتبرتها مؤشرا على احتمال سقوط "السادات" ومعه اتفاقية السلام مع إسرائيل، وبالتالي انفجار الشرق الأوسط مرة أخرى.
وفى وثيقة تحمل رقم "176 FC" بعنوان "أعمال الشغب الواسعة في مصر" قالت المخابرات الأمريكية إن "رد الفعل الشعبى (المظاهرات) الذى نتج عن تدابير التقشف وقرارات إلغاء الدعم عن العديد من السلع الاستهلاكية كان قويا جداً لدرجة أنه يهدد استمرار حكم السادات، وحتى مع إعلان السلطات المصرية استعدادها لمراجعة هذه القرارات، إلا أن الـCIA استبعدت احتواء هذه المظاهرات العنيفة خاصةً في القاهرة والإسكندرية إلا عن طريق "جهد خاص" من الشرطة لاستعادة النظام في الشوارع المصرية، بالإضافة لتراجع السادات في قراره برفع الأسعار".[FirstQuote]
وأضافت الوثيقة التى كتبت في 19 يناير من عام 1977 "رغم أن هذه القرارات كانت ستؤدي لتقليل الضغوط التضخمية على المدى الطويل، إلا أن تأثيرها المباشر في رفع الأسعار لم يتقبله الشعب المصري. ورأت أن حكومة السادات" أخطأت في إصدار القرار دون سابق إنذار ودون أن تبذل أي جهد لتخفيف الضربة للمستهلكين من عامة الشعب المصري أو لتوضيح الحاجة لمثل هذه الإجراءات أو حتى التأكيد على زيادة المرتبات مع ارتفاع تكاليف المعيشة. ومن ناحية أخرى ذكرت الوثيقة أنه من الممكن أن يكون للحكومة دافع آخر في إصدار القرار بهذه السرعة وهو أن تثبت لصندوق النقد الدولي -الذي كان يحث مصر على مزيد من تدابير التقشف وقتها- أن هذا الحل غير مجدي سياسياً بالنسبة لمصر. فلم يكن هناك أي مبرر سياسي أو اقتصادي لاتخاذ مثل هذا القرار المفاجئ إلا رغبة الحكومة في إقناع مسؤولي صندوق النقد الدولي -الذين كانوا في مصر حينها- بخطورة القيام بخطوة مثل إلغاء الدعم بالنسبة للشعب المصري، وذلك بعد أن حاول "السادات" ورئيس حكومته "ممدوح سالم" مقاومة مطالب صندوق النقد وتبنى خط’ إصلاحات اقتصادية تدريجية تجنباً لسخط الشعب"
وتابعت الوثيقة "أياً كان دافع الحكومة من هذا القرار، فقوة وكثافة وعفوية أعمال الشغب التي عصفت بمدن مصر بعدها كانت بلا شك مفاجأة للجميع" وتوقعت المخابرات الأمريكية " أن تستمر وتزيد المظاهرات والفوضى، على الرغم من تهديدات "الداخلية" باستخدام القوة، ما لم يتم إلغاء تدابير التقشف وبسرعة." وأضافت "على الرغم من ادعاء الحكومة بأن اليساريين هم من قادوا هذه التظاهرات إلا أن القنصل الأمريكي - في الإسكندرية وقتها- أكد أن المظاهرات لم تكن مدبرة و لا قائد لها. وحذرت الوثيقة من أن الوضع الآن في مصر "يسمح لأي طرف باستغلال الموقف وإثارة المزيد من الفوضى والمتاعب للحكومة ".
وفى وثيقة أخرى بتاريخ 1 يونيو 1978 بعنوان " الخلافة في مصر...المنهج ..المشكلات .. والعواقب المحتملة" توقعت المخابرات الأمريكية – التي كانت قلقة بشدة من سقوط حكم الرئيس السادات سواء باغتياله أو مرض مفاجئ و سيناريوهات خلافته- " إن فرص الدائرة المقربة من السادات كبيرة في السيطرة على عملية الخلافة، ونائبه محمد حسنى مبارك ووزير الدفاع محمد عبد الغنى الجمسي ، هما أقوى مرشحين لخلافة السادات".
