فى مئوية ميلاده: محمد فوزى من «كازينو رتيبة».. إلى الـ«فرانكو آراب»
محمد فوزي - صورة أرشيفية
رغم مرور أكثر من نصف قرن على رحيله إلا أن سيرته باقية ومكانه لا يزال شاغراً لم يملأه فنان بعده، واليوم يتجدد الحديث عنها فى الذكرى المئوية لميلاده.
لم يكن محمد فوزى مجرد مطرب مر بشكل عابر فى تاريخ الأغنية المصرية والعربية وإنما كان رائداً ومجدداً، وصاحب تجربة ناجحة فى التمثيل ربما لم تتحقق لمطربين آخرين بعده، ترك بصمات بارزة فى عالم التمثيل والغناء، ما زال أثرها واضحاً حتى الآن، فقد ترك وراءه تاريخاً عظيماً قد صنعه فى نحو ثلاثين عاماً، ما بين الغناء، والتلحين، والتمثيل والإنتاج أيضاً.
أسس شركة «مصر فون» لبيع الأسطوانات، وكان منافساً قوياً للشركات الإنجليزية آنذاك، وبعد النجاح الكبير الذى حققه فيها صدر قرار بتأميمها، لتكون نقطة البداية فى رحلة مرضه، وأصيب بالاكتئاب حتى انتهى الأمر بإصابته بمرض نادر، فشل الأطباء فى الوصول إليه، ورافقته فى ذلك المشوار زوجته كريمة عبدالرحيم، فقد كان وزنه نحو 35 كيلو جراماً، حتى توفى فى أكتوبر 1966.
اليوم تفتح «الوطن» ملف «شحات الغرام» وسيرته فى الفن والحياة.
رمز التجديد فى الأغنية المصرية.. وصاحب مشوار ثرى فى عالم الموسيقى والنغم
قدم محمد فوزى ما يزيد على 400 أغنية تنوعت مشاركته فيها بين الغناء والتلحين، وبعد هذه المسيرة الطويلة، اعتبره البعض رائداً من رواد تطوير الأغنية المصرية والعربية، إضافة إلى كونه واحداً من أهم موسيقيى الوطن العربى لإسهامه الواضح فى تجديد الجمل اللحنية التى قدمها فى أعماله، كما أنه أبرز من قدم أغانى للأطفال ما زالت تُسمع حتى اليوم، إضافة إلى أن أعماله الوطنية ما زالت تتحدث عنه، منها النشيد الوطنى للجزائر الذى كُرم عنه مؤخراً من قبل دولة الجزائر ومُنح اسمه وسامها الأول.
مسيرة «فوزى» الفنية والغنائية امتدت لما يقرب من 30 عاماً، تعاون فيها مع كبار المطربين بالوطن العربى وأثر فى عدد كبير من الشعراء والملحنين، ويعد الشاعر العملاق صلاح فايز واحداً من أهم الشعراء الذين تعاون معهم خلال مسيرته، ويتحدث عن هذا التعاون قائلاً: «حينما بدأت رحلتى مع الشعر وكتابة الأغنيات، كنت هاوياً وكنت أكتب تلك الأغنيات لنفسى ولا أقدمها لأحد كونى لم يكن لدى علاقات فى مجال الوسط الغنائى، وكنت أعتقد أن تلك الأغنيات مصيرها أن تظل حبيسة أدراج مكتبى إلى أن جاء يوم تاريخى تغير فيه كل شىء وقابلت خلاله محمد فوزى»، وأضاف: «مساء إحدى ليالى 1960 كنت بدرجة نقيب فى الجيش المصرى، وكنت معسكراً مع كتيبتى بشارع جاردن سيتى أمام عمارة بلمونت، انتظاراً للذهاب فى فجر اليوم التالى لأداء المرور العسكرى أمام قصر النيل، فجأة وأنا جالس فى الكتيبة تفاجأت بالفنان محمد فوزى ينزل من العمارة التى كنا نعسكر أمامها، ومعه عازف الكمان أنور المنسى، رغم أنى كنت إنساناً خجولاً وقتها، إلا أننى تغلبت على الخجل، وذهبت له وعرفته بنفسى، فوجدته إنساناً بمعنى الكلمة، فقال: إيه يا صلاح أنا رايح أعمل مونتاج لأغنية ولما أرجع نقعد نتغدى سوا»، وتابع: «مرت عدة ساعات، وعاد فوزى ووجدته يشاور لى كى أطلع معه لمنزله، وصعدنا معاً للدور 26، وتركنى دقائق، وعاد لى مرتدياً جلباباً أبيض، ويطلب منى سرد كلمات الأغنيات، وقلت له أغنية «بعد بيتنا ببيت كمان»، فوجدته يطلب منى ترك رقم هاتفى ليعاود الاتصال بى»، واستطرد: «بعد أسبوع تلقيت اتصالاً من فوزى يخبرنى أنه يريد إعطاء الأغنية لشقيقته هدى سلطان ويلحنها هو، فرفضت، وقلت له إن الأغنية لا تليق أن تغنيها فتاة، وشرحت له معانى وكلمات الأغنية جيداً، فوجدته يقول لى: عندك حق يا صلاح هغنيها، وغناها بالفعل وكان أول أجر حصلت عليه منه 15 جنيهاً».
