بعد حادث رفح.. كمائن سيناء المكشوفة «تتغطى»
لا يختلف مجند فى العريش، أى فى شوارع المدينة، عن أى مجند آخر فى كمين على الطريق الطويل الذى يربط بين العريش ورفح، لا فارق من حيث الإرادة والعزيمة والقوة والثبات، لكن هناك فارق فى التأمين، المجند فى كمائن المدينة، تجد ظهره إلى سور كبير، نادٍ أو قسم شرطة أو بناية أهلية أو حكومية، أما المجند فى الكمائن الممتدة على الطريق فينتظر صداماً طول الوقت، ينتظر طعنة أو طلقة رصاص غادرة فى أى وقت، المجند يقف أعلى مدرعته، ويده على الزناد، بينما يقف زملاؤه حول المدرعة فى كمين وفى أيديهم سلاح، والبعض منهم يستريح داخل خيمة منصوبة على بعد خطوات من المدرعة، لكن ظهر هؤلاء جميعاً مكشوف، ربما يخرج أى أحد من الخلف وعادة ما تكون زراعات ويطلق الرصاص فى غفلة.
كمين «الريسة» هو أول ما يقابلك وأنت فى طريقك إلى رفح، يبعد قرابة 2 كيلو متر عن العريش، وهو من أكثر الكمائن تعرضاً للضرب ويستهدفه مهاجمون مسلحون أكثر من مرة أسبوعياً، الضرب يكون من منطقة جبلية متاخمة لعمارات فى وجه الكمين، الطلقات ربما تأتى لتحمل رسالة فقط، فإطلاق النار والهجوم ليس بشكل عمودى فى اتجاه الكمين، لكن طلقات الرصاص تخترق مساحة أرض فضاء كبيرة بين العمارات وتستقر بجوار الكمين، القوة الموجودة فى هذا المكان تتعامل مع المهاجمين الذين يعودون إلى مكان اختبائهم ويستقر الجنود فى أماكنهم ومعهم الأسلحة.[Quote_1]
تتحرك إلى الشمال، وبعد أكثر من 5 كيلو مترات، تجد كميناً آخر فى الخروبة، لا يختلف عن سابقه، الأول ظهره مكشوف، لكن هذا الكمين، ظهره ومقدمته مكشوفان، وتجد مجنداً فى مدرعته، ينظر ويراقب ويستعد، تتجه شمالاً وتجد الكمائن، وعند مدخل الشيخ زويد، تجد السيارات تتوقف، ويطلب مجند جيش بطاقتك الشخصية، ويسألك فى هدوء: «رايح فين»، وتقول لمجند وأنت تسلمه بطاقتك، شدوا حيلكم، البقاء لله فى زملائكم، دول شهداء، لا ينظر إليك، ويأتيك رده بمرارة: «عليه العوض فى زمايلنا».
تتجه مجدداً إلى الشمال، ويستقبلك كمين الماسورة، هناك مدرعتان، وتشاهد علم مصر يرفرف على إحداهما، ويقف بداخل كل منها مجند، بينما يقف حولهما جنود يحملون سلاحاً، هؤلاء يختلفون عن سابقيهم، فمنطقة الكمين مكتظة بالسكان وكلها حركة، فهى ملاصقة لميدان الماسورة، لكن يقف جنودها دوماً منتبهين، يطلبون من قائدى السيارات ألا يتوقفوا عند الكمين، يتحرك أحدهم ويقول لك: التصوير ممنوع، لو سمحت اتحرك من هنا، الكمين يقع على بعد 1000 متر فقط من نقطة الجيش التى تعرضت للهجوم الغادر، ربما لم يتحرك أفراد كمين «الماسورة» عند سماعهم أصوات الرصاص، فالجميع هنا اعتاد أن تدوى طلقات الرصاص فى أذنه، ودون أن يسأله أحد، يقول واضح أنها مشاجرة أو اشتباك بين أفراد قبيلتين، أو إطلاق رصاص لاستعراض القوة، ليس أكثر.[Quote_2]
بالأمس الأول فقط، اختلف مشهد الكمائن الثابتة، الممتدة من رفح إلى العريش وحتى بئر العبد وكذلك الكمائن المحيطة بمدينة العريش، ومنها كمين المزرعة وكمين المطار، ظهرت حواجز ترابية ورملية فى محيط كل كمين، الحواجز الرملية جاءت لتأمين أكثر، ولتكون معوقاً أمام حركة سيارة تحمل مهاجمين، وتجعل قائدها يفكر مرات قبل أن يهاجم، الرمال والأتربة والطوب ظهرت بقوة فى كل الأماكن وتم دعمها بقوات من الشرطة، ضباط وأمناء شرطة انتدبتهم الداخلية من مديريات أمن مختلفة أبرزها القاهرة والجيزة، لكن هؤلاء آخر ظهورهم فى محيط العريش أو عند كمين الريسة، لكنك لا تجدهم عند كمائن أخرى فى الشيخ زويد ورفح، لا تجدهم، ولكن تجد كلمة، تملأ العيون، تجدها ظاهرة وقوية: «النصر أو الشهادة».. كلمتان متجاورتان، تؤكدان أن من فى الكمين، يحمل سلاحه فى يد، وفى اليد الأخرى «روح» صاحبها، وشهادة وفاة، هناك مشاريع شهداء، ينتظرون الموت، الموت القادم بمقدمات أحيانا، ومرات دون مقدمات، موت يحمل الشهادة، ويقول إن النصر ليس بعيداً، بل قادم من بعيد.