محلل المركز «الأوروبى العربى»: استغلال «ترامب» للعامل الاقتصادى يُفقد حلفاء واشنطن الثقة فيها
مجاهد الصميدعى
قال المحلل السياسى بالمركز الأوروبى العربى لدراسات مكافحة الإرهاب فى بريطانيا مجاهد الصميدعى، إن السياسة الأمريكية حالياً تنظر للعامل الاقتصادى بشكل رئيسى، سواء فى التعامل مع أصدقائها أو أعدائها، لافتاً، فى حواره لـ«الوطن»، إلى نجاح هذه السياسات جزئياً فى إيجاد حلول لمشكلات سياسية تاريخية، مثلما حدث مع أمريكا الشمالية، ومحاصرة السياسات الإيرانية. وإلى نص الحوار:
بداية، كيف تقيّم قرارات الإدارة الأخيرة بفرض عقوبات اقتصادية على عدد من الدول؟
- أمريكا كان لديها حلفاء دائمون، مثل الاتحاد الأوروبى، أو دول حلف الناتو، أو حتى تركيا، وهم حلفاء قدماء منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، ولم يتوقع أحد أن تتعامل أمريكا مع حلفائها على أساس الفوائد الاقتصادية، بعد أن كانت تدعم هذه الدول واقتصادها وأمنها، إلا أن السياسة الأمريكية الحالية تختلف بالكامل عن سياسات القيادات السابقة. قبل الانتخابات كانت هناك تصريحات تفيد بأن وصول «ترامب» يُحدث هزة فى البيت الأبيض، وهو ما حدث بإحداث تغيير كامل للسياسات باستخدام العامل الاقتصادى، حتى وإن تسبب ذلك فى خسارة الحلفاء أو الأصدقاء، وأصبح هو العامل الرئيسى فى تعاملات «واشنطن» فى سياستها الخارجية.
وما مدى تأثير هذه العقوبات فى ردع الدول الأخرى وتغيير سياستها؟
- إن لجوء الولايات المتحدة لتطبيق هذه العقوبات على الدول المعادية لسياستها، بدأت تتضح تأثيراته داخل هذه الدول، مثلاً مع كوريا الشمالية التى اتجهت فى الفترة الأخيرة لأن تصبح من أصدقاء أمريكا، خصوصاً أن العامل الاقتصادى حاسم وأحد الأسباب الرئيسة التى ضغطت على كوريا الشمالية لتغيير سياستها. وانعكست هذه التأثيرات مؤخراً على تركيا وعملتها «الليرة» التى انهارت، أو تأثرت بشدة، بمجرد التهديد بفرض عقوبات أمريكية، رغم أنها حليفة لأمريكا. وبخصوص إيران، نجد أن العقوبات عليها ستكون طويلة الأمد فى حال استمرار العناد الإيرانى بشأن برنامجها النووى، وستؤثر هذه العقوبات بشدة على «طهران». والاقتصاد الأمريكى القوى يسمح لأمريكا بالتحكم فى العالم.
«الصميدعى»: لـ«ساكن البيت الأبيض» علاقة عائلية واقتصادية وسياسية بـ«تل أبيب»
وكيف ترى استخدام هذه العقوبات ضد حلفاء أمريكا، باعتباره سلوكاً جديداً على السياسة الخارجية الأمريكية؟
- يمتد تأثير تطبيق العقوبات الأمريكية على حلفائها فى فقدان الثقة بالشريك الأمريكى، ما يمثل مشكلة حقيقية، ففى وقت سابق، وحتى مع وجود بعض المشكلات، فإن العلاقات القوية بين أمريكا وحلفائها لم تتأثر، لكن الوضع الآن تغير بسبب التعامل مع الحلفاء على أساس اقتصادى، وفرض عقوبات على الحلفاء يُفقد دول العالم الثقة فى التعامل مع أمريكا.
