تعرف على أحوال الحرب والسلم بين المسلمين وغيرهم في ضوء آيات القرآن
زيار شيخ الأزهر لبريطانيا
ناقش مرصد الأزهر لمقاومة التطرف، الأدلة التي اعتمد عليها تنظيم داعش من الآيات القرآنية ليبيح من خلالها قتل الكافر والمخالف له.
وهي قوله تعالي في سورة البقرة "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَاتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّاعَلَى الظَّالِمِينَ". وقوله تعالى في سورة التوبة "فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ".
وأكد المرصد أن :"الإسلام دين عالمي ويدعو إلى السلام واحترام الأديان وحرمة الدماء، وبالنظر إلى الأدلة التي يستند إليها هذا التنظيم الإرهابي نجدها نصوصًا مجتزأة من سياقها، مستخدمة في غير موضعها غاضين الطرف عن السابق واللاحق من الآية، إذ على سبيل المثال يستدلون بقوله تعالى: "وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ" كدليل مشروعية على الاعتداء على الآخر تحت مسمى الجهاد المزعوم دون النظر إلى الآيات التي سبقتها حيث يقول تعالى: " وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّـهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ" لتبين أن القتال ما شُرع إلا للدفاع عن النفس ضد المعتدين وليس لاستباقية العداء.
وأوضح :"لم يأت الإسلام يومًا لإرغام الناس على الدخول فيه، وقد قسم الشرع غير المسلمين من ناحية إبرام العهود والمواثيق معهم وعدم إبرامها إلى 6أنواع:
أولاً: غير المسلمين الذين لم يُعاهدوا ولم يعتدوا: وهؤلاء تنطبق عليهم سائر الآيات التي ضمنت حرية الاعتقاد وحرية التدين، مثل قوله تعالى: ﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ﴾، ﴿أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ﴾، ﴿لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ﴾، ﴿فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ﴾.
ثانيًا: غير المسلمين الذين لم يعاهدوا واعتدوا: وينطبق عليهم قوله تعالى:﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ*وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلاَتُقَاتِلُوهُمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ*فَإِنِ انتَهَوْاْ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ[2]*وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَتَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾، فقد كان أول الأمر أمرًا بالصفح والعفو، والصبر على الأذى، ثم كان الإذن في الدفاع حتى يكفّ المعتدون عن عدوانهم في قوله تعالى: ﴿أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾، ثم كانت براءة والأمر فيها بقتل مَنْ نقضوا عهدهم مع النَّبي عقوبة على نقضهم، وبعدم العفو عنهم، حتى وإن تظاهروا بالكف عن العدوان، إلا إن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة.
ثالثًا: غير المسلمين الذين عاهدوا فلم ينقضوا ولم يُوفوا، وحاولوا إرضاء المؤمنين بأفواههم ولكن تأبى قلوبهم: ففيهم قوله تعالى: ﴿كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِندَ اللّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ﴾، وقوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ*اشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ*لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِن قَوْمٍ خِيَانَةً فَانبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاء إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ*وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ*وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ﴾؛أي: لا لتعتدوا به عليهم، وإنَّما: ﴿تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَإِن جَنَحُواْ لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا﴾، وقوله تعالى:﴿فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾.
رابعًا: غير المسلمين الذين عاهدوا فوفّوا وفيهم مَنْ لم يعاهدوا ولم يعتدوا، وفيهم أيضًا قوله تعالى: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، وقوله: ﴿إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ عِندَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَاسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾، ولم يكن في حياة النّبي من هؤلاء إلا الذين عاهدهم النبي عند المسجد الحرام، بدليل اختصاصهم بالاستثناء من كل الأوصاف في الناقضين من غير المسلمين المعاهدين في قوله تعالى: ﴿كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَاشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَن سَبِيلِهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ﴾، فسائر غير المسلمين الذين عاهدوا النّبي -صلّى الله عليه وآله وسلّم- كانوا بين ناقضين عهدهم معلنين نقضهم وبين مستخفين متظاهرين بإرضاء المؤمنين، وتأبى قلوبهم.
خامسًا: غير المسلمين الذين عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع النَّبي، فقد كان فيهم قوله تعالى: ﴿فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾.
سادسًا: غير المسلمين الذين عاهدوا ثم نقضوا عهدهم مع المؤمنين بعد النبي، ففيهم قوله تعالى: ﴿وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ﴾؛أي: وإن لم يتوبوا ولم ينكثوا فعلى ما أنتم عليه؛ أي: ﴿أَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ﴾.
أما قوله تعالى: «فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ» فهذا الحكم قائم على المسلمين الذين يلتقون بالكافرين في ميدان القتال، فإنهم مأمورون بأن يضربوا الضربات القاتلة للأعداء، وهذا الحكم إنما هو في حال الحرب، أما إذا انتهت الحرب، وخمدت نارها، فليس للمسلم أن يبدأ بعدوان، أو أن يقتل أحدا من الكافرين إذا لقيه وأمكنته الفرصة منه.. فحرمة غير المسلم مصونة، ودماؤه معصومة ، لا يجوز لأحد أن يجترئ عليها، لأنه بنيان الله، وهو الذي استدعاه إلى هذه الحياة وجعله خليفة، ولذلك عصم دمه.