«شنودة»: إجادته للأصوات جذبت إليه الأطفال.. و«نصار»: رائد الأغنية الثنائية.. وأول من قدم فن «الفرانكو آراب»
وعن إنسانية «فوزى» قال: «لا يوجد فى الوسط الفنى مثل محمد فوزى، فهو الوحيد الذى لم أره ينفسن أو يغير من أحد، بل كان يحب الخير للجميع ويتمنى لهم النجاح، ورغم أن فى عصره عمالقة فى التلحين أمثال محمد عبدالوهاب وفريد الأطرش ورياض السنباطى إلا أنه كان محباً لهم جميعاً».
ويتحدث الموسيقار الكبير حلمى بكر عن «فوزى» قائلاً: «الحظ والقدر لم يكن فى صالحه خلال مسيرته الفنية، ورغم أنه شهد لحظات توهج كبيرة إلا أنها كانت قليلة بسبب ظهور عبدالحليم حافظ وأيضاً رحلة مرضه التى خطفته من الفن والغناء»، وأضاف: «أرى أن فوزى واحد من أهم الموسيقيين فى تاريخ الأغنية المصرية والعربية الذين نقلوا الموسيقى وجددوا وطوروا فيها بشكل غير مسبوق، وكان دائماً سباقاً لكل ما يحدث فى الساحة الغنائية مثل محمد القصبجى والاثنان أول من وضعا شكلاً خاصاً للأغنية المصرية»، وتابع قائلاً: «من عظمة فوزى أن هدفه الأول كان خروج عمل جيد حتى لو لم يكن هو صاحب الفضل فيه، فلا أحد ينسى ما فعله مع الموسيقار بليغ حمدى، حينما أصرت أم كلثوم أن يلحن لها محمد فوزى أغنية، وعرضت عليه أغنية (أنساك) وبالصدفة خلال زيارة بليغ لفوزى رآها وأعجبته ولحنها وهو جالس، وحينما استمع لها فوزى أصر على أن بليغ هو الذى يكمل اللحن لكونه لحنه بشكل أفضل منه».
وعن محمد فوزى كمطرب، قال «بكر»: «لم يأخذ فوزى حقه كمطرب كثيراً، لظهور الموهبة الكبرى فى ذلك الوقت عبدالحليم حافظ، وهما كانا تقريباً يقدمان نفس اللون الغنائى، فابتعد فوزى عن الغناء لفترة طويلة وقتها، واهتم بالتلحين بجانب عمله فى مصنع الأسطوانات الذى كان قد أسسه».
أما الموسيقار الكبير هانى شنودة، فيتحدث عن عبقرية فوزى فى التلحين للأطفال، فقال: «من الناحية التحليلية الموسيقية فأغانيه للأطفال لاقت نجاحاً كبيراً، وموسيقى (ماما زمانها جاية) و(ذهب الليل) مفرحة وكلمة (واك واك) هى التى بنيت عليها الأغنية، لأن محمد فوزى يجيد لغة الأصوات وموسيقار يفهم الجمل اللحنية، والوقفات المتكررة فى الأغنية جذبت الأطفال فأحبوها»، وأضاف: «تظهر عبقرية فوزى فى أنه استخدم فى أغانيه أصواتاً من الطبيعة مثل أصوات الحيوانات فى (ذهب الليل) مثل العصفور صوصو والقطة نونو، والأطفال بطبيعتهم يحبون تقليد أصوات الحيوانات»، وتابع: «هذه هى أهم التوابل التى استخدمها فوزى فى أغانيه وجعلت الأطفال يحبونها، كما أنه دون أن يتكلم أو يتحدث تجد نفسك أمام شخص خفيف الظل، قريب من الأطفال، فشكله وجسمه لا يوحى لك أنك أمام شخص كبير فى السن بل أمام طفل فى هيئة رجل، ولذلك شعر الأطفال بأنهم أمام شخص منهم ولا يختلف عنهم سوى بالجسم فقط».
أما الدكتور زين نصار، أستاذ النقد الموسيقى بكلية التربية الموسيقية، وأحد أبرز المؤرخين لمشوار فوزى، فيتحدث قائلاً: «بعيداً عن عبقريته فى التلحين كان رائداً للأغنية الثنائية أو الدويتو، وأحدث طفرة كبيرة بتلك الأغنية فى السينما العربية، واستطاع أن يكتسب من خلالها جمهوراً كبيراً له يحضر حفلاته الغنائية»، وأضاف: «فوزى كان عكس كثير من الفنانين والمطربين، فهو واحد من الذين أبدعوا فى تقديم الأوبريت السينمائى، كما أبدع فى الغناء دون عزف الآلات الموسيقية، فهو أول من قدم فن (اكابيلا) وهو استعراض سمعى لا بصرى، ولون فنى يستغنى عن المصاحبة الموسيقية بالآلات ويستعين بدلاً منها بالصوت البشرى من كل الطبقات من السوبرانو إلى الباص، واستخدمها فى إحدى أغنياته الشهيرة (كلمنى)، كما أنه من أهم من قدموا الأغنية الفرانكو آراب فى أغنية (فطومة) و(يا مصطفى)»، وتابع: «رغم أن فوزى كان من رواد الأغنية الشبابية وأدخل الحداثة على الأغنية المصرية، إلا أنه موسيقار ومطرب نافس فى عهده أعتى الموسيقيين، أمثال محمد عبدالوهاب ورياض السنباطى».