الدقهلية: زيادة فى «البلدى».. واختفاء شوادر المستورد
حتى تجارة أدوات الجزارة لم تسلم من حالة الركود
حاصرت أمراض الصيف أعداداً كبيرة من الماشية التى يقوم الفلاحون وصغار المربين بتربيتها فى محافظة الدقهلية، قبل أيام من حلول «موسم الأضاحى»، واضطر معظم المربين إلى تحصين ماشيتهم خلال الفترة الماضية، لحين التخلص منها ببيعها خلال الفترة التى تسبق «عيد الأضحى»، والتى عادةً ما تنشط فيها حركة البيع والشراء، إلا أن الأمر هذا العام يختلف عن السنوات السابقة، نظراً لوجود زيادة فى المعروض من اللحوم البلدى، مقابل انخفاض الطلب على الأضاحى، بسبب ارتفاع أسعارها، ما أدى إلى حالة من العزوف عن الشراء، وأصبحت أسواق الماشية تعانى حالة من الركود، لم تشهدها على مدار السنوات الأخيرة. واللافت هذا العام، اختفاء شوادر بيع الخراف و«الأضاحى» المستوردة من شوارع المحافظة، باستثناء عدد قليل منها، إضافة إلى انتشار منافذ بيع اللحوم السودانية، والتى وصل سعر الكيلو منها إلى 85 جنيهاً، فى الوقت الذى تعدى فيه سعر كيلو اللحوم البلدية لأكثر من 130 جنيهاً، الأمر الذى كان سبباً أيضاً فى حالة الركود غير المسبوقة بأسواق الماشية المحلية.
«الأسعار السنة دى زى السنة اللى فاتت، ومع ذلك لا فيه بيع ولا شراء»، هكذا بدأ خالد عبدالسميع، تاجر ماشية بمدينة المنصورة، حديثه مع «الوطن»، وقال إن آخر سوق حضره كان «سوق الأربعاء» الأسبوعى فى مدينة دكرنس، ورأى فيه أعداداً من مختلف أنواع الحيوانات، عجول وجاموس وأبقار وخرفان، بكميات لم يشاهدها فى حياته، لدرجة أن السوق لم يستوعب الكميات المعروضة، رغم سعته، وتوقف أصحاب الحيوانات بها فى الشوارع المحيطة بالسوق، ورغم ذلك فالزبائن محدودة، وعمليات البيع والشراء شبه متوقفة تماماً.
التجار: الأسعار لا تختلف كثيراً عن العام الماضى.. وذبح العجول «اللبانى» يهدد بالقضاء على الثروة الحيوانية
وأضاف أن المربين تكبدوا خسائر كبيرة خلال الفترة الماضية لتجهيز ماشيتهم للبيع خلال «موسم الضحية» السنوى، من خلال توفير الأعلاف اللازمة لتغذيتها من «كُسب» و«دريس» وغيرهما، بالإضافة إلى شراء التحصينات اللازمة لها، لحمايتها من الأمراض، أملاً فى بيعها بأسعار تحقق لهم بعض الأرباح، ولكن جاء الموسم هذا العام على عكس توقعاتهم، حيث دفع الغلاء وارتفاع الأسعار كثيراً من المواطنين إلى الإحجام عن شراء الأضاحى، أو إلى البحث عن أضحية بحجم صغير، وبسعر مناسب فى حدود إمكانياته، وأشار «عبدالسميع» إلى أن أسعار الماشية هذا العام لا تختلف كثيراً عن العام الماضى، رغم الارتفاع الكبير فى تكاليف الإنتاج والأعلاف، وبالنسبة للأبقار، فإن الإقبال على شرائها ضعيف للغاية، نتيجة ظهور حالات إصابة بمرض «الجلد العقدى» فى عدد من المحافظات.
