دراسة أمريكية: الصين غير مسئولة عن مشكلات «واشنطن» الاقتصادية.. وعلينا الاستفادة من تجربتها
بضائع صينية تنتظر الشحن إلى الولايات المتحدة
على الرغم من أن الصين تعد أكبر شريك تجارى للولايات المتحدة، وثالث أكبر سوق اقتصادية فى العالم، وأسرع الاقتصادات نمواً بالنسبة للصادرات الأمريكية، وكذلك أكبر حامل للديون الأمريكية، فإن كل هذا لم يمنع الولايات المتحدة من فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الصين، بل إن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هدد بفرض المزيد من العقوبات، متهماً الصين بانتهاك حقوق الملكية الفكرية للمنتجات الأمريكية. ويرى الباحث والكاتب بمجلة «فورين بوليسى» الأمريكية، وعضو مركز دراسات وسياسات شرق آسيا، رايان هاس، أن «إدارة الرئيس الأمريكى ترى أنه يجب انتهاج استراتيجية جديدة للرد على صعود الصين التجارى».
وتابع الكاتب، فى ورقة بحثية نشرها مركز «بروكينز»، أن «كل هذا ينبع من الرأى القائل بأن الولايات المتحدة والصين يخوضان صراعاً أيديولوجياً بين الحرية والاستبداد، ففى الوقت الذى يهدد فيه صعود الصين موقع الصدارة العالمية للولايات المتحدة، فإن هناك حاجة إلى نهج أكثر تشدداً لحماية مكانة الولايات المتحدة فى العالم ورفاهية مواطنيها».
وتابع أن «معتنقى تلك الأيديولوجية وجدوا ضالتهم فى تصريحات الرئيس الصينى شى جين بينج، التى قال فيها إن الصين سوف تتصدر المشهد العالمى، كبديل عن نموذج الحكم الديمقراطى الغربى، وبهذا التصريح، شجع مَن ينظرون إلى العلاقة بين الولايات المتحدة والصين باعتبارها معركة أيديولوجية من أجل التفوق العالمى».
وأشار الكاتب إلى أن «ترامب» يأخذ هذه العلاقة فى اتجاه الخصومة، كما أنه استفاد من مناخ الإحباط العام مع الصين لمصلحته السياسية، خلال الحملة الرئاسية وبعدها، فقد استفاد «ترامب» من الغضب العارم من خلال تصوير الصين على أنها تسرق الابتكارات الأمريكية، وتستولى على الوظائف الأمريكية، بل وتغتصب مكانة الولايات المتحدة فى قيادة العالم، لكنه فى الوقت نفسه، أثنى على الرئيس الصينى محاولاً استثارة الصينيين للتعاون، لكن هذه الجهود لم تسفر عن التقدم المنشود، ما دفع «ترامب» إلى الإشارة إلى أنه سيتخذ مواقف أكثر صرامة تجاه الصين.
«بكين» أكبر شريك تجارى وثالث سوق وأسرع الاقتصادات نمواً لصادراتنا وأكبر حامل لديوننا
وأوضح الكاتب أن هناك أسباباً مشروعة لتزايد الإحباط العام بين الأمريكيين تجاه الصين، فقد تطوَّر الصينيون فى المجالات الرئيسية، ومن المناسب والضرورى للولايات المتحدة أن تحاول كبح جماح سياسات الصين، ولكن قبل القيام بذلك، فإن الإدارة الأمريكية مدينة لشعبها بتقديم شرح لأهم المخاطر التى تنطوى عليها العلاقة بين الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن تقديم تفسير لبعض المشكلات، وأفضل طريقة للقيام بذلك هى مسارعة مسئولى إدارة «ترامب» إلى تسليط الضوء على المشكلات، كما فعلوا بالفعل، لكنهم غائبون عن تقديم حلول واقعية وذات مصداقية.