وتوقعت الوثيقة أن اشخاص أقوياء - وليست مؤسسات – هم المرشحون لخلافة السادات بعينها، وأن من سيحدد خليفة السادات – بعد مباركة الجيش- هم وزير الدفاع عبد الغنى الجمسي و ورئيس الحكومة ممدوح سالم ،ورئيس مجلس الشعب سيد مرعى وصديق السادات " عثمان أحمد عثمان" و "أشرف مروان " والفريق "حسن التهامي" . وتابعت الوثيقة- التي نشرنا جانبا منه أمس- أنه بفضل اتصالاتهم المباشرة بالجيش وهو صاحب القرار النهائي فيمن يصل للسلطة في مصر، فإن "مبارك" و"الجمسي" ، سيكونان المتنافسين الرئيسيين في انتخابات الرئاسة. وأشار التقرير إلى منافس ثالث وهو ممدوح سالم الذى يحظى بدعم كبير من قبل القوات المسلحة ويتمتع بخبرة سياسية أكبر من مبارك والجمسي ولكنه مرتبط في الاذهان بمشكلة ارتفاع الاسعار التي اشعلت انتفاضة يناير عام 1977، وبالتالي فإن شعبيته "متضررة".
أما الفريق الجمسي فهو "قائد عسكرى محنك ولديه من القوة ما لا يتوفر لأي منافس أخر " وقد تلقينا رسائل متضاربة ومعلومات متضاربة عن طموحاته السياسية. وحتى وقت قريب كان يعتقد ان "وزير الحربية " غير متهم بالسعي للرئاسة لكن الحديث عن احتمال رحيل السادات قد جعلته -وفقا لبعض المقربين منه-يعيد التفكير فى الأمر.وعن "مبارك" قالت المخابرات الأمريكية : "كان مبارك طيار محترف وبطل حرب ولكنه لم يكن يتحلى بأي طموح أو خبرة سياسية عندما ولاه السادات كنائب للرئيس فى إبريل عام 1975، ومنذ ذلك التاريخ حاول السادات تدريبه سياسيا بشكل صارم كي يكتسب خبرة قوية في الشؤون الداخلية والخارجية." وأضافت الوثيقة أن هذا التدريب كان بمثابة اختبار من السادات ليرى ما اذا كان مبارك سيصلح فى العمل السياسيى لكن السادات لم يعلن أبدا هل كان راضيا عن أداء مبارك بعد هذا التدريب، لكن السادات على الأرجح سوف يختار مبارك لخلافته إذا قرر التنحى".واضاف تقرير ال"سلا أى أيه" أن السادات قد قام في الاشهر الماضية بالتحدث عن احتياج مصر لقيادات شابة تعكس نجاح حرب أكتوبر 1973، و مبارك الذي يدربه باستمرار السادات، يبدو ملائما لوصف السادات.[SecondQuote]
وأشارت الوثيقة لسيناريو آخر وصفته بأنه " ليس مستحيلا"، وهذا السيناريو يكمن في تولى الجيش السلطة حتى مع وجود السادات فى القصر الرئاسى، وقالت: "هناك إحباط متزايد من أسلوب إدارة السادات لشئون البلاد الاقتصاد مصر وتعثر مفاوضات السلام . فضلا عن وجود نذير خطير ألا وهو الغضب السياسي العارم بين قطاعات الشعب ، فإن القوات المسلحة تعانى من الحرمان من حقوقها وممنوعة من المشاركة في الأحزاب السياسية منذ عام 1976."
وتابعت الوثيقة أنه يوجد سخط عام خصوصا بين الضباط ذوى الرتب الصغير والمتوسطة، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى مشاكلهم الاقتصادية وضعف أجورهم وعدم رضاهم عن سياسات السادات المعادية لليبيا والاتحاد السوفييتي. وتابعت أن قمع الجيش للجيش فى انتفاضة الشعب فى يناير 1977 أثربشكل مقلق على معنويات القوات المسلحة على جميع مستوياتها، خصوصا وأن الكثير من الضباط كانوا يشعرون بنفس احباط أفراد الشعب الذين تظاهروا في الشوارع، و قادة الجيش القلقين من الشماعر السلبية لجنودهم - نفذوا أوامر مواجهة المتظاهرين على مضض".[ThirdQuote]
وأضافت الوثيقة أنه اذا استمر السخط الاقتصادي وتدنى أوضاع المدنيين والعسكريين وتجددت الاضطرابات، فسيضطر الجيش للانضمام للمتظاهرين حتى وإن لم يكن ذلك بصورة منظمة ومدبرة بهدف الاطاحة بالسادات. ووفقا لتقديرات المخابرات الأمريكية فإن "حاشية السادات " قد تضطر لإجباره على التنحي إذا استمر السخط العام على سياساته ت الداخلية و الخارجية،حتى وأن لم تتجدد أعمال شغب عنيف (على شاكلة احتجاجات يناير 1977) ."