«كنت بابيع كل أسبوع رأس جاموس فى المحل، الآن لا أستطيع أن أبيع نصفها»، هذا ما أكده محمود خالد، جزار، وقال إن «السوق أصبح لا يشجع على العمل، ورغم أن المكسب محدود، إلا أن إقبال المواطن على اللحوم البلدية أصبح محدوداً للغاية، ويأتى لنا فقط أصحاب الأمراض، أو الذين يحتاجون لحوماً خاصة، أما المواطن العادى فأصبح يبحث عن اللحوم السودانية أو المستوردة»، وتابع بقوله: «نحن كجزارين أصبحنا نتشارك فى الرأس الواحدة أسبوعياً، ولولا حفاظنا على الزبائن منذ سنوات، لكنت غيرت المهنة التى ورثتها عن أجدادى».
وطالب «خالد» المسئولين عن الثروة الحيوانية بضرورة الحفاظ عليها من اللحوم المستوردة، مؤكداً أن «اللحوم المحلية لا يعلى عليها أبداً، من حيث أنها مضمونة، وخالية من الأمراض، ويتم ذبحها بإشراف بيطرى كامل، ويتم إعدام أجزاء مصابة بها، أما اللحوم المستوردة فإنها لا تأخذ نفس العناية والاهتمام، التى تنالها اللحوم البلدية»، على حد قوله.
أما على حاجزى، تاجر ماشية بسوق «البرامون»، بدائرة مركز المنصورة، فأكد أن السوق الذى يُقام يوم الثلاثاء من كل أسبوع، لم يعد يستقبل نفس الأعداد الكبيرة من الرواد الذين كانوا يترددون عليه فى السابق، وقال: «كانوا يأتون إلينا من كل المحافظات، إما للشراء أو للبيع، كنا نعتبر يوم السوق عيداً لنا، أما الآن فنأتى إلى السوق لنجلس ونفطر ونشرب الشاى، ولا نبيع إلا القليل»، مشيراً إلى أن بعض الزبائن يقبلون على شراء العجول الصغيرة «اللبانى»، المولودة حديثاً والتى لا تتعدى أعمارها سوى أسابيع قليلة، ولها زبائنها فى القاهرة والإسكندرية، الأمر الذى يؤدى إلى تدمير الثروة الحيوانية، دون وجود أى رقابة لمنع ذبحها بالمخالفة للقانون.
وعن السبب فى عزوف المواطنين عن شراء «الأضاحى»، أكد محمود إبراهيم، أحد المواطنين من أبناء الدقهلية، أن إقبال البعض على الاشتراك فى شراء الأضحية، وانتشار الجمعيات الأهلية، التى تعمل على تجميع المواطنين الراغبين فى تقديم الأضاحى، وكذلك صكوك وزارة الأوقاف، كل هذا جعل المواطنين يفضلون المشاركة فى الأضحية، بدلاً من تحمل كل منهم شراء أضحيته بمفرده، خاصةً بعد أن تجاوز سعر العجل الجاموس مبلغ الـ20 ألف جنيه، مشيراً إلى أنه اشترك مع 6 آخرين فى أضحية، ودفع كل منهم مبلغ 4 آلاف جنيه، وبعد تحمل كافة تكاليف الشراء والعلف والجزار، يأخذ كل واحد نصيبه فى النهاية.
من جانبه، أكد نقيب الأطباء البيطريين السابق بالدقهلية، الدكتور سامى طه، ضرورة صرف تعويضات مناسبة للمربين عن إصابة حيواناتهم بأمراض وبائية، وقال إنه «آن الأوان لحل جذرى ينقذ الثروة الحيوانية، وإعادة الاعتبار لمهنة عمرها أكثر من 190 سنة»، مشيراً إلى أن إجمالى الاستثمارات فى الثروة الحيوانية فى مصر يُقدر بنحو 300 مليار جنيه، بينما أكد مسئول بمديرية الطب البيطرى بالدقهلية أن المديرية تقوم بشن حملات موسعة لمراقبة الأسواق، من خلال فرق من الأطباء البيطريين، للكشف عن الأمراض، وتوفير العلاج والأمصال اللازمة لأى حالات إصابة يتم رصدها، وأضاف أن الحملات مستمرة فى القرى والعزب والنجوع، بالإضافة إلى دورات التوعية للمربين، لتعريفهم بالأمراض المختلفة التى قد تصيب ماشيتهم، وكيفية التعامل معها، وطرق الوقاية منها.