وتابع «هاس»: «هناك بعض الحقائق التى لا تقبل الجدل عن العلاقة بين البلدين، فالصين هى أكبر شريك تجارى لأمريكا، وهى ثالث أكبر سوق وأسرع الاقتصادات نمواً بالنسبة للصادرات الأمريكية فى العالم، وأكبر حامل للديون الأمريكية، كما أن التجارة والاستثمار مع الصين تدعم ما يقرب من 2.6 مليون وظيفة فى الولايات المتحدة، وأى توتر فى العلاقات سيأتى بتكلفة اقتصادية عالية للمواطنين الأمريكيين، مما يؤدى على الأرجح إلى ضغط على سوق الأسهم فى اتجاه الهبوط، وكذلك ارتفاع أسعار السلع المصنّعة فى الصين مثل هواتف آى فون، علاوة على ضعف النمو الاقتصادى».
ويرى الباحث أن النهوض الاقتصادى للصين لم يكن بالضرورة على حساب الولايات المتحدة، وذلك وفقاً لبيانات صندوق النقد الدولى، ففى عام 1992 -فى ذروة الهيمنة الأمريكية فى فترة ما بعد الحرب الباردة فى النظام الدولى - كان الاقتصاد الأمريكى يمثل 26 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى بالقيمة الاسمية، وفى عام 2017، ما زالت الولايات المتحدة تمثل 24.4 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، والفرق الرئيسى هو أن أسهم أوروبا واليابان انخفضت، فى حين ارتفعت الصين بسرعة خلال هذه الفترة، من أقل من 1 فى المائة فى عام 1992 إلى ما يقرب من 15 فى المائة من الناتج المحلى الإجمالى العالمى الآن.
ويضيف الباحث أنه على الرغم من أن الممارسات التجارية غير العادلة التى تمارسها الصين تمثل مشكلة حقيقية يجب معالجتها، فإنها لم تكن السبب الرئيسى لخسائر الوظائف الأمريكية الأخيرة، ووفقاً لبحث أجرته جامعة بول ستيت الأمريكية، فإن 85 فى المائة من خسائر الوظائف ترجع إلى زيادة فى استخدام الأنظمة الآلية عوضاً عن البشر، وليس التجارة مع الصين، فالمصانع أصبحت تحتاج إلى عدد أقل من الأيدى العاملة، ونتيجة لذلك، ومن غير المرجح أن تستطيع السياسات الحمائية حل مشكلة زيادة معدلات البطالة، بل إن تلك السياسات الحمائية يمكن أن تضر بالنمو الاقتصادى.
واقترح الباحث أنه فى إطار سعى الولايات المتحدة لحل مشكلاتها مع الصين، يمكن لها الاستفادة من تجربتها الأخيرة فى عام 2015، عندما استخدم صنّاع القرار الأمريكيون التهديد بفرض عقوبات على الصين لإجبارها على الدخول فى مفاوضات صعبة للغاية بشأن سرقة حقوق الملكية الفكرية التى ترعاها الحكومة، وذلك لتحقيق مكاسب تجارية، وعلى الرغم من أن تلك المفاوضات لم تكتمل، فإنها أدت إلى حدوث تغيير كبير فى سلوك الصين، لصالح المبدعين الأمريكيين.
وأكد «ترامب» أنه إذا كانت إدارة ترامب ترغب حقاً فى حل مشكلات محددة، فإنها تستطيع أن تضغط على الصينيين للدخول فى مفاوضات مقيدة زمنياً، مع الحفاظ على التهديد بفرض تعريفة جديدة من جانب واحد على المنتجات الصينية إذا فشلت المفاوضات فى تحقيق النتائج المطلوبة.
ومن ناحية أخرى، إذا كانت إدارة «ترامب» تريد ببساطة أن تستخدم الصين كعدو لتحقيق مكاسب سياسية، فإن ذلك سوف يكون له تداعيات اقتصادية خطيرة، فالصينيون لديهم طرق واسعة للتسبب بخسائر للاقتصاد الأمريكى إذا أدركوا أنهم أصبحوا فى خضم حرب تجارية، وبدلاً من أن تسعى إدارة «ترامب» لزيادة المشكلات مع دول كبرى مثل الصين، فإنه يجب التركيز على مشكلات محددة لإيجاد حلول لها، ووضع خطة جادة لمعالجة المخاوف الملموسة المتعلقة بحماية الملكية الفكرية، وكذلك تحديد السياسة الصناعية.