وما تقييمك لما يسمى «العقوبات الذكية» لتجنب التأثير المباشر فى الشعوب؟
- يتأثر المواطن بالعقوبات الاقتصادية، سواء كانت ذكية أم لا، لأن مردود هذه الجزاءات على الاقتصاد، ومن ثم تنعكس على العملة، ما ينعكس بدوره على المواطن.
إلى أى مدى ينعكس تأثير سياسة العقوبات على شعبية الحزب الجمهورى فى انتخابات التجديد النصفى المقبلة؟
- للأسف نجحت السياسات الأمريكية الحالية فى حل عدد من المشكلات الدولية، مثلما حدث مع كوريا الشمالية، ومحاصرة السياسات الإيرانية، وتدخلها المباشر فى سوريا. وأوجدت سياسة «ترامب» حلولاً مباشرة لكثير من المشاكل الدبلوماسية، خصوصاً دعواته التى تطالب بإيقاف الهجرة إلى أمريكا، ووقف منح الجنسية الأمريكية للمهاجرين إلا بعد مرور عشر سنوات تجد تأييداً لدى قطاع من الشعب الأمريكى، ما يجعل تأييد الجمهوريين متوقعاً فى انتخابات التجديد النصفى نوفمبر المقبل.
كيف ترى تأثير اللوبى الإسرائيلى فى دفع السياسة الخارجية لفرض عقوبات على دول مثل إيران؟
- اللوبى الإسرائيلى له تأثير قوى داخل أمريكا فى ظل وجود «ترامب»، والأخير يعلن مباشرة أنه حليف وصديق قوى لإسرائيل، وأنه داعم لإسرائيل فى جميع خطواتها، سواء كانت صحيحة أم خطأ، وهذه السياسات فى الحقيقة لها صلة بأصهار الرئيس الأمريكى اليهود، كما أن «ترامب» رجل أعمال وله علاقات مع رجال أعمال يهود، ما يؤكد الارتباط القوى بين الرئيس الأمريكى وإسرائيل، سواء اقتصادياً، أو عائلياً، أو سياسياً، ولذلك دعم «ترامب» لإسرائيل غير محدود.
إلى أى مدى ما زالت أهداف العقوبات الاقتصادية الأمريكية مرتبطة بمحاربة الإرهاب؟
- من الممكن أن تكون محاربة الإرهاب ذريعة للسياسات الأمريكية لفرض العقوبات على الدول الأخرى. إلا أن السياسات الأمريكية الحالية فى مجال مكافحة الإرهاب تجاوزت الجهود الدبلوماسية بالقيام بأعمال مباشرة لمنع الإرهاب، مثل وجود «واشنطن» فى العراق وسوريا واليمن بشكل مباشر بقواعد عسكرية لمحاربة الإرهاب، إلا أنها فى نفس الوقت تنظر للعامل الاقتصادى. وفى رأيى، «ترامب» هو أكثر رؤساء أمريكا استخداماً لأداة العقوبات الاقتصادية، ولا ينتظر حلولاً دبلوماسية. وأبرز المثال على ذلك ما حدث فى تركيا، فلم ينتظر ذهاب وفود دبلوماسية لأنقرة لحل أزمة القس الأمريكى، بل سارع بفرض العقوبات الاقتصادية مباشرة، لإرغام تركيا، التى تعلم جيداً مدى قوة وتأثير الاقتصاد الأمريكى عليها.
ما توقعاتك للمشهد الدولى فى ظل استمرار فرض الجزاءات الأمريكية؟
- لو استمرت الدول فى مقاومة العقوبات الأمريكية دون تغيير فى السياسات كما تريد الإدارة الأمريكية، ستظل معاناة هذه الدول اقتصادياً، مثلما حدث فى العراق، التى فرضت عليها العقوبات الأمريكية لمدة 13 عاماً، ما أدى لانهيار الاقتصاد العراقى، والعملة العراقية. وإعادة بناء الاقتصاد القومى يحتاج لسنوات. والجلوس فى مفاوضات مع أمريكا هو الحل الأمثل، فمثلاً المجتمع الدولى لن يسمح لأى دولة فى العالم النامى بامتلاك قنبلة نووية.